الوضع الداخلي سلك مجدداً طريق التهدئة مبدئياً، بعدما أيقن الجميع أن المزايدات تزيد الوضع تعقيداً، لا بل يمكن أن تضع البلاد على شفير الهاوية، فيما المعالجات لا يمكن أن تتمّ إلّا بتضافر جهود الجميع وتوافق القوى السياسية كلها، وقد أثبتت الحكومة قدرتها على احتواء الوضع واستيعاب النقمة وتنفيس الاحتقان وتحمّل مسؤولياتها في مواجهة التعديات الإرهابية على لبنان، كما تحمّلها في إدارة ملف التفاوض لإطلاق العسكريين المخطوفين الذين نَصب أهاليهم خيمة ثابتة في ساحة الشهداء، في خطوة رمزية الهدف منها مزدوج: سَحب التوتر من الشارع، وإبقاء القضية حيّة منعاً لأيّ تساهُل أو تهاون. وقد دفعت جديّة المعالجات رئيس الحكومة تمّام سلام إلى التوجّه شخصياً إلى قطر على رأس وفد وزاري، في رسالة للداخل والخارج بأن ّهذا الملف يتصدّر أولويّات اللبنانيين. وعلى الخط الدولي شكّل خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما محطة فاصلة بين مرحلتين، حيث بدأ اعتباراً من اليوم العد العكسي الفِعلي لإخراج «الدولة الإسلامية» من العراق، وذلك بمعزل عن المدة التي يمكن أن تستغرقها الترجمة العملية للقرار الدولي، خصوصاً أنّ من مصلحة أوباما أن يضع هذا الإنجاز في «جَيبه» عشيّة الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي. ولكنّ اللافت أنّ الرئيس الأميركي استبقَ خطابه باتصال هاتفي أجراه مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، في إشارة إلى انّ واشنطن لن تُقدِم على اي خطوة في المنطقة من دون التنسيق مع الرياض، في الوقت الذي أعلن مصدر في البيت الابيض انّ أوباما طلب من الكونغرس مَنحه الصلاحيات لتسليح المعارضة السورية المعتدلة وتدريبها لمقاتلة «داعش».
على وَقع الحراك الدولي الذي ارتفعت وتيرته في الساعات الماضية، وفي انتظار ان تتظهّر استراتيجية واشنطن في مواجهة تنظيم «داعش»، كشف وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنّ الكلمة التي سيلقيها أوباما ستتطرّق الى خطة قتال واضحة.
وقال: «إنّ العالم سيستمع لكلمة تعرض بتحديد بالغ كل مكوّن من مكوّنات الاستراتيجية الواسعة حول كيفية التعامل مع تنظيم «الدولة الإسلامية». واكّد أنّ الولايات المتحدة الأميركية والعالم لن يقفا مكتوفي الأيدي وتنظيم «داعش» الإرهابي يَنشر شروره في الشرق الأوسط.
ويحطّ كيري اليوم في السعودية بعدما زار العراق والأردن، للمشاركة في الإجتماع الوزاري الذي يعقد في جدة والمخصّص لمناقشة خطر «داعش»، ويضمّ ممثلين للولايات المتحدة الأميركية وتركيا وعدداً من الدول العربية. وسيمثّل لبنان في الإجتماع وزير الخارجية جبران باسيل الذي دعا أمس الى اجتماع اكبر تحالف ممكن في العالم من اجل مكافحة الإرهاب.
سلام الى قطر الأحد
وفي موازاة تسارُع الجهود الدولية وتسابُق التطورات في المنطقة، ظلّ ملف العسكريين المخطوفين يتصدّر المشهد السياسي والأمني.
ففي إطار التحضيرات الجارية لتزخيم الوساطات بشأن هذا الملف، تقرّر ان يتوجّه رئيس الحكومة تمّام سلام الأحد المقبل الى قطر للقاء أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وكبار المسؤولين القطريين لرفع مستوى الضغوط على الخاطفين وتسوية القضية بالسرعة القصوى.
وذكرت مصادر حكومية لـ«الجمهورية» انّ سلام سيترأس وفداً وزارياً واسعاً يضمّ أعضاء اللجان الوزارية التي تتعاطى مع الأزمة وملف اللاجئين السوريين. وسيضمّ الوفد، الى وزير الداخلية نهاد المشنوق، وزير الخارجية جبران باسيل، وزير العمل سجعان القزي، وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس، الأشغال غازي زعيتر، الصحة وائل ابو فاعور والعدل أشرف ريفي.
