مع إقتراب المهلة الدستورية للإنتخابات النيابية، بدأت «عاصمةُ الموارنة»، كسروان، تشهد حراكاً إنتخابيّاً مخفيّاً لمعظم القوى السياسية، وظاهراً للنائب السابق منصور البون، الذي يعيش تخبّطاً سياسياً، باحثاً عن دور مفقود يُحاول لعبه على الساحة الكسروانية والسياسية الوطنيّة.
السؤال الذي يحيِّر الأوساط الكسروانية الشعبية: ما هو موقف البون السياسي؟ فكلّما اجتمع كسروانيّان في غزير أو حارة صخر أو عشقوت أو ريفون، أو حتّى في جورة بدران، يتحدّثان عن مواقف السياسيّين والنواب ويقوّمونها ويتحمَّسون لهذا أو ذاك، لكنّهم لا يأتون على ذكر مواقف البون، لأنّه في الأساس «لا موقف سياسياً واضحاً له». فإطلالاته الإعلامية معدومة، وهو لا يعتلي المنابر للحديث عن المشكلات السياسية. ويعزو الكسروانيّون صمته الى سبَبين لا ثالث لهما: «إمّا لأنّه لا يعرف بالسياسة، أو لأنّه لا يُخاطر بإغضاب أحد، تحت مسمّى «سياسة اللعب على الحبال». تهكَّم الكسروانيّون المعروفون بسخريتهم المرحة، عندما زار البون في غضون 10 أيام رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ما دفع عدد من المواطنين الى التساؤل عمّا فعله البون عند الزعيمين المارونيّين الأكثر تمثيلاً، وهل وصل الوضع الماروني الى حدّ أن يجول نائب سابق لا يتحدّث في السياسة على الزعيمين في هذه الظروف السياسية الحرجة التي يتهدَّد فيها وجود لبنان وكيانه؟
قلق داخلي
أثارت زيارة البون إلى الرابية، قلق النائبين نعمة الله أبي نصر وجيلبرت زوين. لأنّ هذا اللقاء التمهيدي الذي بدأ عبر النائب ألان عون يشكّل مشروع لائحة كسروانية كما تقول الأوساط المتابعة، تضم الى البون، المحامي جوزف أبو شرف، والمحامي جوان حبيش، فيما يبقى من اللائحة السابقة عون والنائب فريد الياس الخازن. ويتساءل كوادر «التيار» في كسروان أمثال رئيس بلدية عرمون روجيه عازار، الذي استقال من منصبه ليخوض الإنتخابات النيابية، وفادي بركات، ونعمان مراد، وإيلي زوين، الى متى ستطول هذه المهزلة بمحاورة التقليد السياسي الذي يزعم أنه يقدّم أصواتاً. وتقول أوساط التيار في كسروان لـ«الجمهورية» أنّه يجب إدخال تعديل جذري على اللائحة و«شدشدة» الماكينة الإنتخابية لتفادي تكرار تجربة تضعضُعِها عام 2009 نتيجة الخلافات الداخلية. لا يحمل البون في جعبته السياسية إلّا فنّ التهكّم على جميع زعماء الموارنة وقادتهم.
ويصِف البون عون وجعجع بأنّهما دخيلان على المنطقة، في وقت يسعى إلى ركوب الموجة نفسها، ويعتبر أنه الزعيم الأوحد والأكبر لها، ويدَّعي تمثيل البيوتات الكسروانية السياسية، فيما ينحصر عمله السياسي بفتح مكتب تعقيب المعاملات على أنواعها، وزيارة المدّعين العامين والتوسط لديهم.
تسلّل الى الزعامة
وتصِف شخصيات كسروانية هذه التصرفات «البونية» بأنّها «تعويض عمّا خسره بعد عودة جعجع وعون، وسحبهما البساط من تحت أقدامه، إذ إنّ زعامته لا تستنِد على أساسٍ صلب، وقد ورثها من والده فؤاد، وجدّه نعمة الله، الذي كان من مناصري زعيم كسروان آنذاك جرجس بك زوين، الملقّب بـ»الأسد اللبناني». وعندما استلم موريس زوين (ابن جورج) الزعامة، سلَّم مكتب الخدمات والعلاقات مع إدارات الدولة وأجهزتها لنجل نعمة الله، فؤاد، فاستغلَّ هذه الوظيفة لتقوية علاقاته ومعارفه بأركان الدولة. وعندما تمكَّن فؤاد البون من تشكيل حيثيّة ومراكز قوّة له، إنقلب على الزعامة «الزوينية» وأصبح غريم بيت زوين السياسي. من هنا يتَّضح أنّ إيهام البون للجيل الكسرواني الجديد بأنّه ينتمي الى عائلة سياسية لا أساس له من الصحة، بل هو وريث ما بَناه والده وجدّه. وهو الوريث غير الشرعي لبعض الزعامات الزوينيّة. وتتحدّث المعلومات عن أنّ البون يُبدي خوفاً شديداً من تراجع زعامته لصالح الأقوياء بعد عام 2005، بعدما تناقل الكسروانيّون أخيراً، أخباراً عن إمكان ترشّح الرئيس السابق ميشال سليمان في كسروان وقيادته لائحة مستقلة أو متحالفة مع «14 آذار»، ما يُفقد البون إحتكاره وإبتزازه لقوى «14 آذار»، لأنّه يشكّل الرافعة الأساسية لها في معركتها في وجه عون. وهو زار جعجع لحضِّه على حسم ودعم تزعّمه للائحة «14 آذار»، فيما قصَد عون لإستطلاع إمكان الحاجة له كرافعة إذا ترشَّح سليمان في كسروان، وليتفاوض معه على هذا الأساس.
