بعد سقوط القلمون في يد قوات الجيش السوري و»حزب الله»، روّج «الحزب» أنّه بسيطرته على المنطقة التي تعتبر عقدة الوصل بين لبنان وسوريا، أوقف مسلسل السيارات المفخّخة التي هدّدت بيئته الحاضنة. إلّا أنّ هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، فمنذ نحو أسبوعين، عادت المعارضة السورية لتقاوم في المنطقة مكبّدة «الحزب» خسائر كبيرة في الأرواح، بالتزامن مع انتفاضة في المناطقة السنّية العراقية. وعلى الإثر، فوجئ اللبنانيون بانفجار ضهر البيدر، ما يطرح التساؤلات عن ترابط الأحداث بين العراق وسوريا ولبنان؟
شكّلت منطقة القلمون في ريف دمشق مركزاً أساسياً لمسلّحين متطرّفين في سوريا. وكان «حزب الله» قد أعلن بعد انتهاء المعركة أنّ حصيلة السيارات اللبنانية التي عُثر عليها في القلمون هي «76 سيارة مفخخة كانت في حوزة المسلحين والجهات المسؤولة عن تفخيخ السيارات»، معظمها مسروق من لبنان.
وغالبية هذه السيارات كانت قرب المصانع التي تُجهّز فيها هذه السيارات، فيما كان بعضها مفخخاً وفُكّك داخل هذه المعامل. وبعد هدنةٍ دامت شهرين، عاد هاجس التفجيرات الإرهابية الى لبنان من بوّابة ضهر البيدر، في مرحلة تشهد أزماتٍ سياسية وانقساماتٍ داخلية تساهم إلى حدّ بعيد في تكوين بيئاتٍ حاضنة للإرهاب وللإرهابيين على حدٍّ سواء.
ولعلَّ طرح وزير الداخلية نهاد المشنوق تشكيل «خلية أزمة» لمواجهة تحديات المرحلة، يندرج في إطار الجهود الإستباقية التي قادها الجيش اللبناني أخيراً منفّذاً عمليات دهم واسعة في عرسال ومحيطها حيث يتمركز العدد الأكبر من المقاتلين السوريين والأجانب، الذين فرّوا بعد سيطرة النظام السوري و«حزب الله» على المناطق السورية الحدودية مع لبنان.
وفي هذا الإطار، أكد الخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر لـ«الجمهورية»، أنّ «التهديدات الإرهابية ضد لبنان هي جزء من إرتدادات أحداث سوريا»، لافتا الى أن «السيارة التي فُجّرت في ضهر البيدر، خرجت من بيروت في اتجاه هدف معين في البقاع، في محاولة لاستهداف أحد مواقع «حزب الله» بعد المعارك الجديدة في القلمون».
من جهته، قال مستشار رئيس حزب «القوات اللبنانية» العميد وهبه قاطيشا لـ»الجمهورية»، «أنّ لبنان جزء من هذه المنطقة، خصوصاً عندما يدخل طرف نفسه في أحداث المنطقة، وبالتالي ستتحوّل الساحة اللبنانية، ساحة مفتوحة للأعمال الارهابية خصوصاً في ظل غياب الدولة»، موضحاً أن «تدخّل «حزب الله» في الأحداث السورية، إستجلب الأزمة الى لبنان. وبعد هدنة موقتة، فُتحت الساحة العراقية».
وأضاف: «لا شك في أنّ لبنان يشكل بيئة حاضنة للإرهاب، فالسيد حسن نصرالله أعلن نيّة «الحزب» المشاركة في حرب العراق للدفاع عن مقام السيدة زينب»، سائلاً: «فماذا نتوقع أن يجيبه أخواننا السنّة في العراق، سواء كان إسمهم «داعش» أو جيش عراقي حرّ أو بعثي أو غيره؟».
وأكد قاطيشا أن «الساحة اللبنانية هي «الخاصرة الرخوة» في المنطقة، وهي اليوم مفتوحة لكل المنظمات الإرهابية. وعلى رغم أنّ قوى الأمن تتحرَّك، لكن غياب الغطاء السياسي يُبقي مبادرتها محدودة. فدور الحكومة يكمن في ضبط الساحة عبر الإمساك بالحدود وحصر السلاح بالجيش والقوى الأمنية فقط».
هذا المنطق يناقضه عبد القادر، معتبراً أن «الإقرار بوجود الإرهاب في لبنان، لا يعني سيطرة الفلتان. فالوضع مضبوط، والأجهزة الأمنية ناشطة وتملك قاعدة معلومات جيّدة تتصرّف من خلالها، في ظلّ ديناميكية الحكومة الحالية التي تعمل أمنياً بالتعاون مع الجيش وأجهزة وزارة الداخلية، دون إلغاء إمكان عودة المسلسل السابق بعد هذه الهدنة».
وإذ لفت الى «أنّنا لم نتعرض حتى الآن، وفق ما أظهرته التحقيقات لأي عملية من صنع «داعش»، بل واجهنا إرهاباً مزدوجاً: فمن جهة نشط النظام السوري من خلال مخابراته وبعض أتباعه في لبنان، وأكبر دليل على ذلك كان كشف مخطط مملوك – سماحة.
ومن جهة ثانية، تفجير المسجدين في طرابلس وقد أثبتت التحقيقات ضلوع بعض المخابرات السورية وحلفائها فيه»، أوضح عبد القادر «أننا عندما نتكلم عن عمل إرهابي، نتكلم عن حجم التنظيمات الموجودة، وهذه التنظيمات حجمها صغير في لبنان، والمقيم في لبنان هو تنظيم «عبدالله عزام» التابع لـ»جبهة النصرة»، والذي لم يتعدَّ الخمسين شخصاً»، لافتا الى أن «الخلايا كانت منظّمة ومعزولة بعضها عن بعض، ما يؤكد أن من نظّمها يدرك كيف ينظّم هيكلية سرية قادرة على التسلل واستطلاع الأهداف ومن ثم تنفيذ عمليات إرهابية».
واعتبر عبد القادر أن «دولة القانون» التي يرأسها نوري المالكي أوحت أنّ ما شهده العراق، كان انتفاضة «داعشية»، إلا أنّ أهم مراكز الدراسات تظهر أنّ «داعش» لا تملك في كل وادي الفرات الأعلى أي في سوريا، والأوسط والأسفل أي في العراق، أكثر من 12 ألف مقاتل، وبالتالي لا يمكن لهؤلاء إحتلال سوى جزء بسيط من الموصل. فكيف يمكن لـ»داعش» أن تنتشر على مساحة أراضي تعادل عشر مرات مساحة لبنان؟».
هذا المنطلق، أيّده قاطيشا لكنّه لفت إلى أنّ «المجتمع شكّل بيئة حاضنة لهؤلاء على رغم أنّ عددهم لا يتخطى الـ12 ألف فرد، وبالتالي لا يمكنهم وحدهم السيطرة على منطقة تبلغ مساحتها 20 مرة مساحة لبنان».
وفي المحصلة، وربطاً بالوضع اللبناني، لفت قاطيشا إلى أنّ «أحداً لا يمكنه إحصاء المنظمات الإرهابية العاملة في لبنان طالما أنها تعمل تحت الأرض»، فيما اعتبر عبد القادر أنّ «لبنان أرض غير خصبة للمنظمات الإرهابية، فكلّ الحركات السلفية هي «عراضة» سياسية تبغي الربح المادي».