Site icon IMLebanon

التحرك الاحتجاجي الماروني… و«سيرة المؤتمر التأسيسي»؟!

 

إذا صحت التسريبات عن ان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي بصدد التحضير لتحرك احتجاجي واسع، تقوده الكنيسة المارونية، ويشمل كل لبنان، يبدأ بمسيرات شعبية واعتصامات مفتوحة وصولاً الى اضرابات واقفال يقرب من «العصيان المدني» حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يكون (أي البطريرك) أحدث نقلة غير مسبوقة في الحراك السياسي، وأغرق الكنيسة الى «ما فوق الاذنين» في اللعبة السياسية اللبنانية، البالغة التعقيد، وذلك خلافاً لكل ما كان يدعو اليه لجهة فصل الدين عن السياسة والسياسة عن الدين، على خلفية «ما دخلت السياسة شيئاً إلا وأفسدته…»؟!

لا أحد ينكر ان لبنان يمر بأزمة، سياسية – وطنية – اجتماعية، بالغة التعقيد، وهي نتاج مركب داخلي وخارجي… ومن حق البطريرك (كمواطن لبناني) أن يكون له رأي وموقف، من غير ان يكون الموقع الروحي الذي يشغله، يشكل حصانة كالتي يذهب اليها البعض عبر الدمج بين الشخص والموقع والطائفة والمذهب… فالفراغ الحاصل في سدة الرئاسة هو شأن وطني بامتياز، وان كان شاغله ينتمي الى طائفة ما او مذهب ما، تماماً كما سائر المواقع الأخرى… (رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء).

ليست بكركي وحدها ترى في استمرار «الفراغ» او «الشغور» في رئاسة الجمهورية يشكل خطراً على بنية الدولة وأسس النظام اللبناني القائم على «معادلة التوازن والميثاقية» لكن من الخطأ التسليم بأن هذا الفراغ يستهدف الموقع لأنه محسوب على فئة معينة، او طائفة معينة… فرئيس الجمهورية، هو رئيس لكل لبنان، بصرف النظر عما تبقى لديه من صلاحيات تآكلت بفعل «اتفاق الطائف…». وذهبت الى «مجلس الوزراء مجتمعاً» وكانت الشغل الشاغل للرئيس السابق العماد ميشال سليمان الذي قضى ست سنوات في موقعه وذهب من غير ان يحقق شيئاً على مستوى اعادة الصلاحيات والاعتبار للرئيس «الحكم والحاكم…»؟!

هي ليست المرة الأولى في تاريخ لبنان يتعذر فيها انتخاب رئيس للجمهورية لحظة انتهاء ولاية الرئيس المنتهية ولايته… والمسألة ليست محصورة فقط برئاسة الجمهورية، اذ نادراً ما تتشكل حكومة في لبنان من غير تدخلات خارجية بعد ان يطول أمد «تصريف الأعمال» على نحو ما حصل مع حكومة الرئيس تمام سلام، الذي، وعلى رغم حصوله على ثقة 118 نائباً في مجلس النواب، بقي لنحو أحد عشر شهراً يروح ويجيء ويراوح مكانه الى ان جاءت كلمة السر وأقلعت «حكومة المصلحة الوطنية» حيث طوى الافرقاء كافة شروطهم التي كانوا يتمسكون بها.

ليس من شك في ان عقبات عديدة تحول دون التوافق على شخص الرئيس العتيد وصفاته وقدراته… وهي عقبات تتوزع بين أفرقاء الداخل خارقين  الاصطفافات الطائفية والمذهبية، بشكل او بآخر… والذين هم في الواقع العملي انعكاس لاصطفافات ومحاور دولية وإقليمية وعربية، لم تتفق – حتى الآن – على شخصية الرئيس وعلى الدور والمهمات، فكل يريد رئيساً على ليلاه، وبما يتناسب ومصالحه وتطلعاته…

لقد حاولت قيادات «المؤسسات المارونية الثلاث» (المجلس الماروني العام والمؤسسة المارونية للانتشار، والرابطة المارونية) ان تقرب بين «قيادات» الصف الأول المارونية» (أمين الجميل، ميشال عون، سليمان فرنجية وسمير جعجع)، وأجرت لقاءات مع مختلف هذه القوى بهدف تجاوز العقد وتسهيل التوافق على رئيس ينتخب في مجلس النواب في هذه الجهود لم تصل الى نتيجة تذكر… وقد وضعت البطريرك الراعي في الصورة كاملة…». لكن ما لفت، ان هذه القيادات قفزت، في بيانها الذي صدر بعد الاجتماع مع البطريرك، من فوق العقبات، وراحت بالمسألة الى موقع آخر، مختلف تماماً، حيث استحضرت صلاحيات مجلس النواب، وما اذا كان بإمكانه ان يلتئم كهيئة اشتراعية وهو في فترة الالتئام لانتخاب رئيس الجمهورية… وهو نقاش دستوري توسعت فيه الاجتهادات وتنوعت… ولم تستقر عند خلاصة واحدة معينة ومحددة…

من حق البطريركية، كما من حق الهيئات المارونية، ان تبدي خشية من ان تطول فترة خلو سدة الرئاسة «لأي علة كانت»… لكن من خلال التمعن في النص، يتظهر ان ما وراء الحديث عن الخلو اعتبارات تجاوزت الشكل الى الجوهر «الميثاقي» على خلفية تستند الى نص المادة 62 من الدستور، التي تقول: «في حال خلو سدة الرئاسة، لأي علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء… فترى ان هذا «تدبير استثنائي ولفترة وجيزة جداً ومؤقتة» (لا أحد يعرف مداها)، «فالتمادي – على ما تقول المؤسسات المارونية، التي اجتمعت تحت كنف بكركي – في عدم انتخاب رئيس للجمهورية وبقاء الحكومة لمدة غير محددة، إنما يناقضان الميثاق الوطني الذي يوزع السلطتين الاشتراعية والاجرائية على الماروني والشيعي والسني…» وبما ان الماروني بات غائباً، فتكون النتيجة «الغاء مكون أساسي، وهو الرئيس الماروني…» وهذا يتناقض مع الفقرة «ي» من مقدمة الدستور التي تنص على «أنه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك…»؟!

لقد بكرت المؤسسات هذه في الوصول الى هذه الاستنتاجات، كما لم يكن مبهماً قراءة ما تعنيه في حديثها عن «ازدياد الخطر مع انعكاس الفراغ الرئاسي على العديد من المؤسسات لاسيما المجلس النيابي والحكومة» المهددين بالشلل والتوقف عن أية اجراءات الأمر الذي وضع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة في «زنقة» وهما يعدان للجلستين النيابيتين في التاسع والعاشر من الجاري، الأولى لانتخاب رئيس، من دون أية ضمانات باكتمال النصاب، والثانية لاستكمال البحث واقرار سلسلة الرتب والرواتب، المهددة بالتطيير وسط ضغوطات غير مسبوقة بالمقاطعة وتهديد القطاع العام والعام الدراسي بأخطار حقيقية وجادة، فما العمل؟ سوى بداية العودة الى الحديث عن «مؤتمر تأسيسي» جديد في لبنان؟!.