Site icon IMLebanon

الجيش بين نارين صديقة وعدوة

هل كانت معركة عرسال معركة يتيمة بظرفها ومكانها. وهل يمكن لوقف النار ان يكون تعمية عن شيء آخر يلوح في الافق؟ وهل حملات التضامن مع الجيش كانت لتمرير تسويات مستقبلية؟

هل كان يجب ان يسقط هذا العدد من الشهداء والجرحى والمفقودين من الجيش، حتى نسمع رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون يعلن موقفاً مما يجري في عرسال؟ ولا نعرف اذا كان يفترض ان نشهد فظائع اكثر من التي سمعنا عنها في جرد عرسال، حتى نسمع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يرفع الصوت ضد ما يجري في عرسال بوضوح لا لبس فيه، فلا يعتبر، هو وعون، ان الموقف الايجابي من الجيش يصبّ في مصلحة ترئيس العماد جان قهوجي.

ولماذا ادرك النائب وليد جنبلاط، منذ اللحظة الاولى، خطورة ما يحصل وتداعياته، وهو الادرى بوضع منطقته، فتابع المعركة بدقائقها مع المعنيين، فيما تنتظر القوى المسيحية بمجملها اياماً قبل ان تقول رأيها في معركة بدأت منذ السبت؟

لا نعرف كم شهيداً وكم جريحاً ومفقوداً يجب ان يضافوا الى لائحة الشهداء والمفقودين والجرحى، حتى تقتنع قوى 14 آذار بأن «داعش» موجودة حقاً وعلى بعد كيلومترات ــــ ولو كان السبب في ذلك وجود حزب الله في سوريا ــــ فلا تبدأ حملة سياسية جديدة، غير منطقية اقليمياً ودولياً، لتحويل النظر عن عرسال، عبر طرح توسيع رقعة تنفيذ القرار 1701؟

ولا نعرف ايضاً كيف يمكن ان يقتنع اللبنانيون والاعلاميون الذين تضامنوا مع غزة ومسيحيي الموصل واليزيديين في العراق، بان جرود عرسال شهدت معركة عسكرية خطرة جداً، على غرار ما يحصل في العراق وسوريا، وان المعلومات الحقيقية كانت ولا تزال تخفي وراءها مخاوف من توسع رقعة القتال ومن انتشار حالة «داعش» وتمددها في المنطقة البقاعية وسواها.

هل يمكن البيانات الفضفاضة كبيان كتلة المستقبل منع تفلت الشارع السني؟

ونجهل كم يفترض ان نشهد، بعد، من محاولات سياسيين وطفيليين لاستغلال سفك دماء العسكريين كي يسجلوا ظهوراً اعلامياً وسياسياً، او يحققوا مكاسب آنية في ادارة حملات سياسية ورئاسية. وكيف يمكن لنواب يؤيدون المجموعات الارهابية والتكفيرية، ويدعمون توجهها ويهاجمون الجيش علناً وسراً، أن يحاولوا، بتغطية من رئيس الحكومة تمام سلام، ومن دائرين في فلك تيار المستقبل، ومستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري تحديداً، القيام بوساطات بين الجيش و«داعش» و«النصرة» وأخواتهما، لإطلاق اسرى الجيش. ونكتشف لاحقاً عقم هذه المحاولات، والاكتفاء باطلاق ثلاثة من أفراد قوى الامن، لم يكلف وزير الداخلية نهاد المشنوق نفسه عناء الكلام عنهم والمطالبة بهم، لتتطوّر المفاوضات السياسية لاحقاً الى محاولة وقف لاطلاق النار، تحت غطاء «مستقبلي» فاقع لا تزال اهدافه غير واضحة، لتأمين معرفة مصير العسكريين المخطوفين.

منذ ان استشهد الرائد بيار بشعلاني، قبل نحو عامين، والمؤسسة العسكرية تعمل على احتواء كل تطور امني في عرسال، حتى لا تتحول المعركة حولها معركة مفتوحة على غرار نهر البارد. لم يصدق احد ان الجيش يعني ما يقوله حين اكد تكراراً رفضه استهداف عرسال حتى لا يمس المدنيين. ومنذ ذلك الوقت، والجيش يتعرض لحملتي ضغط مضادتين، الاولى تريد منه اقتحام عرسال، والثانية تريد منه غض النظر عما يجري فيها.