كذلك سيضمّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ورئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير، ووفداً إدارياً واعلامياً وديبلوماسياً كبيراً. وستستمر الزيارة يوما واحداً، حيث ستعقد لقاءات كثيفة.
وقالت المصادر انّ سلام ينوي التوجّه بعد الدوحة الى الإمارات العربية المتحدة في توقيت لاحق لم يحدد بعد، في انتظار الإتصالات الجارية لترتيب مواعيد القيادتين اللبنانية والإماراتية.
مصدر أمني رفيع
في المقابل، أكد مصدر أمني رفيع متابع لملف المخطوفين لـ«الجمهورية» انّ هذا الملف وضع على السكة الصحيحة، وقد حُصِرت قنوات التفاوض ما يعطي أكثر جدية ومصداقية للعمل بالاضافة الى الثقة بالجانب المفاوض، وقد ساعد هذا الامر على الحَدّ من عملية التشويش التي كانت ناتجة عن دخول اكثر من طرف على خط التفاوض، ما حَوّل الملف احياناً الى بازار سياسي وطائفي.
ولفت المصدر الى انّ الحكومة باتت تملك رؤية واضحة في هذه القضية، حيث تعمل من خلال قناة محددة رسمياً مرتبطة مباشرة برئيس الحكومة الذي يطّلع من وزير الداخلية على تفاصيل هذا الملف وتطوراته، والتي يعمل عليها عملانياً اللواء عباس ابراهيم.
وكشف المصدر انّ ابراهيم سيزور في الساعات المقبلة بلداً خارجياً معنياً بهذا الملف بغية تفكيك بعض التعقيدات، وربما يكون تركيا، قبل أن يرافق الرئيس سلام يوم الأحد الى قطر، لكنه لن يعود مع سلام والوفد الوزاري المرافق، بل سيبقى في الدوحة ويعقد اجتماعات مع المسؤولين الأمنيين القطريين مُتابعة لمسار هذا الملف.
وأشار المصدر الى انّ اللواء ابراهيم لم يدخل حديثاً على الملف، وهو بدأ العمل به منذ الساعات الاولى، لكنّ خلط الاوراق والضجيج والالتباس الذي رافق ملف الخطف دفعَ به الى التأني قبل الموافقة على اعلان تكليفه رسمياً.
مصادر وزارية
الى ذلك، افادت مصادر وزارية معنية كذلك بالملف انّ الايام المقبلة ستشهد تحوّلاً في قضية خطف العسكريين، يمكن ان ينعكس خطوات ايجابية، لكن من دون ان يعني ذلك انّ الحل قريب، والإيجابية الاولى انّ «المجموعات المسلحة أعطت ضمانات مبدئية بأنها لن تمسّ ايّ عسكري بسوء طالما انّ خط التفاوض جدّي».
واضافت المصادر لـ«الجمهورية»: «نحن على ثقة بطريقة إدارة اللواء ابراهيم وأسلوبه في التعاطي مع ملفات كهذه، وهو بات يملك خبرة عالية وقد أعطيناه الغطاء المطلوب للتحرّك مع الجانب القطري ومع ايّ بلد آخر يمكن ان يسهّل الامور».
المشنوق
وكان وزير الداخلية طمأن اللبنانيين بأنّ الوضع الأمني تحت السيطرة، مشيراً الى أنّ هناك قراراً سياسياً لدى جميع الاطراف بمَنع الانزلاق الى الفتنة. وأوضحَ المشنوق أنّ الموفد القطري، السوري الجنسية، يواصل مهمته في قضية المخطوفين يوماً بيوم، وأكّد أنّ اللواء عباس ابراهيم يتابع مهمته في ملف المخطوفين بالتنسيق مع خلية الأزمة الوزارية برئاسة سلام.
ساحة الشهداء
في غضون ذلك، صَعّد أهالي المخطوفين تحرّكهم، فنفذوا اعتصاماً سلمياً في ساحة الشهداء ونصبوا فيها الخيَم، مطالبين الحكومة بالعمل وعقد الاجتماعات السريعة للإفراج عن أبنائهم. واكّد الأهالي انه لا يجوز رفض الحلول تحت أيّ سبب أو طائل.
وسبق نَصب الخيَم اعتصام شاركت فيه فعاليات دينية وسياسية، وأجمَعت الكلمات على ضرورة التعجيل في حل الملف، في اعتبار أنه لا يجوز رفض الحلول تحت أيّ سبب أو طائل. (يتبع)
لا داعي للنزوح
وفي ملف اللاجئين السوريين، ترأس سلام أمس الاجتماع الدوري للجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف اللاجئين السوريين، أكّد بعده وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس انه لم يعد هناك من داع للنزوح، لأنّ المناطق التي يجري فيها القتال لم يعد فيها عائلات سورية، وقد أخليَت تماماً. فالقتال في مناطق بعيدة من الحدود اللبنانية، وهي الاقرب الى دول اخرى، لا يمكن للبنان ان يتحمّل نزوح هذه المناطق الى أراضيه.
