يتعرّض الجيش اللبناني لحملة سياسية مغرضة تثير التساؤلات في توقيتها وظروفها وأسبابها وأهدافها، وتأتي في خضمّ مرحلة محفوفة بالأخطار، بفعل الحروب الدائرة في الجوار اللبناني من غزّة إلى سوريا والعراق، كما تأتي في ظلّ فراغٍ رئاسيّ مديد، وخلافٍ حول إجراء الانتخابات أو التمديد، وتتزامن مع الدعم الدولي والعربي، المادي والمعنوي، الذي حظيَ به الجيش بعد معركة عرسال التي حقّق فيها أهدافاً استراتيجية للبنان. واللافت في هذه الحملة أنّ أصحابها يُخوّنون كلّ مَن يتعرّض للجيش، فيما يجيزون لأنفسِهم شنَّ حملة غير مسبوقة في لبنان على المؤسّسة العسكرية.
أثارت الحملة على الجيش جملةً من التساؤلات، ومن أبرزها الآتي: هل كان المطلوب من الجيش أن يتمرّد على السلطة السياسية التي يخضع لأوامرها؟ وهل وقفُ المعركة قرارٌ سياسيّ أم عسكري؟
وهل المطلوب الاستمرار في هذه المعركة التي كلّ التقديرات العسكرية أكّدت أنّه يستحيل حسمها في مدّة قصيرة ومحدّدة، ما يعني الدخولَ في عملية استنزاف طويلة بكلفة عالية على الجيش ولبنان، فضلاً عن شلّ البلد وعودة التوترات الأمنية المناطقية؟
وهل الحكمة تكون في نقل المعركة السوريّة إلى لبنان أم بوقفِها ومَنع تمدّدها؟ وهل الحملة على الجيش سببُها نجاحُه في دحر الإرهابيين عن عرسال ومنعُه انزلاقَ لبنان إلى الحرب؟ وهل بهذه الطريقة يكافَأ الجيش، لأنّه أسقط مخطّط توريط لبنان؟
وهل الدعم الغربي والعربي للجيش أثار حفيظة من لا يريد لهذه المؤسسة أن تكون الضمانة لحماية لبنان واللبنانيين؟ وما سرّ الحملة المتأخّرة وبمفعول رجعي بعد أكثر من أسبوعين على انتهاء معارك عرسال؟ وهل مِن ترابط بين الهبة المالية الضخمة للجيش والحملة عليه؟ وهل هناك مَن يريد تذكيرَه بقواعد اللعبة المعمول بها بعيداً من الهبات والمساعدات والمواقف الداعمة؟ وهل مَن يخشى مِن تعزيز هذه المؤسسة وتقويتها؟
وفي السياق نفسه أيضاً: أين المصلحة الوطنية في ضرب صورة المؤسسة العسكرية وهيبتها؟ ومَن له الحقّ أصلاً بالمزايدة على الجيش في قضية عناصره وعناصر قوى الأمن الذين تمّ أسرُهم في هذه المعركة؟ وهل حقنُ الدماء جريمة، أم الجريمة تكون في إدخال الجيش ولبنان في حرب مفتوحة تؤدّي إلى سورَنةِ وعرقنة لبنان؟
وفي الوقت الذي رفضَت فيه مصادر عسكرية الرّد على الحملة المبرمجة، قالت مصادر قريبة من المؤسسة العسكرية لـ«الجمهورية»: «الجيش ألحقَ هزيمةً نكراء بالإرهابيين، وهذه الهزيمة وحدها التي دفعتهم إلى الخروج من عرسال والعودة من حيث أتوا، ولكن، ويا للأسف، بعدما تمكّن الجيش من دحر الإرهابيين، جاء مَن يريد ذبحَه في الداخل».
قهوجي
وفي مجال آخر متّصل، عقدَ قائد الجيش العماد جان قهوجي اجتماعاً في اليرزة قبل ظهر أمس، ضمّ إلى جانب رئيس الأركان ونوّابه، مديري الأجهزة وقادة المناطق والوحدات الكبرى والأفواج المستقلة. وقد عرَض قهوجي أمام الضبّاط لأوضاع المؤسسة العسكرية، ومهمّاتها في ضوء التطوّرات الراهنة، حيث زوّدهم بالتوجيهات اللازمة للمرحلة المقبلة.
هيئة العلماء المسلمين
وربطاً بأحداث عرسال استقبلَ رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام أمس وفداً من هيئة العلماء المسلمين التي أعلنت بعد اللقاء «تعليق وساطتها مبدئياً لحين إنضاج ظروف أفضل وإفساحاً في المجال لأطراف أخرى قد يكون لها قدرة أكبر على تسوية هذا الملف»، وأعلنَت عن وضع إمكاناتها بتصرّف رئيس الحكومة ومجلس الوزراء وقيادة الجيش لتلبية أيّ واجب وطنيّ وإنساني تجاه لبنان واللبنانيين».
