Site icon IMLebanon

التمديد للمجلس النيابي«أبغض الحلال» والضرورات تبيح المحظورات

كنا أول من أشرنا ومنذ نحو 3 سنوات إلى صعوبة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها وإلى اننا ذاهبون إلى التمديد للمجلس النيابي الذي أنتهت ولايته رسمياً صيف العام الماضي. كما كنا قد لفتنا النظر إلى ان التمديد سيكون أطول من المدة التي اعطوها النواب لأنفسهم، فأتى من يقول لي وهو مسؤول كبير في الدولة بان هذا الكلام فيه الكثير من المبالغة والوهم فكان جوابي ان ما يحصل في المنطقة هو زلزال سيغيّر وجهها ويقسمها إلى دول مذهبية متناحرة وان كل الاستحقاقات الرئاسية والنيابية في لبنان لن تحصل في مواعيدها وهي مؤجلة بسبب ارتباطات الاطراف اللبنانية المتصارعة بدول خارجية تتصارع في المنطقة مذهبياً وطائفياً وهذا سينعكس على الداخل اللبناني على كل المستويات والاستحقاقات. صحّت قراءاتنا للوضع بكل أسف…

أقول للأسف لأن القراءة السياسية الواقعية للأمور لا تطابق التمنيات ولا تنسجم معها. فنحن نتمنى إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في مواعيدها الدستورية ونعتبر ان التمديد اجراء استثنائي لا يجب الركون إليه إلا في حالات القوة القاهرة وان الفراغ حالة شاذة ولا يجب ان يدوم طويلاً. ونعتبر ايضاً ان تداول السلطة هو في أساس النظام الديمقراطي وديمومته…

واليوم ومع اقتراب الموعد الجديد للانتخابات النيابية وانتهاء ولاية المجلس الممد له يعود خيار التمديد ولمرة ثانية ليطرح نفسه بقوة كخيار «أمر واقع»، لأن الظروف التي أدت إلى التمديد الأول ما تزال قائمة وأضيفت إليها تعقيدات سياسية وأمنية جديدة كما زادت حدة الانقسام المذهبي على مستوى المنطقة العربية بأسرها ولبنان من ضمنها.

مما لا شك فيه ان لبنان يجتاز ظروفاً دقيقة ويواجه أوضاعاً حسّاسة. فالحوار الوطني توقف عند حدود «اعلان بعبدا» وانفرط عقده مع «اقفال قصر بعبدا». والانتخابات الرئاسية لم تحصل وأخفق اللبنانيون في التوافق على رئيس جديد وفي تفادي الوصول إلى الفراغ الرئاسي. وفيما هم يبحثون عن طريقة للخروج من مأزق الاستحقاق الرئاسي يدهمهم الاستحقاق النيابي ويحصل تداخل وتشابك بين الاستحقاقين وتعلو أصوات مطالبة بإجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية.

كل هذه التعقيدات السياسية تتراكم في ظل انقسام وطني حاد وفي ظل وضع داخلي غير مستقر أمنياً ونفسياً ومع وجود تهديد للأمن والاستقرار واستمرار المخاطر وأسباب الفتنة … وفي وقت ما زال لبنان يرزح تحت وطأة وأعباء الأزمة السورية المتمادية، فاجأته أزمة عراقية متفجرة وسريعة في تطوراتها وإيقاعها قلبت المشهد رأساً على عقب وعقدت الأمور أكثر فأكثر. من هنا فالاولوية اليوم هي لتحييد لبنان عن هذه النار المشتعلة وأقصى الطموحات فيه هي الحفاظ على الأمن والاستقرار «النسبي» وعلى هذا الوضع الذي يعتبر الى حد ما مقبولاً ومعقولاً مقارنة بأوضاع البلدان المجاورة.

مجمل هذه الظروف والأوضاع تكفي وحدها لإدخال تعديلات على الأجندة اللبنانية ولتأجيل استحقاقات انتخابية اذا لم يتوافر لها الوضع الأمني المناسب أو اذا كانت سبباً محفّزاً على الفتنة وإذكاء التناقضات والصراعات. فهل يمكن في ظل الظروف السائدة إجراء انتخابات تتوافر لها شروط الانتخابات الحرة النزيهة وفي أجواء هادئة من المنافسة الديمقراطية ؟

الجواب طبعاً لا… فإذا كنا ونحن في أيام شهر رمضان الكريم لا نستطيع حماية الافطارات الرمضانية وهذا ما دعا جهات سياسية وحزبية اساسية الى الغاء افطاراتها ، وإذا كان رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ووزيرا الداخلية والعدلية وقائد الجيش ومدير عام الأمن العام والمسؤولون السياسيون في البلاد مهددين في حياتهم وممنوع عليهم التجول والخروج من منازلهم ومكاتبهم ، فكيف ستقام التجمعات الانتخابية وستعمل أقلام الاقتراع اذاً؟ وما الذي يضمن الا تتعرض هذه المراكز الانتخابية إلى هجمات انتحارية؟ ومن يضمن الا تسقط الصواريخ في البقاع والقنابل في طرابلس على مراكز الاقتراع وتجمعات المواطنين؟ ومن يضمن تحركات المرشحين او رؤساء اللوائح؟

مجمل هذه الاسباب وغيرها يجعلنا نتساءل بجدية وقلق من سيأخذ هذا القرار الكبير ويتحمل مسؤولية اجراء انتخابات نيابية؟

ان الظروف الأمنية ليست لوحدها التي تدفع باتجاه تأجيل الانتخابات النيابية لمرة ثانية. ثمة اسباب أخرى أكثر أهمية و«وجاهة» وهي ميثاقية ودستورية تجعل من التمديد شراً لا بد منه:

1 – لم يسبق في لبنان ان حصلت انتخابات نيابية في وقت يتعذر اجراء انتخابات رئاسية، فالأولوية يجب ان تبقى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ولسد فجوة الفراغ الرئاسي ووضع حد لهذا الوضع الشاذ في رأس الدولة والسلطات والمؤسسات… ان تحويل الانظار إلى اتجاه آخر واعطاء مؤشرات تفيد بامكانية تجاوز الاستحقاق الرئاسي ووضعه جانباً والقول انه لا مشكلة في الفراغ الرئاسي وان «البلد ماشي» مع رئيس للجمهورية ومن دونه هو أمر مرفوض.