اليوم وصل الجميع امام استحقاق عرسال، بكل خطورته. وهذه بعض معطياته:

ــــ أولاً، ان معركة عرسال لم يسع اليها الجيش. وهي ليست معركة رئاسية، برغم ان بعض المنتفعين قد يحاولون استغلالها لمآربهم الشخصية. معركة عرسال، خططت لها المجموعات الارهابية بحسب اعترافات الموقوف عماد جمعة، لاستهداف مراكز الجيش ومواقعه، واقامة إمارة اسلامية فيها. ولم يكن ممكناً ان يفعل الجيش غير ما فعله، رغم الامكانات الضئيلة التي يملكها.

ــــ ثانياً خاض الجيش معركة «باللحم الحي»، ضد تمدد الارهاب من العراق وسوريا الى لبنان، فيما لا تزال عالقة مساعداته العسكرية والهبة السعودية، برغم الوعود الفرنسية المتكررة، وآخرها ما صدر امس عن وزارة الخارجية الفرنسية. وفي وقت تكثف فيه الادارة الاميركية دعمها له، وتبدي استعدادها المستمر لتزويده ما يلزم من احتياجات، لكن كيف يمكن للبنان ان يترجم تأكيدات دولية متكررة بحفظ امنه واستقراره، في وقت يسود فيه صمت شبه تام العالم العربي والغربي عن ادانة تمدد «داعش» ومحاربتها الجيش اللبناني؟

ــــ ثالثاً، معركة عرسال ليست يتيمة، اي إنها ليست محصورة جغرافياً بالبلدة البقاعية، التي باتت تمثل اختصاراً لحالات يمكن ان تتعمّم في اكثر من منطقة. والمخاوف الحقيقية ان تصبح طرابلس وعكار من الحالات التي يمكن معها ان تتمدد حالة عرسال اليها. والسؤال كيف يمكن مواجهة اخطار بالجملة او توترات تتنقل لارباك الجيش وعزل مناطق، وبث حالات ذعر مقصودة. وكيف يمكن الجيش الذي يحشد قواته في عرسال، ان يحفظ الامن في وقت يحاول فيه البعض توتير بؤر في الشمال او الجنوب او حتى بيروت؟ وهل يمكن للبيانات الفضفاضة التي تدعمه وتطالب بانسحاب حزب الله من سوريا، كبيان كتلة المستقبل امس، ان تكون كافية لمنع تفلت الشارع السني؟ ومن يقول ان حملة التضامن المستقبلية لم تكن الا تعمية لسيناريوات تتضح تدريجا معالمها مع السعي الى وقف النار؟ وماذا يخفي وقف النار من حقائق عسكرية وامنية، ومن كلام عن واقع المسلحين الذين قد يراد لهم ان يتنفسوا الصعداء؟

ــــ رابعاً، ليست المرة الاولى التي يترك فيها الجيش وحده في ايام الشدة، وعسى ان تكون الاخيرة، لكن في الظروف السياسية الراهنة وفي ظل الشغور الرئاسي، يحسب السياسيون، الموارنة والسنة منهم تحديدا، الف حساب لاي كلمة قد تصدر عنهم في شأن الجيش، حتى لا يفسر كلامهم استثماراً في ترشيح قهوجي للرئاسة، لكنْ هناك واقع امني خطر، وفق المعلومات الامنية، وليس من باب التهويل، ينذر بالاسوأ الذي يُخشى معه ليس على مصير الرئاسة فقط، بل على مصير البلد كله أيضا.

في عرسال استشهد عسكريون وضباط، وجرح رفاق لهم وفقد آخرون. هؤلاء وحدهم اكبر من اي كلام سياسي، واي محاولات للتعمية عن الحقيقة. ولاجل هؤلاء فقط، وليس لاي استثمار سياسي مهما كان نوعه، وكي لا تقع خسائر بشرية جديدة بين صفوف العسكريين، هناك اسئلة من نوع: ماذا بعد وقف النار، وماذا يمكن ان يحصل اذا لم يعرف الجيش مصير العسكريين، واذا بقي المسلحون داخل البلدة؟ واخيراً ما كان دور المستقبل؟ وما هو دوره من الان وصاعدا في ادارة ازمة عرسال, وفي محاولة إحراق ورقة العماد قهوجي الرئاسية؟