ولكن ما لم تقله الهيئة من السراي أفصحَت عنه في مواقف إعلامية لجهة أنّه «ليس المطروح مبادلة العسكريين بسجَناء رومية، بل بمطلق أيّ موقوف موضوع في خانة المظلومين». وهو أمرٌ قادَ ــ حسب مصادر واسعة الاطّلاع ــ إلى التحذير عبر «الجمهورية» من أن يكون هذا الحديث تعبيراً عن «مطالب الهيئة وليس مطالب الخاطفين» الذين لم يعلنوا بعد رسمياً عن مطالبهم، فضلاً عن أنّه قد يتحوّل «كلّ سجناء رومية إلى مظلومين».
لا مقايضة
تزامُناً، كشفَت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ سلام كان واضحاً مع الوفد عندما جدّد التأكيد على أنّ الحكومة لا يمكنها الدخول في «مقايضة» مع الخاطفين يمكن أن تنعكس بشكل من الأشكال على وضع المؤسّسة العسكرية والأجهزة الأمنية والقضاء. كما حذّر من مشاريع تستدرجه إلى نوع من الابتزاز المرفوض بكلّ المعايير.
وقالت هذه المصادر إنّ سلام استمزجَ آراء وزراء عدّة قبل اللقاء، وتحديداً في ما يمكن اتّخاذه من خطوات، وقد تلقّى إجماعاً وزارياً للتشدّد في التعاطي مع المجموعة الإرهابية وعدم الإنجرار وراء أيّ مشروع يؤدّي إلى استغلال القضية للمسّ بمعنويات المؤسسة العسكرية، وهو ما ارتاح إليه رئيس الحكومة وما دفعه الى التشدّد مع الوفد رغم الغموض الذي ما زال يلفّ حجم مطالب الخاطفين التي تتبدّل من وقت لآخر.
رسائل إلى الملوك والرؤساء العرب
وفي سياق آخر سلّم سلام في السراي أمس سفراءَ الدول العربية المعتمدين رسالةً إلى الملوك والرؤساء والأمراء العرب، تتناول «تنفيذَ الوعود التي سبقَ للدول العربية أن قطعتها لدعم مشروع استكمال إعمار مخيّم نهر البارد، خصوصاً أنّ عدم توفير المبالغ المقرّرة، لتمويل الأعمال المتبقية والمطلوبة لإنجاز مشروع الإعمار، باتت تهدّد استمرار المشروع، ووقف أعمال البناء مع بداية العام 2015».
ودعت الرسالة «الأشقّاء العرب لتقاسم هذه الأعباء وتغطية العجز الذي يقارب 280 مليون دولار، وذلك بهدف إعادة النازحين الى أماكن إقامتهم، وتجنّباً للآثار الاجتماعية والإفرازات الأمنية الخطيرة التي قد تنتج من توقّف هذا المشروع الحيوي، وما يتسبّب به من تشريد عشرات ألوف الفلسطينيين ومن تهديدٍ للسلم الأهلي في لبنان وزعزعةٍ للاستقرار الأمني والاجتماعي في المخيّمات الفلسطيينة. في ظلّ ظروف أقلّ ما يقال فيها إنّها تتدحرج ككرة النار وتضع لبنان في دائرة الخطر المحدِق وفي قلب العاصفة».
مدمّرة للمسيحيين
واعتبرَ رئيس حزب «الكتائب اللبنانيّة» الرئيس أمين الجميّل، بعد لقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي، أنّ نتائج إقرار اقتراح انتخاب رئيس الجمهوريّة من قِبل الشعب «قد تكون مدمّرة للبنان وللمسيحيين اليوم».
وقالت مصادر واكبَت اللقاء بين الرجلين إنّ الجميّل كان قد رغبَ بلقاء الراعي من قَبل، لكنّه كان ينتظر وجودَه في بكركي للقيام بهذه الزيارة التي شكّلت مناسبة للتشاور في ما آلت اليه حركة الإتصالات التي قام بها مع القادة الموارنة الثلاثة الذين شكّلوا لقاءَ بكركي، فضلاً عن حصيلة المشاورات التي أجراها في الأسابيع الماضية مع سائر القيادات السياسية في البلاد.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ الجميّل كان واضحاً عندما حضّ الراعي على القيام بأيّة مبادرة لكسرِ الإصطفاف القائم على مستوى الترشيحات لرئاسة الجمهورية، وكشفَت أنّه دان أسلوب التعطيل المدمّر في حال استمراره وفق المعادلة السلبية التي ستؤدّي حتماً إلى ضياع الإستحقاق وبقاء الشغور قائماً مع ما له من انعكاسات سلبية على مختلف المستويات والمؤسسات الدستورية في البلاد، عدا عن المَسّ القائم بموقع رئاسة الجمهورية، ودعا إلى توفير النصاب، وليفُز من يفوز بالأكثرية المطلوبة.