ولذلك، لا بد للبنان من ان يدقّق في المسائل الانسانية وكلّ من يذهب الى سوريا من النازحين يَفقد صِفته كنازح، وسنكون متشددين في ذلك. بالإضافة الى البحث في اقامة مراكز إيواء نموذجية في المناطق الفاصلة بين الحدودين، وهي تابعة للدولة اللبنانية.
وكشفت مصادر شارَكَت في اللقاء لـ«الجمهورية» انّ البحث تركّز حول سلسلة من الخطوات التي سيباشر لبنان تطبيقها على النقاط الحدودية وفي الداخل اللبناني، للتشديد في تنفيذ المعايير التي جرى البحث فيها بغية التخفيف من حدة النزوح وحَصر صفة اللاجئين بمَن يستحق هذه الصفة وبمَن يستحق المساعدة الطبية والإنسانية والتربوية والاجتماعية والانسانية.
وأكّد المجتمعون التشدد في تطبيق هذه المعايير الى النهاية، والتعاون مع كل مَن يعنيه الأمر من المؤسسات الإنسانية، وتَنبيه من يعنيه الأمر بما في هذا الملف من جوانب سيادية لبنانية ووَضع حدّ لتصرّفات بعض المؤسسات الدولية التي تُسيء الى ادوارها الإنسانية ووَقف استخدامها أساليب لا يمكن القبول بها او استثمارها في الإستهلاك الداخلي في لبنان.
وفهم أيضا أنّ إجراءات سيطبّقها الأمن العام بطريقة أكثر تشدداً على المعابر البرية والبحرية والبرية، وستتبلغ بها المؤسسات الدولية ايضاً، ودعوتها الى المزيد من التعاون ضمن ما يوفر ويضمن المصالح اللبنانية. وستكون هناك اجتماعات تنفيذية في الأيام المقبلة لتوجيه الفِرَق العاملة على الأرض وفي المؤسسات التي تتولّى الرعاية المباشرة لتجمّعات اللاجئين العشوائية كما تلك المنظمة في الوقت عينه.
«14 آذار»
وفي الانتظار، لا تزال قوى 14 آذار تنتظر جواب «حزب الله» على مبادرتها الرامية إلى إيجاد توافق على اسم رئيس جمهورية جديد، واكدت أنّ الإبهام في هذه اللحظات المصيرية لا يُجدي لا بل يؤكد أن رفض اليد الممدودة يُدخِل لبنان في المجهول.
الجميّل
وفي سياق متصل رأى رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» الرئيس أمين الجميّل أنّ «تعطيل النصاب هو الذي يمنع اجراء الانتخابات الرئاسية، ولا يمكننا ان نتحدث عن مرشحين والنصاب معطل. لذلك، علينا ان نفتح مجلس النواب أوّلاً قبل الحديث عن المرشحين».
وأضاف: «انا أحاسب الذي يعطّل النصاب لأنه يمنع انتخاب الرئيس في الوقت المناسب ويمنع حسن سَير المؤسسات ويعطّل المسار المؤسساتي والديموقراطي، خصوصاً في هذه الظروف التي نحن بأمسّ الحاجة فيها الى رئيس يجمَع اللبنانيين مع بعضهم».
ولفتَ الجميّل، في حديث عبر قناة «المستقبل»، الى أنّ «الرئيس يجمع بين اللبنانيين، والرئيس سلام يقوم بواجباته كما يجب، ولكنه ليس رئيساً للجمهورية، وهو مُكبّل بمجلس الوزراء ككلّ، والعماد عون هو المرشح غير المعلن والتحالف الذي يتضامَن معه هو الذي يعطّل النصاب، وأتمنى ان يساهم في المشاركة بالانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن».
وشدّد على أن «ترشيحه أعلن في بكركي، وهناك 4 مرشحين. والدكتور جعجع أعلن انه مستعد للانسحاب ضمن إطار معيّن، أمّا عون فالطريق مقطوعة أمامه. لذلك، الجميع يعلم أنّ ترشيحي مطروح ولكنه يصبح واقعياً عندما نفتح مجلس النواب، فنحن بانتظار مسألة النصاب، والّا فماذا يفيد ترشيحي والنصاب لم يكتمل بعد؟ وهناك معطيات يجب ان تتوافر».