Site icon IMLebanon

التمديد يقطع الطريق على الفراغ.. والحكم المجلسي

 

من مفارقات زمن الشغور أنّ الدعوة إلى التمديد لمجلس النواب، إنّما تصبّ في مصلحة الانتظام الدستوري واستمرار الحياة في مؤسسات النظام. هذه هي حال الدعوة التي وجّهها الرئيس سعد الحريري لانتخاب رئيس للجمهورية قبل الانتخابات النيابية، معزّزاً هذه الدعوة بموافقته على التمديد للمجلس كـ«خيار أخير».

بالتأكيد ليس القصد من هذه الدعوة، كما يؤكد متابعون لهذا الموقف، شلّ الحياة الديموقراطية في لبنان أو قطع الطريق على تقليد تداول السلطة، وإنّما مواجهة أمرين خطيرين: الأوّل الفراغ التام والثاني حلول حكم مجلسي.

ذلك أنّ انتخاب مجلس جديد يفترض حكماً تشكيل حكومة جديدة التي تفترض هي الأخرى وجود رئيس جمهورية يجري «استشارات نيابية ملزمة»، فأين هو الرئيس لإجراء هذه الاستشارات أي أنّ غيابه سوف يحرم لبنان من حكومة أيضاً بعدما حُرم من الرئيس، ما يعني اتساع رقعة الفراغ في السلطة.

وفي هذه الحال، لا يبقى على قيد الحياة الدستورية سوى مجلس النواب، ما يعني خضوع لبنان لحكم مجلسي لا اكتمال فيه لنصاب السلطات، ولا «توازن» في ما بينها.

كيف يصف نوّاب في تيار «المستقبل» خطورة الانتخابات في حال حصولها قبل الانتخابات الرئاسية؟ وأي فراغ وخلل دستوري قد يعيشه لبنان وقد ثبت بالملموس ما جرى من مخاطر في تجربة العراق؟.

حوري: فليتم انتخاب رئيس

الأولوية بالنسبة الى النائب عمّار حوري هي انتخاب رئيس للجمهورية ويعتبره «بوابة لحماية باقي الاستحقاقات، وإذا لم نوفّق لأي سبب في انتخابه، نعتبر بأن أي استحقاق دستوري آخر في ظل هذا الشغور في موقع الرئاسة مرفوض». ويعلل حوري لـ«المستقبل» كلامه بتفسير دستوري: «إجراء الانتخابات في ظل الشغور سيؤدي الى اعتبار الحكومة مستقيلة وبالتالي فإن الاستشارات النيابية لا يمكن أن تحصل في غياب الرئيس». ويتابع «التجربة العراقية المعقّدة ماثلة أمامنا، البعض يتّهمنا بأننا نريد التمديد للمجلس وهذا غير صحيح، نحن نشدد على انتخاب رئيس للجمهورية». وختم حوري «فليتم انتخاب رئيس للجمهورية اليوم لتجري الانتخابات في موعدها».

أوغاسابيان: مغامرة وفوضى

من جهته، يربط النائب جان أوغاسابيان الاستحقاقات بالوضع القائم في لبنان وبالوضع الإقليمي والدولي. يقول لـ«المستقبل»: «المفاوضات اللبنانية حتى الآن لم تؤدِّ الى انتخاب رئيس، وخارجياً ليس هناك من تدخّل مباشر لا عربي ولا دولي للوصول الى تفاهمات بهدف إنجاز الاستحقاقات». واعتبر بأن «المفاوضات على مستوى الداخل اللبناني مقفلة ولا مجال لتفاهمات، وأحد أسباب عدم حصول تفاهم هو إصرار العماد ميشال عون على التفاهم على شخصه كرئيس للجمهورية كي يلغي مقاطعته للمجلس، و«حزب الله» يتلطّى خلفه طالما ليس هناك موقف إيراني واضح في هذا الأمر، وطالما إيران منشغلة بالتفاوض مع الولايات المتحدة، هذا بالإضافة الى ظهور «داعش» في المنطقة وما أحدثته من تغييرات في الأجندة الإيرانية، ما أدخل إيران في تفاهمات على الحكم في العراق والتخلّي عن (رئيس الوزراء نوري) المالكي».

