تتحدث تل أبيب بصوت مرتفع، منذ عام 2006، عن القتل والدمار في لبنان إن وقعت «الحرب المقبلة»، وهذه هي إحدى الوسائل التي تراهن عليها لردع حزب الله عن الرد على اي اعتداء تخطط له. في المقابل، تتحدث بصوت منخفض، عما سيحدث لديها جراء هذه الحرب. علما أن الصوت المرتفع والهمس، لا يغيران من الواقع شيئا. فالقتل والدمار سمة الحرب الموعودة، وهذه المرة إسرائيليا أيضا.
لم يتوقف العدوان على قطاع غزة، لكن في موازاته، لا ينتهي أيضا ما يكشفه من حقائق ومعطيات ترتبط بالحرب المقبلة مع لبنان. احد الضباط الإسرائيليين يؤكد أن العدوان على غزة هو «بروفة» لحرب لبنان الثالثة، وكل ما فيها بـ«رسم حزب الله» ومعايناته.
ومن الصعب ألا يكون حزب الله «يعاين» ما يجري في القطاع. تحديدا ما يتعلق بقتل المدنيين والدمار المنظم، إضافة بالطبع إلى «معاينات» أخرى، إلا أن القتل والتدمير لا يؤكدان إلا ما كان مؤكدا، ولا يضيفان جديدا. فحرب عام 2006، كانت أيضا مليئة بمجازر ارتكبها الاحتلال. وأحد دروس وعبر هذه الحرب، من جهة حزب الله، هو إعداد العدة والقدرة على «المعاملة بالمثل»، فهذا هو الحل الوحيد لردع الإسرائيلي عن المجازر بحق المدنيين: قتل مقابل قتل، ودمار مقابل دمار.
أحد دروس حرب 2006 من جهة حزب الله هو إعداد العدة لـ«المعاملة بالمثل»
لكن هل تدرك إسرائيل ذلك؟ لا خلاف حول أنها تدرك حجم التحدي والتهديد، والرد الموعود، بل هي تدرك ذلك بمنسوب مرتفع جدا. يشير احد الضباط الإسرائيليين متبجحا حول حصيلة عدد الشهداء المدنيين في القطاع، بأن آلته العسكرية قادرة على فعل أكثر من ذلك. ويوجه كلامه للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله قائلاً: «افهم. إذا كنا نعمل هكذا في غزة، فتخيل إذا ما وصلنا في يوم ما إلى حرب لبنان الثالثة، كيف سنعمل؟ عليك أن تتخيل ما سيحدث إذا سقطت هنا صواريخ ثقيلة موجودة في حوزة حزب الله». أراد الضابط التهديد، إلا انه سقط في فخ الكشف عما يردع اسرائيل من خلال الاقرار بأن قوة صواريخ حزب الله حاضرة بقوى لدى المؤسستين العسكرية والسياسية في تل ابيب. كان من الممكن توظيف استهداف المدنيين في لبنان، ابتدائيا أو من موقع الرد، كجزء من الضغوط النفسية والردعية والسياسية، لولا حضور هذه القوة الصاروخية الهائلة لحزب الله في حسابات قيادة العدو. اما الان، فيمكن القول إن المعادلة قد انقلبت، اذ بات التهديد يتركز على نحو أساسي على منع استخدام حزب الله لهذه الصواريخ، التي يصفها الضابط بأنها أطول مدى وأكثر دقة وأشد فتكا. هذا الامر يعني ان اسرائيل تحاول ردع حزب الله من خلال التلويح باستهداف المدنيين، بدلا من أن تستخدم هذه الورقة بهدف املاء شروط سياسية وامنية على لبنان.
هذا المعطى، إلى جانب معطيات أخرى، سيكون حاضراً على طاولة اتخاذ القرارات في تل أبيب: عشية الحرب وخلالها، وقبل دقيقة واحدة من إنهائها، وأيضا في اليوم والأيام التي تليها.
اذن الفارق كبير جدا، بين أن تهدد إسرائيل باستهداف المدنيين والبنية التحتية اللبنانية، وذلك لهدف إخضاع لبنان وحزب الله، وبين أن تهدد لمنعه من استخدام سلاحه ضدها، ابتداء أو ردا. بمعنى آخر، سلاح حزب الله يردع إسرائيل عن استهداف المدنيين والبنية التحتية في لبنان، لكن هل تمنع هذه المعادلة نشوب الحرب؟ الإجابة هي «نعم كبيرة»، و«لا صغيرة». نعم، لان اثمان الحرب المؤكدة، تفوق فوائدها المقدرة، وتحديدا من جهة الطرف الذي يبدأها. ولا، لان مرحلة اللاقتال الحالية، ما زالت مشبعة بالتهديدات وخطر الحسابات الخاطئة، التي من شأنها ان تتسبب بحرب، قد لا يريدها طرفاها.
في العودة إلى العدوان على غزة. ينقل المراسل العسكري للقناة العاشرة العبرية، في أحد تقاريره الميدانية عن مجريات القتال البري، وذلك في اليوم الثاني لمعركة الشجاعية، انه التقى ضابطا رفيعا يخطط لخطوة نهاية القتال وهو لا يفكر بغزة، بل عقله في لبنان، حيث نصر الله، وماذا يفكر نصر الله، وكيف تؤثر هذه المعركة في قراراته، ويقول: حرب لبنان الثالثة ستكون مغايرة تماما، ومضاعفة عشرات المرات مقارنة بهذه المعركة، إن لجهة عدد الصواريخ او قوتها التفجيرية. فإسرائيل لا تعلم ماذا يدور في رأس نصر الله.