Site icon IMLebanon

الجلسة الاستثنائيّة للحكومة غير كافية لتبديد القلق

الجيش يعتمد أسلوب العمليّات الجراحيّة المتدحرجة إستنفار في السفارة الأميركيّة واتصالات مع أكثر من دولة إقليميّة الجلسة الاستثنائيّة للحكومة غير كافية لتبديد القلق

بين الوقائع الميدانية التي تشير الى استمرار العمليات العسكرية في عرسال، تكبر المخاوف من تداعيات المعركة على البلدة البقاعية المؤيدة للثورة السورية، امام حساسية الوضع في تلك البلدة، حيث لعب موقعها الجغرافي تقول مصادر سياسية دوراً استراتيجياً وضعها على تماس مع الصراع السوري الذي ترتبط بـه عبر جرودها بحدود بامتداد 55 كيلومتراً مترامية من محافظة ريف دمشق الى محافظة حمص. علماً ان تموْضعها الجغرافي يربطها من خلال حدودها الجنوبية بيبرود والنبك، في حين تتصل من خلال جردها الشمالي بأطراف ريف القصير، مع الطابع المختلف التي اكتسبته هذه المرة حيث يشكل الجيش اللبناني الطرف الثاني في وجه المسلحين.

وامام هذا الواقع الميداني اتجهت الانظار الى المشهد السياسي الداخلي من جهة تضيف المصادر وردود الفعل الدولية حيال هذا التطور، حيث نشطت المبادرات والدعوات لوقف اطلاق النار وسط بيانات التأييد والدعم للمؤسسة العسكرية، مع استشعار جميع القوى السياسية الداخلية خطورة الاوضاع، بعد التحذير الذي اطلقه قائد الجيش، دون ان يحجب ذلك القلق المتصاعد من عودة الانقسامات، علما ان الأيام القليلة المقبلة تحمل اهمية استثنائية لجهة بلورة موقف داخلي متماسك بالحد الادنى الذي تمليه خطورة الوضع والوقوف وراء الجيش لان اي موقف آخر سيفجر الاستقرار الداخلي الهش.

«فاللهجة الحاسمة» التي خرجت بها الجلسة الاستثنائية للحكومة، غير كافية تقول المصادر لتبديد القلق على الغد والمصير، في ظل التساؤلات وفي اكثر من اتجاه وفي ظل المخاوف مما هو أبعد من معركة عرسال، وامكان تمدد الحالة «الداعشية» الى الداخل اللبناني، خاصة في ظل الاحتدام السياسي بوجهه المذهبي الذي برزت ملامحه في اكثر من موقف، علني وضمني، فيما اعادت الازمة العرسالية احياء «الصراع» حول توسيع ولاية القرار 1701 ليشمل الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا ووضع الحدود اللبنانية – السورية تحت مسؤولية دولية – لبنانية، خاصة في ظل نجاح هذه التجربة على الحدود الجنوبية، حيث اكدت مصادر الرابع عشر من آذار ان احداث عرسال تفرض نفسها وتعيد احياءها لانه لو تم الاخذ بها انذاك لما وصل لبنان وعرسال الى ما وصلا اليه اليوم، معتبرة ان دوائر القرار الخارجية جاهزة لتلقف هذا الطلب في ظل الظروف الحالية، في مقابل رفض تام من قبل الثامن من آذار لهكذا خطوة، داعية الى تفعيل التعاون بين الجيشين السوري واللبناني في مواجهة الارهابيين.

وعلى وقع انضمام سرايا من فوج التدخل الخامس الى الوحدات المشاركة في عملية «السيف المسلط»، سجلت مصادر متابعة للوضع الميداني في عرسال الملاحظات الآتية:

– عكست التطورات المدى العميق لتحركات التنظيمات المتطرفة في الداخل اللبناني، من خلال تأكيد المصادر العسكرية اللبنانية ان غالبية المسلحين الذين اقتحموا البلدة خرجوا من مخيمات النازحين السوريين بكامل عتادهم العسكري، حيث تبين ان العمليات الوقائية التي قامت بها الوحدات العسكرية طوال الفترة الماضية من مداهمات وعمليات تفتيش لهذه المخيمات قد باءت بالفشل.

– تخوف على مجريات العملية العسكرية من فخ استدراج الجيش الى الحسم فيما يرجح ان تكون خلايا وشبكات مستعدّة لتفجير الوضع الأمني في مناطق اخرى في لبنان، ما دفع بقيادة الجيش الى اعتماد أسلوب متدرج في التعامل القتالي مع الواقع المستجد على اساس عمليات جراحية متدحرجة.

– سرعة انتقال شرارة المواجهات الى عاصمة الشمال مع تحرك المسلحين في عمليات كر وفر واستهداف المواقع العسكرية في اطار خطة محضرة، ما اضطر وحدات الجيش وقوى الأمن الداخلي الى التعامل مع الوضع المستجد بحزم حيث اندلعت مواجهات سرعان ما تم ضبطها.

