سكين «داعش» التي ذبحت الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف بعد الصحافي جيمس فولي، يسلّطها تنظيم «الدولة الإسلامية» على عنق سياسة الرئيس باراك أوباما الذي اختار التريث، جرياً على نهجه، والبدء بضربات جوية لمواقع «داعش» في العراق، بالتقسيط.
وواضح أن التنظيم الذي يحتجز رهائن غربيين ويهدد بذبح بريطاني، يعتمد «استراتيجية» الذبح للردع، فيما اضطر أوباما الذي تزامن بدء جولته الأوروبية مع النهاية المأسوية لسوتلوف، إلى إعلان ما تردد مرات في قوله عن وجود استراتيجية أميركية للتعامل مع خطر «داعش» ووحشيته. يجيب الرئيس الأميركي إذاً عن تساؤلات أثارها زعماء الكونغرس الذين انتقد كثيرون منهم تردده وتحفّظه المبالغ فيه… هو لا يكشف بالطبع جوهر تلك الاستراتيجية التي يفترض أن تكون «ذكية» مثلما أحبَّ دائماً كل شيء «ذكي»، وكرّر مرات أن حكمته إنما تكمن في مقاومة الانزلاق إلى سياسات «غبية».
ما بدا «ذكياً» في حسابات أوباما الذي أعلن في أستونيا أن إدارته باشرت الحرب على «داعش»، هو تحديد إطارين لهذه المواجهة، فيتولى الأميركيون ضرب مواقع «الدولة الإسلامية» في العراق، بغارات جوية، وتُترك بقية المهمة لتحالف إقليمي… وتعتقد الإدارة بأن الاشتباك البري والعمليات الميدانية ضد «السرطان» هي من واجب كل الدول التي ستلتحق بالتحالف في المنطقة. هكذا تكون إيران في صفوفه مثل مصر والسعودية، رغم تباين مواقف الرياض وطهران من مصير النظام السوري، في حين لا يمكن الغرب تجاهل الامتداد الجغرافي لـ «خلافة» أبو بكر البغدادي، من الموصل في شمال العراق الى الفرات.
معضلتان إذاً تواجهان مهمة ما يسميه أوباما وقف «تمدد سرطان داعش» وهمجيته، ومحوه الحدود بين العراق وسورية:
1- تشكيل ائتلاف يريده إقليمياً، لئلا تضطر عواصم غربية إلى إرسال قوات إلى المنطقة، فيما يُفترض ان يؤدي الى تنسيق أمني- عسكري بين دول سياساتها غير مؤتلفة إزاء ما تتعرض له شعوب عربية من تنكيل ومجازر وإرهاب.
2- جدلية العلاقة بين حتمية ضرب مواقع «داعش» في الرقة السورية، وتجاهل الغرب أو ضرباته الجوية مواقع للنظام السوري الذي يكابد- بلا جدوى حتى الآن- لحجز مقعد الشريك في الحرب على «الدولة الإسلامية»، لكنه لا يوقف حرب البراميل المتفجرة على فصائل سورية معارضة وأحياء سكنية.
دور الشريك لم يستطع الروس تجاهله أو الصمت عنه طويلاً، في دفاع متجدد عن استعادة شرعية النظام السوري، لذلك لا ترى موسكو سوى تناقض بين «محاربة داعش في العراق ورفض التعاون مع الأسد في سورية».
وقد تستنتج دول عربية لها مصلحة أكيدة في وقف إرهاب «داعش» ومذابحه وتمدده، أن ما يريده الأميركيون ببساطة هو إبعاد خطر «الدولة الإسلامية» عن أبواب أوروبا والولايات المتحدة، وتوجيه دفة القتال عن بُعد، باستثناء التدخل جواً… ولتحشد دول المنطقة ما شاءت، ومهما سال من دماء، فهي تدافع عن حدودها ووجودها.
ما يطمح إليه الرئيس الأميركي هو ألاّ يبقى تنظيم «داعش» مصدر «تهديد للمنطقة»، لكنّ المهمة تتطلب وقتاً أطول بكثير من أسبوعين. ألا يكفي هذا المقدار من الواقعية «الذكية» لإثارة مزيد من القلق حول ساحات المواجهة مع «الخلافة» وأثمانها وآفاقها؟
مرة أخرى يتبيّن كم كان مكلفاً غباء التردد في وقف المجزرة الكبرى في سورية والتي حوّلت أرض الفرات الى مرتع إرهاب قضَم الثورة ولم يجرح النظام.
وحين يقر أوباما بالحاجة الى استراتيجية إقليمية للتحرك على الأرض، وعدم الاكتفاء بالضربات الجوية لعله يرجّح عشية قمة الحلف الأطلسي، توزيع الأدوار لدول في المنطقة… ولن يجد بالتأكيد جواباً ذكياً حول كيفية ترميم الثقة مع إيران التي شجعت استبداداً في العراق، كان بذوراً خصبة لـ «داعش» ورعت حرباً وحشية في سورية، كان لا بد من أن تنجب الوحش.