ترتفع في هذه الأيام مزاعم عن أنّ تدخل «حزب الله» في سوريا «قد أسقط الجزء المكمل للمشهد العراقي على الأراضي اللبنانية»… هذا المعنى يذهبون إليه في تعابير مختلفة والمقصود واحد: محاولة تبرئة الحزب من هذا التورّط في سوريا الذي كسر مبدأ «النأي بالنفس» الذي اعتمده لبنان رسمياً، كما استجرّ هذا التورّط سلسلة من المآسي جراء التفجيرات واستخدام الأحزمة الناسفة رداً على فعلة الحزب في سوريا.
يدّعون ويزعمون كثيراً ولكن الحقيقة في مكان آخر:
أولاً- منذ اليوم الأوّل لبروز ظاهرة الإمام آية الله الخميني المتطرّفة في أواخر سبعينات القرن الماضي وحربه على العراق تولّدت ردود فعل سنيّة، ولا شك في أنّ بعضها جارى التطرّف الشيعي بتطرّف سنّي مماثل.
وهذا مبدأ تاريخي معروف: التطرّف يستولد التطرّف، فكما أنّ التطرّف اليهودي استجر تطرّفاً عربياً، هكذا فإنّ التطرّف الشيعي أدّى الى تطرّف سنّي.
ثانياً- في هذا السياق، يمكن قراءَة الإنقلابات التي حدثت في بلدانٍ عربية عدّة باسم الرد على التطرّف الصهيوني في فلسطين المحتلة منذ العام 1948، وكانت النتيجة أنّه باستثناء ثورة «الضباط الأحرار» «ثورة يوليو» الشهيرة في مصر وقائدها الزعيم جمال عبدالناصر، فإنّ الذين جاءوا باسم الرد على التطرّف اليهودي مارسوا تطرّفهم على شعوبهم قمعاً جسدياً وقمعاً للحريات وسجوناً واضطهاداً وتهجيراً.
وهنا يجدر ذكر النظام السوري الذي لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل منذ العام 1973 حتى اليوم على رغم ما تعرّضت له سوريا من اعتداءات متتالية… (ولن نسهب في شعار النظام: «نحن الذين نختار زمان المعركة ومكانها»…)!
ثالثاً- وبعد غزو العراق وسقوط نظام الرئيس صدّام حسين فرض النظام الشيعي الإيراني (مباشرةً وعبر أدواته في حكم العراق) ظلماً واضطهاداً بحق أهل السُنّة العراقيين وكذلك بحق الشيعة العرب في العراق.
وبلغ هذا الظلم أنواعاً بما فيها مصادرة الحكم وتنصيب نوري المالكي رئيساً للوزراء مرّة واثنتين، واليوم يسعون الى مرّة ثالثة… وحدث ذلك بداية على الرغم من أنّ الأكثرية النيابية كانت موالية لإياد علاوي.
رابعاً- والذين يتحدّثون عن «البيئة السنّية الحاضنة» لـ»داعش» ومثيلاتها نسوا أو تناسوا أنّ البيئة التي حضنت «داعش» هي فعلاً سجون النظام السوري وسجون النظام المالكي في العراق… فلقد كان في سجن أبو غريب 1200 سجين أين هم؟ وأيضاً أين هم السجناء الذين كانوا في سجون بشّار والذين كان يطلقهم لينفذوا عمليات ضد الأميركي وحتى ضد الشعب في العراق؟
ألَيْس هؤلاء هم الأساس الذي تألفت منه قيادات وكوادر «داعش» وأخواتها؟ فمِنْ هؤلاء نشأت «داعش» وتنامت وكبرت وصارت ما صارت إليه الى أن انقلب السحر على الساحر!
خامساً- بعد تثبيت ثورة الخميني أقدامها في إيران بسنوات قليلة، أسّسوا «حزب الله» (1982) على قاعدة مذهبية… وكأنّه ليس في الجنوب غير الشيعة، بينما هو أرض انفتاح يتعايش فيها الشيعي والمسيحي والسنّي والدرزي.
واستطراداً حصروا «السلاح المقاوم» في يد الشيعة، بينما كانت المقاومة الوطنية تضم الشيعي والسنّي والمسيحي والدرزي على حد سواء.
وكان الإيراني مهّد لهذه العملية «بمصادرة» علم فلسطين بالمعنى المعنوي للكلمة، إثر إقفال سفارة إسرائيل في طهران وتحويلها الى سفارة لفلسطين… ودغدغوا مشاعر العرب بهذا الإدعاء الذي تبيّـن أنّه تجارة بدأت رابحة ولم تحل دون صفقة «إيران غيت» الشهيرة التي كشفت الإدعاءات الفارغة على حقيقتها.
وفي هذا السياق، حصرت إيران مساعداتها في لبنان بالشيعة… بينما كان الجانب السعودي مثلاً يعمّم مساعداته على اللبنانيين عموماً من الجنوب الى الشمال ومن العاصمة الى البقاع.
وقد تبيّـن أنّ وراء ذلك كلّه مخططاً للسيطرة عبّر عنها الإيراني أخيراً بإعلانه «أنّ إيران صارت على المتوسّط… وأنّها صارت على حدود إسرائيل في جنوب لبنان».
فهل من كلام أشدّ صراحة ومدلولاً من هذا الكلام؟
سادساً- أمّا اتهام المملكة العربية السعودية بأنّها وراء «داعش» والإرهاب فهو ساقط حكماً ومردود على مطلقيه، فالمملكة عانت من الإرهاب منذ العام 1978 عندما نفّذ الإرهابي الجهيمان عمليته الإرهابية داخل المسجد الحرام… وحتى اليوم بالذات، يوم أوّل من أمس، حيث سقط نحو عشرة من رجال الأمن السعودي بين قتيل وجريح في مواجهة مع إرهابيين خططوا لاغتيال «مسؤول كبير» كما ذكر رسمياً.
باختصار يمكن القول للإيراني وأتباعه: أنتم متطرّفون و»داعش» وأخواتها متطرّفون… مع فارق أنّ تطرّفكم أنتج تطرّفهم وليس العكس.