– استبعاد حسم المعركة بالمعنى العسكري، مع استبعاد القيادة اقتحام عرسال، خشية على المدنيين والعناصر المحتجزة داخلها، ما قد يحول العملية الى مواجهة طويلة ومعقّدة، وتحولها الى حرب استنزاف تفرض على الجيش.

– أشارة مصادر عسكرية الى أن الوضع الميداني في عرسال شديد الخطورة، ويبدو بأن المعارك بين الجيش اللبناني والمجموعات المسلّحة ستطول، خصوصا أن هؤلاء المقاتلين متحصنون في الجرود، وقد حاصرهم الجيش اللبناني من جميع الجهات لكنّهم لا يزالون في مواقعهم رافضين وقف إطلاق النار على الجيش حتى إطلاق سراح عماد جمعة.

– تأكيد على ان اي هدنة او وقف لاطلاق النار لا يمكن أن يكون على حساب كرامة الجيش وهيبته وإلا تحوّل إلى فرصة للإرهابيين لتحصين وضعهم واستقدام المزيد من الدعم والمساندة، مؤكدة أن الحلول الجزئية والمؤقتة لن تنفع، فالمطلوب القضاء على المشكلة من جذورها قبل فوات الأوان، وتمددها وتتفشى في كل أرجاء الوطن.

– اتخاذ القوى العسكرية خطوات استباقية في محيط المخيمات في الجنوب فور بدء الهجوم على الجيش في عرسال، بما يمكن أن يقيّد أي حركة من شأنها إلهاء الجيش في مناطق أخرى حساسة.

– الدلالات الهامة لتنصل جبهة النصرة من الاشتباكات الجارية وانكارها لانتماء محمد جمعة اليها علما ان الاخير كان اعلن مبايعته لداعش قبل اقل من اسبوع من توقيفه، حيث يقود الاستنتاج الاولي الى الاعتقاد بان التنافس بين النصرة وداعش موجود ايضا على الجبهة اللبنانية، وما لبث ان انفجر تناقضات ميدانية بعد التنسيق خلال الساعات الاولى للمواجهات.

– تولي هيئة العلماء المسلمين التفاوض بالتنسيق مع امين عام المجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير، بعدما رفضت قيادة الجيش ان تتولى مديرية المخابرات او فرع المعلومات هذا الامر.

– طرح هيئة العلماء المسلمين اتفاقا من خمسة بنود يقضي بالتزام وقف اطلاق النار، تأمين اتصال هاتفي بين الموقوف احمد جمعة والقائد الميداني للمقاتلين السوريين في لبنان، الافراج عن عدد من العسكريين اللبنانيين المحتجزين، الافراج عن جمعة باعتباره «غير مطلوب» للقضاء اللبناني، انسحاب جميع المسلحين السوريين من عرسال والاراضي اللبنانية واطلاق سائر العسكريين المحتجزين، غير ان الجهات الرسمية والعسكرية اللبنانية رفضت مشروع الاتفاق منطلقة من ان الدولة لا تفاوض مسلحين.

– بروز مسعى لوقف اطلاق النار، تولاه النائب جمال الجراح والمفتي خليل الميس والشيخ سالم الرافعي واللواء محمد الخير، يتضمن وقف اطلاق النار والعمليات العسكرية، انسحاب كامل المسلحين من عرسال وانتشار الجيش اللبناني داخلها مع ضمانة بالا يدخل حزب الله الى البلدة، اطلاق جميع العسكريين المحتجزين.

– الزيارة الرمزية التي قام بها السفير الاميركي الى اليرزة بعد ساعات من اندلاع المواجهات، حيث شدد على دعم بلاده الكامل للجيش اللبناني مؤكدا على تعزيز التعاون القائم في مواجهة التهديدات المحدقة بلبنان. وعلم في هذا الاطار عن استنفار الفريق العامل في السفارة في عوكر ومتابعته للتطورات الميدانية لحظة بلحظة، وسط معلومات عن اتصالات تجري مع اكثر من دولة اقليمية للوصول الى اتفاق ينهي الازمة المستجدة.

– الدخول القطري على خط المعالجات، حيث اشارت معلومات دبلوماسية الى استعداد الدوحة للدخول على خط المفاوضات مع المسلحين وقيادتهم.

فماذا يريد تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» من الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية؟ لماذا تخطوا الحدود وتركوا الجرد باتجاه عرسال؟ لماذا استهدفوا المراكز العسكرية الرسمية، وخطفوا عناصر الأجهزة الامنية؟ وابعد من ذلك ماذا بعد وقف اطلاق النار؟ وهل ان حلا جذريا سينهي الحال الشاذة في عرسال وجرودها على غرار ما حصل في نهر البارد وعبرا؟ ام ان العلاج سيبقى موضعيا ليوظف في السياسة عندما تدعو الحاجة؟

اسئلة ستبقى دون اجوبة الى ان تحين الساعة.