Site icon IMLebanon

الجيش لا يحتاج إلى الدموع

 

إنّ الحرقة في القلب كبيرة، والألم كبير لرؤية خيرة ضبّاط الجيش اللبناني وجنوده تسقط في مواجهة مدّ تكفيري بدأ يُهدِّد كينونَة المنطقة.

لبنان متروك مرّة أخرى لمصيره في مواجهة جماعات إرهابية تعشَّشت في مناطقنا بسبب غياب القرار السياسي الحاسم لمعالجة الموضوع. كالعادة ترك الإهمالُ الوحشَ لينمو ويكبر ويُهدِّد أهلَ عرسال في الدرجة الأولى، وتركه ليخوض أسوأ المعارك ضدّ الجيش اللبناني.

وكالعادة تكثر عبارات التأييد والدعم من المسؤولين، ويتسابق الجميع إلى دعم هذا الجيش معنوياً، في تظاهرة وطنية موحّدة.هذا مطلوب طبعاً، إلّا أنّ المعنويات وحدها لا تنفع في مواجهة مقاتلين تكفيريين يقاتلون حتى الشهادة، والصلوات والأدعية لا تؤمّن وحدها الغطاء اللازم لجيشنا الوطني.

وهنا نطرح السؤال نفسَه عند مواجهة كلّ مِحنة يتعرّض لها الجيش؟ لماذا التلكّؤ بتسليح الجيش؟ ألم نقتنع بعد بالأخطار الكثيرة التي تتهدَّد بلدَنا إلى حَدٍّ أصبح الحفاظ على جيش قويّ قادر هو من الأولويات الأساسية للبقاء؟ أليس السلاح اليوم هو أهمّ وأنجع من كلّ المصاريف التي نهدرها؟

نبيع الجيش اليوم كلاماً ومشاعر وعواطف، وعند لحظة الحزم يُترَك الجيش وحيداً ليُقاتل بلحمِه الحي. وعود ووعود وتعهّدات على مَرّ السنين، ولكنّها بقيَت حبراً على ورق، ففشلنا في تجهيز جيشنا الوطني بالطرق المناسبة، في الوقت الذي تحصل فيه العصابات الإرهابية على شتّى أنواع الدعم.

لا يحتاج الجيش الى هبات تافهة من دوَل صديقة تتمثّل بالبطانيات والبزّات والكومبيوترات، بل يحتاج إلى قدرة رَدعٍ تتمثّل بالسلاح المتطوّر الفعّال.

كان دولة الرئيس الياس المر قد نجَح في تحقيق إنجاز نوعي عبر انتزاع تعهّد من روسيا بتزويد الجيش 10 طائرات روسية من طراز «الميغ» وتدريب الطيّارين اللبنانيّين، إلّا أنّ هذا الإنجاز الكبير ضاعَ في دهاليز مطابخنا الداخلية وكِلفة الصيانة، مع العِلم أنّ ما من أحد يشكّ في أنّه كان من الممكن أنّ تتعهّد روسيا بقطع الغيار.

ونسأل عن مصير الهبة السعودية حيث كان قد أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أنّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، قرّر تقديم مساعدة سخية مشكورة للبنان بمقدار ثلاثة مليارات دولار، مخصّصة لشراء أسلحة فرنسية للجيش اللبناني. أين أصبحَت هذه الهبة؟ إنْ كنّا نحتاج إلى هذه الاسلحة فنحن نحتاجها اليوم، وليس غداً.

لقد تعِب الجيش من الوعود ومن إبَر التخدير التي تُعطى في كلّ مرّة، ويختفي التنفيذ. ألا ترى الدول الصديقة محنة لبنان اليوم؟ ألم يصبح من الضروري أن تدعم كلُّ الدول التي تُنادي بحرّية لبنان وسيادته واستقلاله، جيشَه في المرتبة الأولى؟

إنّ معركة الإرهاب اليوم هي معركة العالم كلّه. فالخطر يتهدَّد الجميع ولا أحد في منأى عن تداعيات ما يحصل في المنطقة، وبالتالي الدعم المطلق اليوم للجيش اللبناني هو استراتيجية قبل كلّ شيء، ويجب أن تبادر الدوَل الى فتح جسر جوّي مع لبنان لتأمين كلّ حاجات الجيش اللبناني، ودعمه بالأسلحة والعتاد.

لم تعُد تنفع أحداً مواقفُ الدعم المعنوية الداخلية والخارجية، فالجيش فوق الجميع وهذا ليس مادة للسجال أو التثبيت. الدعم الحقيقي يأتي ممَّن يسعى لتسليح هذا الجيش وزيادة قدرته القتالية، وهذه مسؤولية الجميع اليوم.

مسؤولية الدوَل الحلفاء والأصدقاء، مسؤولية كلّ الأطراف السياسية. لقد بات واضحاً أنّ الجيش اللبناني هو هدف، وبالتالي إنّ التقاعس اليوم عن تسليحه هو تواطؤ واضح، وتركٌ له في مواجهة رياح عاتية بصدور عارية.

المطلوب اليوم توفير كلّ المتطلبات والعتاد والأسلحة، والدرس جدّياً لرفعِ أجور المؤسّسة العسكرية بطريقة منفصلة عن بقيّة سلسلة الأجور، لأنّ مَن يذود بدمه عن الوطن يستحقّ العيش بكرامة.

لقد تمَّ وضع روزنامة لبرنامج المساعدات الدولية لتسليح الجيش اللبناني وفق الخطة الخمسية التي وضعتها قيادته قبل نحو العام… أين هي اليوم؟ أين أصوات الدوَل من السعودية وفرنسا والولايات المتحدة التي تداعت في أكثر من مرّة لتسليح الجيش؟ أين الدعم اليوم، في أكثر الأوقات حرجاً، وفي عزّ حاجة الجيش اللبناني إلى السلاح؟

يكفي أن نسترخص دماءَ أفراد جيشنا. أليست مزرية الصورة التي وصلنا إليها ونحن نرى قائد الجيش يستصرخ للحصول على الأسلحة ويسأل عن الهبة السعودية والأسلحة الفرنسية؟ قائد جيش يتوسّل الأسلحة في عزّ المعركة… جيش لا يملك إلّا شجاعته وقناعته وحبّه للوطن.

لا يجب أن نقبل بتحويل جنودنا دروعاً بشريّة. لا يجب القبول بأن نخسر أبطالاً أمثالَ المقدّم نور الجمل وداني خيرالله وداني حرب وغيرهم من الأبطال.

أعطوا الجيشَ اللبناني حقَّه في السلاح. فهو لا يريد دموعكم وعواطفكم، أعطوه سلاحاً، وهو قادر على صنع الكثير.