Site icon IMLebanon

التفاهم السعودي ـ الإيراني يطلق مسارات التسوية

 

زيارة حسين أمير عبداللهيان إلى السعودية، ولقاؤه الأمير سعود الفيصل، هما حصيلة اتصالات علنية وسرية أنتجت ترتيبات، فتحت الباب نحو مناقشات ومفاوضات تحتاج إليها المنطقة حكماً في هذه المرحلة الحسّاسة والخطيرة. نجاح هذا اللقاء يشكّل فرصة ذهبية، للقاءات قمة أكثر من ضرورية. مستقبل العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان وفلسطين معلّق بنسب متفاوتة على المسارات التي تنتجها التفاهمات السعودية الإيرانية.

إيران بحاجة إلى مثل هذه التفاهمات، كما السعودية. الحروب والمواجهات ومشاريع الحروب التي زرعت وتزرع النار من أقصى الشرق الأوسط الى أقصاه، لا تسمح لأحد بالحياد. لم يعش الشرق الأوسط مثل هذه الحالة منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم. يوجد تهديد وجودي حقيقي للمنطقة ولشعوبها. العرب في قلب الجحيم القائم. حتى إيران وتركيا اللتان تشعران بالقوة، والآمال باستعادة أمجاد غابرة، وبناء المنطقة على قياسهما، ليستا في وضع مريح. لا أحد على رقعة الشطرنج أكبر من «الملك«.

مع قليل أو كثير من الشجاعة، يجب قول الحقيقة كما هي. «داعش» ليس أكثر من بلورة ميدانية لأحقاد تاريخية متراكمة، صاغتها ونمّتها وغذّتها خرافات وأساطير بشعة في تفاصيلها وأهدافها. «داعش« لم يشعل الحرب السنية الشيعية. «داعش« لم يلد الكراهية العربية الفارسية. «داعش« لم يخلق الطائفية والأحقاد المسيحية الإسلامية. كلها كانت موجودة وكامنة. «داعش« كشف عن قذارات المستنقعات الكامنة في مجتمعاتنا وتاريخنا.

«داعش« خطر حقيقي يجب أن تتحد إيران والسعودية ومصر وتركيا أولاً ومن ثم القوى الكبرى ليس لهزيمته فقط وإنما لاقتلاعه فكراً وممارسة. هذه الحرب المضادة تتطلّب أسساً وقواعد ووسائل حقيقية وواقعية وانسانية. لا يمكن الانتصار على «داعش« بحرب عسكرية وليدة ألعاب الفيديو. قتل ألف «داعشي« لا يعني شيئاً. المالكي سقط، لا يعني هذا أكثر من خطوة إلى الأمام. ما أنتجه المالكي مع الجنرال قاسم سليماني وما قبلهما من أميركيين أغبياء يجهلون تاريخ المنطقة وحضاراتها وشعوبها، يتطلّب قرارات مكملة من نتاج تفاهم إيراني سعودي. أيضاً لا يمكن الحرب ضد «داعش« في سوريا، إلا بحرب مكملة ضد الأسد وآلة القتل الرهيبة التي أنتجت 200 ألف قتيل سوري وملايين المشردين والنازحين والمهجرين وعشرات الألوف من المعتقلين. لا يمكن القضاء على الكوليرا، بالتعاون مع الأسد صانع فيروس الكوليرا في سوريا والعراق.

الرياض وطهران تتفاوضان وتتفاهمان. أيضاً واشنطن وطهران من قبل. يقول المثل الشعبي: «من حضر السوق باع واشترى». ترجمة هذا سياسياً. «من جلس إلى طاولة المفاوضات عرض وطالب«. استراتيجية كل الدول الحفاظ على مصالحها بالسياسة والحرب. لذلك لا يعني مطلقاً الاستمرار في الحرب حتى النهاية. «إيران دولة إقليمية كبرى شاء من شاء وأبى من أبى» كما يقول أحد كبار مسؤوليها. لكن مهما كان ذلك حقيقيًّا، فإن الحروب تستنزف أقوى الدول وتنهيها. إيران تعرف ذلك، ولهذا تعرف متى تضحي حتى بأغلى حجارتها على رقعة الشطرنج في اللحظة المناسبة تخلت فيها عن المالكي. بهذا أرضت «المرجعية«، وحافظت على استمرارية التعاون المشترك. وتقاسمت الربح مع الولايات المتحدة الأميركية، لتقايضه في مكان آخر. في سوريا معركة «المربع الأخير» لإيران، المهم ما يقدمه النظام لها من حضور استراتيجي. لذلك عنوانه ليس الأساس ولا المهم. الأهم استمرار خدماته مع الأسد ومن دونه.

في لبنان، رغم كل التعقيد الظاهر، فإن وضعه على مسار التسوية أهون بكثير مما يظهر. نقطة الانطلاق أن لا أحد يمكنه إلغاء أحد، وأن الشراكة هي الحل، بذلك تقترب التسوية. تجربة عرسال ومعارك القلمون دفعت «حزب الله» لأن يستوعب بأن الاعتدال ينقذ لبنان. وأن للاعتدال السنّي في مواجهة التطرف، سواء كان «داعش» اليوم، و»الأسير» أمس، وأي مجهول غداً، عنواناً واحداً هو سعد الحريري.

التسوية اليوم في لبنان، أفضل بكثير من الغد تحت ضغط التسويات الكبرى التي انطلقت مساراتها..