التقارب الإيراني ــ السعودي لا يزال بعيداً
وتطوّرات المشهد السوري ستحدّد مواصفات الرئيس
لا شيء في آفاق الإستحقاق الرئاسي والمعلومات المتداولة في كواليس الأروقة السياسية تشير الى أن انجاز الإنتخابات الرئاسية لا يزال بعيد المنال، وبأن المساعي الجارية تتمحور على إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي بأقل الأضرار الممكنة على الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد التي لا تحتمل نكسات أو خضات من شأنها أن تجر لبنان نحو منزلقات الفوضى والفتنة التي لا تزال حاضرة وراكدة تحت رماد الخطابات التحريضية الطائفية والمذهبية التي لم يوفرها أي طرف من الأطراف السياسية خلال المواجهات الحامية التي كانت سائدة والتي ادت إلى تنامي قوى التطرف الأصولية والتكفيرية التي لا تزال خلاياها الإرهابية النائمة وبحسب التقارير الأمنية المحلية والأجنبية تشكل الخطر الداهم على لبنان وأمنه واستقراره وسلمه الأهلي، وفي هذا السياق يستمر التنسيق العالي المستوى بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والأجهزة الأمنية الأجنبية لا سيما الغربية منه في سبيل توفير المساعدات الإستخباراتية والأمنية للبنان في سبيل مكافحة واجتثاث خطر الإرهاب.
وفي هذا الإطار، أكدت مصادر دبلوماسية بارزة لـ «الديار» بانه من غير المستبعد أبدا أن تشهد الأشهر المقبلة المحادثات الجارية وراء الكواليس بين المملكة العربية السعودية وإيران نوعا من التقارب والتفاهم على جملة قضايا ساخنة في المنطقة، إلا أن مثل هذا التقارب لا يزال بعيدا وغير محدد بأجال زمنية واضحة وهو بشكل أو بآخر مرتبط بصفقة البرنامج النووي الإيراني والذي تسعى كل من طهران وواشنطن وراءها بشدة لا سيما أن كافة المؤشرات المرتبطة بالمحادثات بين الولايات المتحدة وإيران تدل بأن الأمور بين البلدين على ما يبدو تتجه نحو التسوية وهذا ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من ليونة في الموقف السعودي إزاء إيران تمهيدا لإتمام التسوية الكبرى بين طهران والرياض اللاعبين الأقوى على الساحة الإقليمية.
وتتابع المصادر نفسها ما يعني بأن أوضاع المنطقة وخلافاتها وتوتراتها العالية تشير بأن الحروب بالوكالة بين إيران والسعودية ستستمر على الأقل في الميدان السوري الذي يحرز فيها محور إيران مزيدا من نقاط التقدم وهذا ما من شأنه أن يفرض واقعا جديدا على المحادثات الإيرانية – السعودية مفاده بأن المملكة ستكون مرغمة على تقديم التنازلات في الملف السوري بعد أن نجحت إيران ومن خلال ثقلها الداعم للأسد في منع وضرب مؤامرة اسقاط النظام السوري الذي سيكون موضوع بقائه واستمراره في مستقبل سوريا أمرا محتوما في أي تفاهم إيراني – سعودي قادم وهذا الأمر من شأنه أن ينعكس على الوضع الداخلي في لبنان برمته خصوصا أن بقاء النظام في سوريا سيكون له انعكسات وتطورات دراماتيكية على المشهد السياسي برمته في وطن الأرز، بحيث أن تطورات المشهد السوري خلال الأشهر المقبلة سيكون لها تأثيرا بالغاً على تحديد مواصفات الرئيس الجديد في لبنان الذي يجب أن يكون قادرا على التواصل والتعاون والتشاور مع الدولة السورية في مختلف القضايا والملفات العالقة بين البلدين والتي يأتي ضمن أولوياتها ملف النازحين السوريين الذي يرهق كاهل الدولة اللبنانية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
المصادر أشارت الى أن الحرب في سوريا بكل فصولها القاسية ستبقى مستمرة بانتظار التفاهم الإيراني – السعودي، إلا أن الحرب السورية ستستمر في ظل تفاهم دولي – إقليمي على تحييد ومنع انتقال وتوسع حمم البركان السوري باتجاه دول الجوار، وهذا التفاهم بطبيعة الحال يستفيد منه لبنان وهذا الأمر ظاهر من خلال تشكيل الحكومة والخطة الأمنية التي ينفذها الجيش اللبناني والقوى الأمنية في مواجهة الإرهاب وقوى التطرف. ولفتت الى أن عدم تقدم الحوار الإيراني – السوري سيؤدي حكما إلى إطالة مرحلة الفراغ في سدة الرئاسة الأولى في لبنان الذي سيكون محكوما في هذه المرحلة من قبل الحكومة الحالية التي يتمثل فيها معظم الأفرقاء ما يعني بان بقاء هذه الحكومة واستمراريتها وتحصينها من أي خلافات يمكن أن تهدد وجودها ستكون صمام الأمان لمنع تدهور الأوضاع الأمنية في لبنان أو تراجعها إلى الوراء، وفي هذا الخصوص أن كلمة السر الدولية والإقليمية لسائر القوى الأساسية في لبنان واضحة لناحية ضرورة المحافظة على الحكومة لتجنيب الساحة اللبنانية مغامرات سياسية وأمنية قد لا تحمد عقباها.
المصادر أشارت الى ان الإستدارة الأميركية الإستراتيجية نحو آسيا والتطورات المقبلة في منطقة الشروق الأوسط في ظل تنامي التهديدات الإيديولوجية والطائفية والمذهبية العابرة للحدود، تحمل في طياتها المزيد من التحديات على السياسات الخارجية لدول المنطقة خصوصا بعد وصول المشير عبد الفتاح السيسي إلى رئاسة مصر وكما هو معلوم فإن السيسي هو من أشد المتحالفين مع المملكة العربية السعودية والذي صرح بشكل واضح بأن «الجيش المصري سيتحرك للدفاع عن أي دولة عربية تواجه أي تهديد»، وفي ظل الحوار الأميركي -الإيراني الذي يسبب مزيد من نقاط الإختلاف بين الدول الخليجية والولايات المتحدة حول خريطة طريق النظام الإقليمي الجديد الذي يسير باتجاه تسليم المجتمع الدولي بالدور الإيراني الفاعل والمؤثر على أكثر من ساحة اقليمية وهذا الأمر من شأنه أن يرجح كفة موازين القوى في المنطقة إلى مصلحة محور الممانعة والمقاومة الذي تقود طهران والممتد من لبنان مرورا بسوريا والعراق ووصولا إلى اليمن والبحرين والسودان وحتى الأراضي الفلسطينية.ما يعني بأن المرحلة المقبلة سوف تشهد المزيد من المناكفات والصراعات المتجذرة فيها صراع الهويات كجزء لا يتجزأ من الجهود التي تبذلها الدول المتضررة من المسار الجاري لبناء النظام الإقليمي ومما لا شك فيه بأن هذه الدول لن توفر وسيلة لتقويض هذا المسار أو إعاقته قدر الإمكان.