هكذا يشخّص أوغاسابيان الواقع ويضيف «تعنّت العماد عون اليوم مشابه لما حصل في العام 2008 حين كان يطالب بالرئاسة لنفسه». ويقول «إذا لم يحصل أي تفاهم كما حصل في العام 2008، ستكون الانتخابات النيابية في حال إجرائها مغامرة ستدخل لبنان في فراغ على مستوى كل المؤسسات الدستورية ما يدخلنا بحال فوضى». ويتابع «الرئيس الحريري قال إنه لا يمكن انتخاب رئيس مجلس إذا كنا غير قادرين على انتخاب رئيس للجمهورية، هذا الأمر بغاية الخطورة والمراهنات من قبل الفريق العوني على أن تغيّر الانتخابات النيابية المعادلات والتوازنات داخل المجلس بما يؤدي الى انتخاب عون ليست في مكانها».

وختم أوغاسابيان «نحن أمام خيارين: إما انتخاب رئيس للجمهورية نتيجة تفاهم إقليمي- دولي، حيث التفاهم الداخلي مقفل، وإما هناك ضرورة وحاجة لاستمرار عمل المجلس النيابي الى حين إجراء الانتخابات الرئاسية وفي ما بعد تنفيذ خريطة طريق الرئيس الحريري من تشكيل حكومة اتّحاد وطني الى التحضير للانتخابات النيابية وبالتالي انتخاب مجلس نيابي جديد وإعادة نظام العمل الى داخل المؤسسات الدستورية».

حبيش: تطيير المؤسسات

في الإطار عينه، يرى النائب هادي حبيش لـ«المستقبل» أن إجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الستين «ستفرز الكتل النيابية ذاتها مع تغيير في بعض الأسماء، والنتيجة بالتالي ستكون نفسها، أي أن المشهد في المجلس الجديد لن يتبدّل خصوصاً على مستوى التعطيل في انتخاب رئيس للجمهورية، والفارق الوحيد يكون غياب الحكومة لاعتبارها مستقيلة ما سيدخلنا بفراغ دستوري جديد ومعادلة معقّدة».

ويخلص حبيش الى رفض «إجراء الانتخابات النيابية والشغور قائم في موقع الرئاسة الأولى، لأن ذلك سيعطّل تكليف رئيس جديد بتشكيل الحكومة من خلال إجراء الاستشارات النيابية التي يقوم بها رئيس الجمهورية». ويعّقب «كل هذا لن يحصل في ظل غياب رئيس للجمهورية، لأنه بإجراء الانتخابات النيابية نكون نعمل على تطيير مؤسسة تلوَ الأخرى». وعن التمديد يقول «التمديد التقني جيّد، أو بحسب الظروف الأمنية التي ربّما تفرض نفسها».

الجراح: من يراقب؟

وينطلق النائب جمال الجراح من مجلس نيابي جديد منتخب لشرح وجهة نظره متسائلاً لـ«المستقبل»: «بحكم الدستور تعتبر الحكومة مستقيلة فمن سيُجري الاستشارات النيابية لتشكيل حكومة جديدة، وما هي صلاحيات مجلس الوزراء وهو أصلاً بحكم المستقيل؟» بالنسبة إليه «إن الأولوية مطلقة لانتخاب رئيس للجمهورية، وإنما إذا تعذّر ذلك فإننا نؤيّد تأجيلاً تقنياً حتى انتخاب رئيس للجمهورية».

وفي ظل المجلس الجديد مع غياب رئيس للجمهورية، يرى الجراح بأن «لبنان سيدخل مرحلة فراغ كامل، خصوصاً وأنه يستحيل على المجلس المنتخب ممارسة صلاحياته في غياب الرئيس والحكومة معاً، فمن سيراقب عمله؟ وأي سلطة تنفيذية سيراقبها وممن سيتلقى الموازنات ليناقشها؟!». وختم الجراح «الهدف من إنشاء مجلس نيابي بحسب الدستور ينتفي».

