يمكن القول أن لبنان سيظل محكوماً بالسلاح خارج الدولة كما كان محكوماً من الوصاية السورية مع فارق أن الوصاية كانت تفرض الاستقرار السياسي والأمني بقراراتها الحاسمة، في حين أن وصاية السلاح تزعزع هذا الاستقرار ساعة تشاء وتحافظ عليه ساعة تشاء، ولا تخضع للأصول الديموقراطية ولا للنتائج التي تخرج من صناديق الاقتراع.
لذلك يرى مسؤول سابق أن اي رئيس عتيد للجمهورية يرضى التعايش مع هذا الوضع سوف يبقى رئيساً يملك ولا يحكم، وهو ما يؤكده “حزب الله” عندما يكرر القول إنه يرفض أي رئيس لا يكون سنداً لسلاح المقاومة ومؤمناً بها. والحزب عندما يستطيع الاحتفاظ بسلاحه، فإنه يستمد قوته منه ويمنع صدور أي قرار لا يعجبه وهو ما حصل منذ عام 2005 إلى اليوم. وبتحالفه مع الزعيم المسيحي العماد ميشال عون يحظى الحزب بتغطية كافية لكل ما يقوم به، ولولا هذه التغطية لما استطاع الحزب مسخ الديموقراطية العددية وإحلال الديموقراطية التوافقية محلها، ولما استطاع عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية معتبراً الاكثرية التي أسفرت عنها أكثرية نيابية وليست شعبية، ولما استطاع ايضاً أن يفرض حكومات باسم “الوحدة الوطنية” ولا شيء يوحّد بين أعضائها المتخاصمين والمتناحرين والمتشاكسين. ولولا الثنائي عون – نصرالله لما كان حصل شغور رئاسي عند انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود ولم يكن ثمة سبيل للخروج منه إلا بعقد مؤتمر الدوحة الذي فرضته أحداث 7 أيار المسلحة. ولولا هذا الثنائي لما حصل شغور رئاسي مرة أخرى بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان بل كانت الانتخابات الرئاسية جرت بشكل دستوري وطبيعي، بحيث يكون في الدورة الأولى مرشح لـ14 آذار ينافس مرشحاً لـ8 آذار، فإذا لم يستطع أي منهما الحصول على الاكثرية النيابية المطلوبة، فإنهما ينسحبان لمرشح يستطيع الحصول عليها، أو يتركان لمرشحين من 8 و14 آذار ومن خارجهما التنافس على منصب الرئاسة الاولى إلى أن يخرج من صندوق الاقتراع اسم المرشح الفائز بالاكثرية.
لكن الثنائي عون – نصرالله اعتمد هذه المرة ما اعتمده في الانتخابات الرئاسية الماضية، أي إما القبول بعون رئيساً للجمهورية مع أن “حزب الله” يعلم أن لا حظوظ له وكل ما يريده هو تعطيل الانتخابات ليحول دون وصول مرشح من 14 آذار، وكان في الماضي النائب الراحل نسيب لحود والوزير الحالي بطرس حرب المرشحين البارزين. وعندما صار توافق على ان يكون العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية استمر هذا الثنائي في تعطيل جلسات الانتخاب اكثر من ستة أشهر إلى أن فرض اتفاق الدوحة على الجميع انتخاب العماد سليمان بعد فشل محاولات عون تحديد ولاية سليمان لمدة سنتين فقط.
وها ان الثنائي عون – نصرالله يكرر اللعبة ذاتها، فإما يكون عون رئيساً للجمهورية والإ فلا انتخابات. لا هو يترشح كما تقضي الاصول لمعرفة نتائج التصويت، ولا يرشح أحدا سواه كي يبقى “حزب الله” المستفيد من التعطيل والفراغ لبلوغ اهدافه.
أما كيف يكون “حزب الله” هو وحده المستفيد من تعطيل الانتخابات الرئاسية فيقول المسؤول السابق ان فوز رئيس للجمهورية من قوى 14 آذار أو قريب منها سوف يجعل الحزب يتعامل معه كما تعامل مع الرئيس السابق ميشال سليمان، أي أن يبقى دولة داخل الدولة وهو الذي يتخذ قرار الحرب والسلم، وهو ما فعله في حرب تموز ويفعله حالياً في الحرب السورية. أما إذا كان رئيس الجمهورية من قوى 8 آذار أو من القريبين منها، فإن الدولة تصبح عندئذ دولة “حزب الله” ويوافق ولو شكلاً على وضع سلاحه في تصرف هذه الدولة. وعوض أن يظل الحزب دولة تواجه الدولة مع رئيس آخر، فإنه يصبح هو الدولة الشرعية وهو الحزب الحاكم كما في دول عربية تعتمد النظام الشمولي أو نظام الحزب الواحد.
هذه هي صورة الوضع في لبنان، وهو وضع شاذ طال أمده بسبب سلاح “حزب الله” وتغطية العماد عون له في السراء والضراء، وهذا الحزب لن يكون حزب الدولة إلا إذا صارت الدولة دولة الحزب…