«كما تكونون يُولّى عليكم»، فلا تتعجّب أيها الشعب من الآتي، ولا تندهش مما ستسمعه وتراه، فمعظمكم إختار التقوقع وراء زعمائه وطوائفه ومذاهبه، وأغفل معنى المواطنة.
قال أحد النواب المتفوّهين والضالعين فـي القانون: «إنه يترقّب الظروف التي تبرّر التمديد لمجلس النواب كي يتقدم باقتراح قانون للتمديد، واعتبر أن الذين يتكلمون عن معارضة التمديد يريدونه لكنهم لا يتجرأون». وقال آخر، وبراءة الأطفال في عينيه : «الكلّ يعلم أنه لا يبدو فـي الأفق أن هناك إمكاناً لإجراء الإنتخابات النيابية فـي موعدها، ولذلك يدور البحث حول كيفية التمديد ومدته»!…
ايها السادة النواب، الشعب يسألكم : من أعطاكم هذا السلطان الإلهي الذي يسمح لكم بتحويل نظامنا الديمقراطي إلى نظام ديكتاتوري؟ بأي حق تفكرون وتبحثون بالتمديد، وكأن لا وجود للشعب، الذي هو مصدر السلطات؟ هل سألتم هذا الشعب ماذا يريد وإلى ماذا يطمح؟
أعطاكم الشعب وكالة محدّدة لأربع سنوات، وشدّد على تاريخ إنتهاء الصلاحية، لئلا تصبح بضاعتكم فاسدة ومُضرّة بصحة الوطن والمواطن، فإذا بكم تتلاعبون بالوكالة وتلغمون تاريخ الصلاحية وتمدّدون مفعولها، دون الرجوع إلى أصحاب الحق والقرار.
منذ سنة ونصف السنة، تـحجّجتم بأحداث طرابلس، واعتبرتم أن هناك ظروفاً إستثنائية لا تسمح بإجراء الإنتخابات، فمدّدتـم لإنفسكم سنة وسبعة أشهر، وضربتم عرض الحائط بآراء الناس واعتراضاتهم، مع العلم، وللتذكير فقط، أجريتم الإنتخابات النيابية عندما كانت القوات الإسرائيلية تحتلّ الجنوب، ووضعتم حينها أقلام الإقتراع خارج نطاق المنطقة المحتلة. اليوم، بماذا تتحجّجون، وما هي الظروف القاهرة التي تمنع إجراء الإنتخابات؟
إذا لم تتوصّلوا إلى إنجاز قانون جديد للإنتخاب، فقانون الستين الذي أوصلكم إلى المجلس النيابي لا يزال ساري المفعول، فهل ستختلقون ظروفاً إستثنائية قاهرة لتبرروا التمديد؟
التمديد يحتاج إلى حضور وموافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس النيابي، فهل التقت مصالحكم جميعاً لتأمين النصاب القانوني والتصويت للتمديد، ولم تلتق مرة واحدة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ ماذا ستقولون لهذا الشعب التعيس؟
«مصالحنا وديمومتنا فوق كل إعتبار»، أو «نحن جميعاً ولا أحد غيرنا»؟ كيف تقنعون شعبكم، بماذا تغرونه، وماذا تقدّمون له؟ المن والسلوى؟ الأمن والسلام؟ البحبوحة والإزدهار؟ الطمأنينة وراحة البال؟… هل تظنون أن الشعب سيصدّق وعودكم ويتقبّل طروحاتكم؟ لقد جرّبكم مرة، وندم، فهل يُلدغ المؤمن من الجحر مرتين؟
منحكم الشعب وكالة أسأتم إستعمالها، ولم تُحسنوا التصرّف بها، مشيتم مع الأخصام وتخلّيتم عن أصحاب القضية. تركتم الوطن بلا حدود ولا سياج ولا سيادة، حتى أصبح الوطن مزرعة سائبة للطامعين واللصوص وشذّاذ الآفاق. تركتم السلاح ينتشر على غاربه، والمربعات تزداد، والتكفيريون يسرحون ويمرحون ويهدّدون دون رادع أو حسيب. تركتم شبابنا يهاجرون متخلّين عن أعمالهم ووظائفهم للغرباء من كل الأعراق والألوان.
تركتم شيوخنا يبيعون أرض أجدادهم للسماسرة والتجار وينزحون عن قراهم ودساكرهم خوفاً من المجهول. لقد احتلّ الغرباء أرضنا حتى أصبحنا نحن الغرباء. بربكم، ما هي الإنجازات التي حققتموها أيها النواب لتستحقوا نعمة التمديد؟ دلّونا على إنجاز واحد لم نكتشفه نحن الأغبياء.
بقيتم أكثر من عشرة أشهر بلا حكومة، تتناكفون وتتبادلون التهم والشروط، حتى جاءكم الحلّ من خارج الحدود، بعد أن أنهكتم الشعب والخزينة والإقتصاد. مضى أكثر من شهرين على الفراغ في سدة الرئاسة، رمز وحدة الوطن، ومازال بعضكم يتفاخر ويتباهى بمقاطعة جلسات الإنتخاب والحؤول دون انتخاب رئيس جديد، والبعض الآخر يتعامل مع هذا الفراغ وكأنه أمر طبيعي لا يستدعي أي ردّ فعل أو محاولة جريئة وشجاعة للخروج منه.
سلّمتم بنصاب الثلثين، مخالفين مواد الدستور، وارتضيتم الفراغ قانعين خانعين، ومستسلمين للأمر الواقع وكأنه فعْل القدر. تركتم بكركي تتخبّط حزناً وألماً، وتصرخ في وادٍ لا صدى له. بكركي التي أحبتكم وحضنتكم ورعتكم، بعتموها بثلاثين من الفضة، ونكستم بوعودكم لها، دون أن يرفّ لكم جفن.
ماذا أنجزتم لنمدّد لكم؟ قضيتم ثلاث سنوات تدرسون سلسلة الرتب والرواتب وقد اعترفتم بأحقّيتها، فسبّبتم الشلل والإهتراء في مؤسسات الدولة، وقضيتم على الإقتصاد، وسجنتم مئة ألف طالب فـي قفص الإنتظار والضياع، ولم تتوصّلوا بعد إلى اتفاق على رقم واحد، إن كان في الكلفة أو في الإيرادات.
ماذا فعلتم خلال خمس سنوات ونصف السنة؟ راجعوا ضميركم ووجدانكم. أيّ قانون إنتخابي أنجزتم وأيّ قضية عالجتم؟ ما هو الحلّ الذي وجدتم لمليون ونصف مليون نازح سوري على أرضنا؟ هل عالجتم إنقطاع التيار الكهربائي والمياه؟ هل عالجتم العجز في الموازنة وتعاظم الدين العام؟ هل عالجتم الفساد المستشري في الوزارات والإدارات؟ هل عالجتم السلاح المنتشر خارج القوى الشرعية؟… بربكم، ماذا فعلتم طوال هذه الفترة لتستحقوا التمديد؟
نصيحتي لكم، إذا كنتم تتقبّلون النصائح، وقبل أن تعمّ الفوضى ويثور الشعب ويضيع الوطن، إنصتوا إلى صوت الحق، إلى صوت بكركي، إذهبوا إلى المجلس النيابي وانتخبوا رئيساً من خارج «8 و14 آذار»، يكون على مستوى حاجات البلاد وتحدّياتها. ثمّ إذهبوا إلى الإنتخابات النيابية في موعدها، فليس المهمّ من يربح ومن يخسر، المهمّ أن يبقى الوطن وتبقى الديمقراطية.