ما كاد وليد جنبلاط ينهي خطابه «الانقلابي» في الشويفات، مبرّئاً «حزب الله» من تهمة «جرّ» المجموعات الإرهابية إلى داخل الحدود ربطاً بمشاركته في القتال خارج «السياج»، حتى طرق باب الرابية طالباً موعداً مع «الجنرال».
تيقّن «البيك» بعد جلسته مع السيد حسن نصرالله أنّ مفتاح الرئاسة لا يزال في جيب ميشال عون. لن يُقدم الحزب على أي خطوة من خارج ما يخطط له حليفه المسيحي أو يفكر به.
بعد عرسال، لم تعد «داعش» وأخواتها، مجرد «فزاعة» بل صارت دماً وناراً وخطراً داهماً في عقر الدار. لقد صارت بيننا.
يخشى الرجل هذا التفلّت الأمني، ويخاف من إفرازاته. ما يزيده قلقاً هو التوتر الإقليمي الحاصل من خلف الحدود كما في منظومة العلاقات الدولية. فلا القنوات الإيرانية – السعودية مرشّحة للتحسّن، ولا المفاوضات الغربية مع طهران تشي بنهاية حميدة بسبب ضغط الكونغرس على الإدارة الأميركية، فيما يبدو أنّ الخريطة الدولية تشهد حرباً باردة جديدة.
من هذا المنظار، يراقب جنبلاط المشهد اللبناني العالق في عنق الرئاسة، فيما تستفيد المجموعات الإرهابية من حالة التشظي الداخلي كي تخترق الحدود اللبنانية، وتهدد استقراراً هو أصلاً هشّ.
هكذا يحاول أن يحوك رداءً محلياً يحمي الساحة الداخلية من عواصف المنطقة التي تلفحها من كلّ الجهات. صحيح أنّه لا يملك بين يديه أفكاراً جاهزة للحوار أو مبادرة واضحة المعالم تنتظر النقاش، لكنه على الأقل مستعد لتفعيل التواصل مع مختلف القوى إذا كان من شأن ذلك أن يحدث كوة في جدار الأزمة.
طبعاً، أدى خطاب يوم الأحد، مهمته، ومهّد الطريق أمام الجولة التي سيقوم بها «أبو تيمور» على القيادات المسيحية، والتي استهلها من الرابية، وقد يدفع أيضاً الكلام «النوعي» للرجل، صديقه الرئيس نبيه بري للقيام بمبادرة تلاقي «التموضع الجنبلاطي». كما يتوقع أن يقوم وزير الداخلية نهاد المشنوق بحراك سياسي يزيد من منسوب الحوار الداخلي، ويبدأه من الرابية أيضاً.
وكما فعل حين قصد الضاحية الجنوبية، حيث تجنّب اصطحاب أيّ من «مساعديه» أو حتى نجله تيمور إلى اللقاء مع نصر الله، كذلك تقصّد أن يزور العماد عون منفرداً. ولهذا يرفض الرجل أن يزيد أيّ كلمة على البيان المشترك الذي صدر باسم الحزبين.
لكنّ من تسنى لهم الاطلاع على عناوين اللقاء، يجزمون أنّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» لم يحمل مبادرة واضحة لوضعها على طاولة الرابية، بل طرح بعض التساؤلات – الهواجس على مضيفه. عن آفاق المرحلة وتحدياتها، عن المسارات المتوقعة لها، عن كيفية مواجهة المدّ الأصولي. عن مخارج محتملة للاستحقاق الرئاسي.
ولهذا تصدّر الهم الأمني قائمة المواضيع، حيث شدد جنبلاط على أهمية تحصين الساحة من خلال نزع فتيل التفجير السياسي، ودعم كل القوى المعتدلة، مسمياً سعد الحريري خاصة، وذلك لمواجهة «الغول التطرف».
بتقدير المطلعين، فإنّ أهم ما يقوم به جنبلاط هو السعي لاستثمار الوقت الضائع، من خلال فتح قنوات مسدودة والتخفيف من حدّة التشنج الداخلي.. حتى لو لم يصل إلى نتيجة عملية.
البيان المشترك الصادر عن «التيار الوطني الحر» و«الاشتراكي» أكد أن الاجتماع كان «صريحاً وودياً، تم في خلاله النقاش في عددٍ من الملفات السياسية أبرزها المعركة التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة الحساسة ضد الإرهاب، حيث كان تأكيد مشترك على أهمية الدعم المطلق للجيش اللبناني، من دون أي شروط أو تفسيرات أو تأويلات».
وتخلّل الاجتماع نقاش في «سبل تحصين الساحة الداخلية إزاء هذه التحديات المتنامية، وفي آليات تعزيز الاستقرار الداخلي، وهو ما يتحقق من خلال الابتعاد عن الحسابات الفئوية بين اللبنانيين، ويتعمق عبر تفعيل المؤسسات الدستورية والإسراع في ملء الشغور الرئاسي».
وبحث الطرفان في العلاقة المشتركة بين «التيار» و«الاشتراكي»، وضرورة استمرار التواصل المشترك بين الحزبين وتفعيله.
وفي هذا السياق، أكّد الوزير السابق سليم جريصاتي لـ«المركزية» أنّ «الاجتماع كان إيجابياً وجيداً، وكان استطلاعياً واستكشافياً تمّ خلاله التعبير عن الهواجس واستشراف المراحل المقبلة من قبل الرجلين. وتمّ التطرق الى هذه المواضيع بكثير من الانفتاح والصراحة»، وأشار إلى أنّه «من المؤكد أنّ الانتخابات الرئاسية لم تشكّل هدف الزيارة برغم الاتفاق على ضرورة ملء الشغور الرئاسي».