طعمة: الوضع اليوم أخطر

ويستند النائب نضال طعمة الى موقف الرئيس الحريري في هذا الإطار ويقول لـ«المستقبل» «نريد أن تحصل الاستحقاقات الديموقراطية في موعدها خصوصاً أن على الشعب اختيار ممثليه، لكن السؤال يطرح نفسه: هل الظروف اليوم مؤاتية لإجراء انتخابات نيابية؟ برأيي كلا، لأن الظروف التي لا تسمح بانتخاب رئيس هي نفسها التي لا تسمح بإجراء الانتخابات النيابية».

وسأل طعمة «لمَ تمّ التمديد للمجلس النيابي في صيف العام الماضي بحجة الوضع الأمني؟ أليس الوضع الأمني اليوم أخطر من العام الماضي؟» وتمنّى على من «يُظهر حماسة لإجراء الانتخابات النيابية على التوجّه الى المجلس وانتخاب رئيس ثم نحضّر للانتخابات النيابية». وأبدى تخوّفه من أن «فريقاً في البلد يتّجه الى إفراغ لبنان من مؤسساته لإنشاء مؤتمر تأسيسي، كما يسمّى». وختم طعمة «الأولوية اليوم لانتخاب رئيس فليلاقونا في المجلس ولن نمانع في اليوم التالي من الدعوة الى إجراء انتخابات نيابية، ولكننا لن نذهب بأي طريقة من الطرق الى انتخابات نيابية في ظل الشغور في موقع الرئاسة لأن ذلك يتناقض مع الميثاق الوطني».

زهرمان: لا للمزايدات

يتمسّك عضو كتلة «المستقبل» النائب خالد زهرمان بانتخاب رئيس للجمهورية قبل كل شيء ويقول لـ«المستقبل»: «يجب أن نسخّر كل طاقاتنا لانتخاب رئيس» ويشرح السيناريو المقبل إذا ما استمر الوضع على هذه الوتيرة: «المخاطر كثيرة إذا أجريت الانتخابات النيابية»، ويعدّدها: «أولاً هناك تساؤلات دستورية لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، من سيجري الاستشارات النيابية، كيف سيتم تكليف رئيس الحكومة بتشكيل حكومته؟». وأضاف زهرمان «عندما أُقرّ التمديد الأول كانت الظروف أقل خطورة مما هي عليه اليوم، فهل نحن مستعدّون اليوم للدخول الى فراغ على مستوى المجلس التشريعي؟ عندها نكون قد خاطرنا وأدخلنا لبنان بفراغ تام وكامل على مستوى المؤسسات».

ودعا زهرمان الى «انتخاب رئيس للجمهورية وبمجرد انتخاب رئيس تزول التساؤلات والمخاوف، فلنفكّر معاً من دون مزايدات سياسية ستؤدي الى مآزق نحن بغنى عنها»، متمنّياً «أن نبلغ مرحلة الانتخابات النيابية في ظل وجود رئيس جديد، تفادياً لإدخال لبنان بمجهول جديد». وذكّر بأن «تيار «المستقبل» كان ضدّ التمديد في المرة الأولى، لكن الظروف الاستثنائية فرضت نفسها وحاولنا أن تكون مدّة التمديد قصيرة».

وعن التمديد قال زهرمان «يجب أن تكون مدّته قصيرة، إذا ما بلغناه، وحينما تصبح الظروف مؤاتية لحصول الانتخابات النيابية علينا أن نُجريها فوراً، كما حصل في العام 1992 عندما كانت ولاية المجلس ممدّد لها حتى العام 1994، حين تمّ تقصير المدّة». وختم «نعيش ومن حولنا المنطقة تغلي والوضع صعب والمسؤولية كبيرة على عاتق القوى الأمنية والسياسيين ومحاولات الاختراق تحيط بنا بعدما زجّ «حزب الله» لبنان بحرب خارجية، يبقى أنه علينا أن نعمل لما فيه مصلحة اللبنانيين والاستقرار».