وختمَت المصادر بأنّه سيكون للجميّل المزيد من اللقاءات في الأيام المقبلة، والتي سيُكشف عنها في حينه، وقد صارَح الراعي بها فشجَّعه على المضيّ فيها الى النهاية.
«القوات» ترد
وفي أعنف ردٍّ من «القوات اللبنانية» على الخطاب الذي تلاه وزير الخارجية جبران باسيل بإسم تكتّل «التغيير والإصلاح»، أكّد النائب فادي كرم في مؤتمر صحافي عقده في معراب أمس، في إشارة إلى أنّه يعبّر عن موقف قيادة القوات رسمياً، أنّ «التكتّل الذي يتباكى على الوجود المسيحي، قد نسيَ أو تناسى، أنّه هو و«داعش» وجهان لعملةٍ واحدة»، لافتاً إلى أنّ «داعش تُفرّغ الموصل من الوجود المادّي للمسيحيين، أمّا «التغيير والإصلاح» فيُفرّغ الجمهورية اللبنانية من الوجود السياسي للمسيحيين».
وأوضحَ كرم أنّ «داعش تقتل وترتكب وتُرهب المسيحيين وغير المسيحيين، أمّا قوى «8 آذار» التي ينتمي إليها تكتّل «التغيير والإصلاح»، فتتمنّع عن تسليم المتّهمين باغتيال القيادات المسيحية وغير المسيحية، وتتستّر عمّن فجّر عشرات الحقائب في شوارع المناطق المسيحية وأزقّتها طيلة العام 2005 وحتى العام 2007».
ورأى أنّ «داعش تقضي على المعتدلين من مختلف الأطراف، فيما جعلت قوى «8 آذار» شغلها الشاغل إقصاءَ وتكفيرَ وترهيبَ قوى الاعتدال في لبنان، من اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى 7 أيار، ومن إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وصولاً إلى محاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع واغتيال اللواء وسام الحسن والوزير محمد شطح، مروراً بقصّة «وان واي تيكيت» الشهيرة».
تعديل الدستور
وقد تواصلت أمس الردود على مبادرة رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الرامية إلى انتخاب رئيس من الشعب، حيث وضعت هذه الخطوة في سياق حرفِ الأنظار عن تعطيله النصابَ لانتخاب الرئيس، ونقل النقاش إلى مكان آخر، غير أنّها أثارت في المقابل مخاوفَ جدّية من أن تفتح باب التعديل الدستوري لدى الفريق الذي يتحيّن الفرصة لإعادة النظر بالمناصفة، والمطالبة بالمثالثة تجسيداً للواقع الديموغرافي، وغيرها من التعديلات التي تضرب جوهرَ ميثاق التعايش، والتي لا تتوافق مع مصلحة المسيحيين في هذه المرحلة الدقيقة التي يجتازونها على مستوى المنطقة، حيث إنّ مصلحتهم تكمن في التمسّك باتفاق الطائف الذي يشكّل الضمانة الأساسية لشراكتهم الوطنية ودورهم السياسي، كما الضمانة الفعلية لقيام الدولة وانتظام مؤسساتها.
ومن الواضح أن المواقف التي أطلقها تكتل «الإصلاح والتغيير» بعد اجتماعه الأسبوعي، فضلا عن اقتراحه انتخاب رئيس من الشعب، أدت إلى تدهور العلاقة بين الرئيس سعد الحريري وعون، وأعادتها إلى الصفر.
فتفت
وتزامُناً، اعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت أنّ اقتراح تكتّل «التغيير والإصلاح» غير جدّي وغير مقبول بالظرف الحالي، وهو تعديل دستوري جذري، ويطرح لمؤتمر تأسيسي جديد، ويخلق تمييزاً بين المواطنين». ولفتَ فتفت إلى أنّ الجميع أمام مسؤوليات دستورية، وأنّ تيار «المستقبل» مع التمديد للمجلس النيابي في حال لم تحصل انتخابات الرئاسة».
كنعان
وأمّا عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان فاعتبر أنّ «انتخاب رئيس من الشعب لا يؤدّي إلى تحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، لأنّ هذا الأمر يتطلب تعديلات دستورية»، وأشار إلى أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي يحترم إرادة الجميع، ونحن منفتحون للتنسيق مع الجميع، سواءٌ أكانوا حلفاءَ أم خصوماً»، وأكّد أنّ «هذا الاقتراح ليس اقتراحاً فئوياً بل إنّه اقتراحٌ وطنيّ».