Site icon IMLebanon

البغدادي «خليفة»… لمَن؟

من تمثل هذه «الدولة الإسلامية» التي اعلنت عن مبايعة ابي بكر البغدادي «خليفة للمسلمين» وباسم من تتكلم؟ البيان الذي قرأناه عن انبعاث «الخلافة» كان يمكن اعتباره مجرد مزحة ثقيلة الظل، لولا اعمال القتل والارهاب والوحشية التي تميز سلوك هؤلاء الذين باتوا يشكلون أخطر بدعة في تاريخ الاسلام وأكبر خطر على تراثه.

«الدولة الاسلامية» المزعومة هذه لا ينتج من حكمها سوى تفكيك المسلمين ونشر الاقتتال بين صفوفهم، وتقديم أسوأ صورة ممكنة عنهم الى ابنائهم اولاً والى العالم الخارجي ثانياً. وفي الوقت الذي تعلن هذه «الدولة» سقوط الحدود بين سورية والعراق، بحجة الانتصار على حالة التقسيم التي تقول انها نتجت من اتفاق «سايكس بيكو» لاراضي الدولة العثمانية، فانها في حقيقة الامر لا تعمل الا على تفكيك الدولتين اللتين ينشط اجرامها فيهما اليوم، كما انه مرشح للانتشار في بلدان اخرى. فاذا كان صحيحاً ان السنّة في العراق وسورية، الذين يزعم هذا «الخليفة» البائس الحديث باسمهم ورفع الظلامة عنهم، يسعون الى تصحيح اوضاعهم وتحقيق المساواة بينهم وبين سائر المواطنين، فانهم بالتأكيد لا يسعون الى تقسيم بلدهم ولا الى اقتطاع جزء منه ليقيموا فيه معزولين، كما انهم لا يرون صورتهم في ابي بكر البغدادي ولا في سلفه ابي مصعب الزرقاوي، مثلما انه لم يروا صورتهم من قبل في ذلك «الخليفة» الآخر الملا عمر، الذي جلبت «خلافته» واحتضانه لاسامة بن لادن اكبر كارثة على صورة المسلمين في العالم.

ظاهرة «داعش» التي تديرها عصابة البغدادي، والتي تحولت الى منتج جديد باسم «الدولة الاسلامية» او «داس» (ارجو ان يدفعوا حق استخدام هذا الشعار اذا تبنّوه) هي ظاهرة لا تنضح الا بالتخلف وبالاغتراب عن العصر وكل ما فيه من قيم انسانية. وهي اسوأ وريث للدول التي تزعم «دولة البغدادي» انها تسير على خطاها وتحاول احياء تراثها، من الدولة الاموية الى دولة العباسيين وصولاً الى الحكم العثماني. ولأن «دولة البغدادي» لا يديرها الا الجهلة والاميون، فهي تجهل طبعاً الظروف والاوضاع التي عاش المسلمون وغير المسلمين في ظلها، في تلك الدول. وتجهل فوق ذلك الانفتاح والتفاهم اللذين كانا قائمين بين الحكم الاسلامي آنذاك، وسواه من الامبراطوريات الغربية، فضلاً عن الانفتاح الثقافي على العصر الذي تمثل بالترجمات عن الروائع العالمية، وبتشجيع مبادرات الابداع الثقافي والعلمي التي كان يحتضنها الخليفة نفسه.

رغم ذلك، فان «دولة البغدادي» لم تنشأ من فراغ، كما ان المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها، والتي تساوي مساحة بريطانيا، لم تحصل السيطرة عليها بطريق الصدفة. فالتراخي الغربي في دعم قوى المعارضة المعتدلة في سورية في مواجهة القمع الذي يمارسه نظام بشار الاسد ضد شعبه، وامعان نظام نوري المالكي في تهميش القيادات السنّية في العراق وفي ممارسة سياسة انحياز مطلقة الى مصالح ايران على حساب مصالح العراقيين، كانا العاملين اللذين غذّيا خطاب التطرف في سورية والعراق، الذي وجدت فيه «داعش»مؤونة مناسبة.

تحوم اسئلة كثيرة حول الجهات التي تغذي «داعش» والتي تستفيد من انتشار هذا الوباء. واذا كانت «دولة البغدادي» تدرك ان اعداءها الحقيقيين هم المعتدلون من السنّة قبل سواهم، كما اثبتت باعدام عدد من قادة «الصحوات» في ريف حلب وصلبهم، فانه لا بد من التساؤل عمّن يخدم البغدادي، الذي لا يقاتل سوى التنظيمات السنّية، سواء في سورية او في العراق، ولا يتمدد الا في الاراضي التي تسيطر عليها هذه التنظيمات، كما لا يقدم نفسه الا كبديل عن قياداتها.

«داعش» او «داس» عنوان للتفكك وللمذابح والحروب الداخلية. والرد عليه يجب ان يكون برفع صوت الاعتدال والوحدة والنفور من الخطاب المذهبي والطائفي.