تحايُل سياسي
يُحاول البون قدر الإمكان ممارسة «التحايُل السياسي» لحفظ ماء وجه زعامته المزعومة، وقد استعمل هذه الطريقة منذ العام 1988، حين تعامل مع «القوات اللبنانية» عندما كان جعجع رئيساً للحزب، وبعد سقوط المناطق الشرقية في يد الجيش السوري، تزعَّم البون حركة مؤيّدي نظام الوصاية في كسروان، وشارك في الإنتخابات النيابية عام 1992 على رغم إرادة البطريركية المارونية والمسيحيّين والكسروانيّين، وشكّل الرافعة الكسروانية للسوريين بين عامي 1992 و2000، حيث استخدم البون بطاقات التعريف السورية للدخول الى كل مراكز القوة في الدولة،، عبر الوزير محسن دلول. وفي العام 2001 إنقلب على السوريّين تدريجاً وبطريقة مدروسة، بعد تأسيس لقاء «قرنة شهوان»، وكان عرّاب الإنقلاب النائب السابق سمير فرنجية ومنسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيد. وشكّل البون كذلك بين عامي 1992 و2005 الواجهة لعمل تيار «المستقبل» في كسروان، لقاء تلقّيه دعماً وخدمات لا تُحصى. أمّا انتسابه إلى «14 آذار» فهو انتساب منفعي لا سياسي، لأنّه لا يؤمن بنهج سياسي معيَّن، ولم يخرج في يوم من الأيام بموقف سياسي صريح مؤيّد لمبادئها. وقد بات معروفاً في كسروان، أنّ البون يفطر صباحاً مع النائب ألان عون، ويتعشّى مع مستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري. ويُبدي خشيته من إتفاق الكبار في كسروان، إذ يقول المثل: «أين النملة اذا اتفق الفيلان». علماً أنّ البلد صغير، واللعب على الحبال لا يوصل الى أيّ نتيجة، واللبنانيون والكسروانيّون يتذكّرون أنّ عدداً من المواطنين علِقوا لساعات في الهواء عام 2007، عندما توقّف «تيلفريك» حريصا على الحبال، فكيف الحال بالنسبة الى السياسة التي لا ترحم، فهل يعلق البون على حبال سياسة الكبار في كسروان في إطار جولاته المكوكية بين معراب والرابية؟
فوضى… طوابير… وواسطة تتدخّل في إنجاز المعاملات، وأزمة مواقف في دائرة مالية جبل لبنان في بعبدا، بينما الفساد الإداري، والمتمثّل في «الواسطة»، بقسميها المحسوبية والاستثناءات، منتشر.
يقضي المراجعون فترات طويلة يتنقّلون من «كاونتر» الى «كاونتر»، ومن طابق الى طابق، لإنجاز معاملاتهم. في وقت يتجنَّب المسؤول المعني في الدائرة الخروج من مكتبه لمراقبة سير وانتظام العمل في الأقسام والمكاتب، يُغلق بعض الموظفين «الكاونترات» في وجه المراجعين قرابة الساعة الواحدة والنصف ظهراً. ويبدو أنّ «الشبيبة» أبرموا اتفاقاً سرّياً في ما بينهم على نمط الإغلاق المبكر، ضاربين عرض الحائط الدوام الرسمي (الثانية بعد الظهر قبل شهر رمضان). هذا فضلاً عن بطء الحركة الإدارية في الدائرة الذي يزيد كمية المعاملات وكلفتها والوقت المطلوب لإنجازها، على الرغم من فائض الموظفين و»عجقتهم» غير المبرّرة، نتيجةَ غياب التخطيط ونقص المهارات والخبرات.