يجب على الجميع ان يعرفوا ان تجاوز الاستحقاق الرئاسي لا تبرّره ولا تبيحه الاعتبارات الوطنية والميثاقية، ولا تسمح به الاعتبارات والنصوص الدستورية .

فإذا جرت انتخابات وقام مجلس نيابي جديد ستكون الحكومة في حكم المستقيلة ولكن لن يكون هناك رئيس يقبل استقالتها ويجري استشارات نيابية ويصدر مرسوم التكليف؟ ومع استمرار تعذر انتخاب رئيس جديد ستكون الانتخابات النيابية مدخلاً إلى الفراغ الشامل على مستوى السلطة التنفيذية وإلى تعطيل عمل السلطة التشريعية استطراداً، عندها سنقع في الفراغ القاتل والكبي، لذلك نقولها بصوت مرتفع لا يمكن اجراء انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية مهما تأخرت هذه الانتخابات التي نأمل ان تجري في اسرع وقت.

2 – وإذا سلمنا جدلاً انه بامكاننا اجراء انتخابات، أليس من المعيب ان تجري الانتخابات النيابية على أساس القانون النافذ حالياً أي قانون الـ 60 بعدما أُغدقت الوعود على اللبنانيين وبُشّروا بولادة قانون جديد، يعكس تمثيلاً صحيحاً ويعطي كل طائفة حقها وحجمها؟ ان المطلوب، وقبل اجراء أي انتخابات، تركيز الجهود على وضع قانون انتخابات جديد والاستفادة من الفسحة السياسية والزمنية التي أتاحها التمديد لاستكمال ورشة القانون واخراجها من الحلقة المفرغة التي دارت فيها في الأشهر الماضية.

3 – لنفترض ان انتخابات نيابية جرت بعد ثلاثة أشهر على أساس قانون الـ 60، ماذا ستكون النتائج وهل سيتغير شيء في المشهد السياسي وفي الخارطة النيابية أو على مستوى التحالفات؟ من المؤكد اننا سنشهد الوجوه ذاتها والنواب ذاتهم وإذا حصلت تغييرات فهي لن تكون في المضمون أو في الولاء والانتماء وانما في الشكل أي تغيير في الوجوه والاشخاص فقط.

لذلك إذا جرت الانتخابات على أساس القانون الحالي وفي ظل المعطيات وموازين القوى السائدة والتحالفات السياسية ذاتها فان النتائج ستكون هي ذاتها ونستمر لمدة أربع سنوات جديدة مع فريقي 8 و14 آذار ومع كتلة وسطية مرجحة ومعطلة في آن.

4 – إذا بقيت الوجوه الحالية أم أتت وجوه جديدة ماذا سيتغير في المعادلة والوضع؟ والسؤال الأهم هل المجلس النيابي يمتلك قدرة التأثير وحرية القرار ليغيّر في مجرى الاحداث ويؤثر في السياسات والقرارات؟ وهل سيكون في وسع المجلس النيابي الجديد ان يكسر قواعد اللعبة الحالية ولا يكون خاضعاً للعبة التعطيل والمقاطعة؟

نحن في أزمة سياسية نتيجة ارتباط الأطراف السياسية اللبنانية بالخارج وهذا ما أدى إلى تعطيل المؤسسات الدستورية. وهذا وضع غير طبيعي ينبغي معالجته عبر خريطة طريق تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة يكون على رأس مهامها إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون جديد للانتخابات…

المهم إذاً هو انتخاب رئيس للجمهورية وطيّ صفحة الفراغ الرئاسي وبعد ذلك ينتظم عمل المؤسسات وتصبح كل الاستحقاقات السياسية والدستورية ممكنة. أما إذا بقي الوضع على حاله فان التمديد للمجلس النيابي مرة ثانية سيكون «أبغض الحلال» وعندها فان الضرورات تبيح المحظورات …

الخلاصة ان الانتخابات النيابية في ظل الأوضاع السائدة لن تحصل، ولأن الوضع كذلك فان على النواب والسياسيين والمسؤولين في الدولة ان يضعوا المسائل الوطنية الكبرى جانباً لأنها تتخطى قدراتهم وامكانيتهم وهم ليسوا اصحاب قرار في ذلك وان ينصرفوا إلى معالجة ابسط حقوق الناس ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية اليومية لعلّهم يخففون من أوجاعهم ومعاناتهم ويقدمون أفعالاً بعيداً عن التنظير السياسي والكلام الفارغ الذي سئمه اللبنانيون …

(الكهرباء، الماء، الاستشفاء، الطبابة، الدواء، التعليم) هذا أقصى ما يطلبه الناس منكم أيها السياسيون، نحن نعرف ان الوضع اللبناني وكل الاستحقاقات الرئاسية والنيابية موضوعة وحتى اجل غير مسمى في «ثلاجة الانتظار الدولي والاقليمي» وحتى تنجلي الصورة حول ما ستؤول إليه التطورات في المنطقة. لذلك أهتموا بقضايا الناس في هذا الوقت الضائع وارحموهم، ليرحمكم من في السماء.