Site icon IMLebanon

التحريف العوني للميثاقية

قال الجنرال ميشال عون «يجب على رئيس الجمهورية أن يكون ممثّلاً لطائفته ومقبولاً منها وقوياً فيها، فلا يجوز أن يكون مقبولاً من الآخرين ومرفوضاً من طائفته»، واعتبر في إشارة غير مباشرة أنّ الدكتور سمير جعجع «مرشّح غير ميثاقي كونه مرفوضاً من طوائف أخرى، ومن نصف المسيحيّين على الأقل».

لا بدّ من التوقّف عند ثلاث محطّات قبل مقاربة النظرية الجديدة لعون التي حوّل فيها الميثاقية إلى وجهة نظر، في محاولة لإسقاطها على شخصه وقياسه.

المحطة الأولى، الحكومة العسكرية التي شكّلها الرئيس أمين الجميّل في أيلول 1988 برئاسة عون وعضوية الأعضاء الخمسة في المجلس العسكري الذين سارع ثلاثة منهم إلى الاستقالة، فدخلَ عون بعبدا بحكومة من دون مسلمين، وبالتالي هل حكومة اللون الواحد ميثاقية؟ ولماذا قبِلَ الاستمرار في مهمّته؟ وهل الميثاقية تختلف بين زمن وآخر؟

المحطة الثانية، الانتخابات الرئاسية بين عامي 2007-2008، حيث أشاد عون بأحداث 7 أيار قائلاً «التران عاد إلى السكّة»، معوّلاً على انتخابه كنتيجة طبيعية لـ»الانتصار» العسكري الذي حقّقه «حزب الله»، ولكنّ التسوية السياسية في «الدوحة» عادت واستبعدته، لأنّ ميزان القوى الخارجي لم يكن لمصلحة الحزب، واستطراداً لم يكن باستطاعته الحصول على الفيتو في الحكومة وعون رئيساً في آن معاً، فاختار الفيتو، وبالتالي ألم يكن ترشيح عون «مرفوضاً من طوائف أخرى»، وتحديداً السُنّة والدروز، «ومن نصف المسيحيّين على الأقل» بفعل تحوّله إلى رأس حربة في مشروع «حزب الله» ضد الآخرين؟ ولماذا ترشّح إذاً وتمسّك بترشيحه حتى الرمق الأخير، على رغم عدم ميثاقية هذه الخطوة وفق نظريته الأخيرة؟ وهل انفتاحه على «المستقبل» هو نتيجة اتّعاظه من تجربته؟

المحطة الثالثة، توَلّي الجنرال عون الدور الأساسي في إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011 وقطعُه تذكرةً للحريري باتّجاه واحد، أي ذهاب بلا عودة، وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي في خطوةٍ موجّهة ضدّ الأكثرية السنّية، وبالتالي، هل ميقاتي كان «ممثّلاً لطائفته ومقبولاً منها وقوياً فيها»؟ ولماذا شاركَ وغطّى حكومة غير ميثاقية؟ وماذا تبدّل ليتحوّل الحريري من عدوّ يجب إسقاطه إلى ركنٍ من أركان الثلاثية العونية (عون والحريري ونصرالله)؟

وانطلاقاً ممّا تقدّم يبدو أنّ الميثاقية مع عون تتبدّل وفقَ كلّ مرحلة ومتطلباتها، إلى درجة أنّها تختلف بين مرحلة وأخرى بنحو 180 درجة، ولكن على رغم ذلك، ما الرسالة التي حاول إيصالها من وراء تشديده على البعد الميثاقي وتفسيره على طريقته؟

فالهدف الأساسي للميثاقية العونية الجديدة استبعادُ جعجع بحجّة «كونه مرفوضاً من طوائف أخرى»، أي من قِبل الثنائية الحزبية الشيعية التي تحتكر التمثيل الشيعي، فيما هو، أي عون، مقبول من كلّ الطوائف، خصوصاً بعد انفتاحه المستجد على تيار «المستقبل» الذي حاول توظيفه لمصلحته في خدمة معركته الرئاسية، ومن هنا الانفتاح عليه كان خطأ، كما اعتبر عون أنّ جعجع مرفوض من نصف المسيحيّين، في موقف يرتدّ عليه شخصياً، لأنه لا يختزل التمثيل المسيحي، ويمثّل نصف المسيحيّين، وبالكاد.

ومن ثمّ لقد أصاب عون بقوله «لا يجوز أن يكون المرشّح مقبولاً من الآخرين ومرفوضاً من طائفته، إنّما يجب أن يكون ممثّلاً لطائفته ومقبولاً منها وقوياً فيها»، ولكنّه أدخلَ نفسه في تناقض عندما اعتبر أنّ رفض الطوائف الأخرى لهذا المرشّح أو ذاك يجعله غير ميثاقي، وبالتالي نسفَ بنفسه القاعدة التي وضعها بهدف إسقاطها على وضعه الحالي، لا السابق، واستبعاد ترشيح جعجع.

فالميثاقية، وإلى حين إلغاء الطائفية السياسية، تعني تمثيلَ الطوائف في السلطة أفضل تمثيل، وأيّ إخلال بهذا التمثيل، كما حصل مع المسيحيين إبان الوصاية السورية، أو مع إقصاء «المستقبل» على يد «حزب الله»، يشكّل تفريغاً للميثاقية من محتواها واستهدافاً مباشراً لها، وبالتالي الميثاقية الفعلية أو كما هو معمول بها لدى الطوائف الإسلامية هي أن يجسّد المرشح وجدان بيئته، وعلى الطوائف الأخرى التعامل مع هذا الواقع كما هو، بمعنى أن تتقبّل المكوّنات الإسلامية ما يقرّره المسيحيون، على غرار تقبُّل المسيحيين ما يقرّره المسلمون في الرئاستين الثانية والثالثة ومواقع أخرى تخصّ السُنّة والشيعة والموحّدين الدروز.

ومن هنا كان الأجدر بالجنرال عون الترشّح إلى الرئاسة من موقعه السابق المناهض لـ»المستقبل»، بدلاً من تبديل خطابه ومواقفه عشيّة الاستحقاق الرئاسي، والتنافس مع الدكتور جعجع المناهض لـ»حزب الله»، وإلزام المجلس النيابي الاختيار بينه وبين جعجع عبر وضع «المستقبل» و»حزب الله» و»الاشتراكي» أمام الأمر الواقع، وفي حال تعذّر الانتخاب يتحمّل الفريق المعطّل مسؤولية تعطيل انتخاب الرئيس المسيحي التمثيلي، علماً أنّ «المستقبل» دعم ترشيح جعجع بشكل لا يَحتمل الالتباس.

ولكنّ الطريقة التي تعاملَ ويتعامل فيها عون مع الاستحقاق الرئاسي أدّت إلى نسف الميثاقية التي يتحدّث عنها من أساسها، لأنه قام بشخصَنة هذه الميثاقية عبر استخدامها كعنوان ومدخل لوصوله إلى قصر بعبدا، وليس تحسيناً للتمثيل المسيحي، فيما كان الأجدر به عدم تعطيل النصاب وفتح باب المنافسة المسيحية-المسيحية لدفعِ المسلمين إلى الاختيار بينَه وبين جعجع، عوضاً عن وضع الجميع أمام ترشيحه أو الفوضى، ما يمكن أن يقود إلى انتخاب شخصيّة غير تمثيلية أو إبقاء الرئاسة الأولى من دون رئيس.