Site icon IMLebanon

الحبر الأعظم وكاردينال الجمهورية يعالجان في روما مصير الأقليات في لبنان والشرق!!

 

١٠٠ يوم شغور رئاسي و١٠٠ عام بين فؤادي الكتلتين الدستورية والوطنية

وأزمة داعش تربك النظام وتزعج أركانه وتهدد مستقبله

القصة كبرت. والحياة السياسية في خطر. كان لبنان يواجه أزمة نظام، وأضحى في مواجهة خطر داعش. قبل نحو أسابيع، وجد أهل السياسة أنفسهم في صراع عميق، وهمهم الأكبر انتخاب رئيس الجمهورية، الا ان اهل السياسة يركزون همهم على انقاذ الجمهورية، لا على النزول الى البرلمان، وانتخاب رئيس للجمهورية.

في الاسبوع الفائت، غادر كاردينال لبنان بيروت الى روما، وهمه اللقاء مع الحبر الأعظم، وبابا الفاتيكان همه الأكبر الذود عن المسيحيين في الشرق، الذين يتعرضون للابادة، وهمه الأصغر أن يختار اللبنانيون رئيساً للجمهورية، بعد ١٠٠ يوم من الفراغ في الموقع الأول للمسيحيين في الشرق.

بعد ايام يعود الكاردينال الراعي من عاصمة الكثلكة، الى عاصمة الوطن، وهو غارق في أزمتين: أزمة وطن من دون رئيس جمهورية، وأزمة جمهورية تكاد تضيع خصائصها في خضم بلد يغرق في بحر لا فرار له من الأخطار.

قبل نصف قرن ويزيد، كان في لبنان صراع سياسي يمتد الى فرنسا، عنوانه الصراع بين الكتلة الدستورية بزعامة بشارة خليل الخوري، والكتلة الوطنية بقيادة الرئيس اميل اده. ومع ذلك، كان الصراع يحتد بينهما ولا يتوقف.

كان الرئيس كميل شمعون يتناول طعام الغداء عند الرئيس سليمان فرنجيه، بعد انتقاله من القصر الجمهوري الى النقاش بحضور الوزير والنائب ادوار حنين.

بادرهم الرئيس فرنجيه، بأن ادوار حنين لم يصل الى رئاسة الجمهورية، لكنه كان يكتب معظم خطابات رؤساء الجمهورية. انه رئيس الجمهورية بالتكليف. رئيس للبلاد بقلمه، وبلسانه، وليس بالانتخاب.

وعقب الرئيس كميل شمعون على هذه العبارة بقوله ان ادوار حنين كان يكتب على الورق، بأن النقيب السابق للمحامين فؤاد الخوري، الدستوري العريق، هو معلمه وأستاذه. ودخل على خط الحوار الرئيس سليمان فرنجيه وقال: من كان يصدّق ان ادوار حنين يقول انه تتلمذ على يد النائب والوزير الدستوري فؤاد الخوري، واستظل الكتلوي العريق النائب الدستوري وظل يعتز بأن فؤاد الخوري عمل نائباً، في منطقة لم يكن لها نائب ارثوذكسي، الا في حقبة الصراع الطويل بين الحزب الدستوري وحزب الكتلة الوطنية.

وقال ادوار حنين في العام ١٩٧٨: عندما كنت أفوز بالنيابة، بأصوات الرئيس كميل شمعون، لم يرتح لي بال، لأن فكري ظل مشدوداً الى هموم الناس.

ورفع الرئيس شمعون يده، وكأنه يطلب اذناً بالكلام: لا، يا ادوار، لا تجعلني أخجل من نفسي. أنا كنت فخوراً بأنني اقف الى جانبكم، لكنكم كنتم تقفون دائماً في صف وطن يبحث عن مصير جمهوريته.

كان الأستاذ فيليب بولس نائب الكورة السابق، يقول للرئيس فؤاد شهاب، إن عزوفكم الشهير عن الحكم، لم يخلق الحكم الذي تبحثون عنه، لكن الاستاذ جورج نقاش كان يسارع الى القول ان عزوف الرئيس شهاب عن التجديد، أعطى الحكم مدرسة لا تجارى في حرية الاختيار بين التجرد والتعقل، من جهة، وبين الترهل في السياسة والانحراف من جهة أخرى.

وينقل عن الوزير السابق زياد بارود، قوله إن بروز داعش واخواتها، والنصرة وأولاد عمها، خلق قصة رهيبة، بدأت في بلاد ما بين النهرين وامتدت الى سوريا، وتحوم حول لبنان.

ويرى الوزير بارود أن داعش خلقت قصة التطرف والتزمت، وسعت الى اقتلاع المسيحيين من العراق وسوريا، وسحق الطائفة الايزيدية، وهي ديانة كردية عريقة تؤمن بوجود اله واحدد أقوى من كل الآلهة.

وتعتقد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، ان الصعود الكبير لتنظيم داعش، يعود الى الفشل الأميركي في مساعدة ثوار سوريا. لقد قمنا بأخطاء كبيرة، باغضاء الطرف عن نمو داعش، وتركنا قطر وتركيا تمدانها بالمال والسلاح.

ويبدو ان الرئيس الاميركي اوباما، لم يخف من خطر داعش الا عندما حاولت الامتداد الى اربيل عاصمة اقليم كردستان.

وصارح رئيس اقليم كردستان مصطفى البرزاني، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ان الاكراد لا يقاتلون منظمة ارهابية، بل دولة ارهابية.

يستعد الرئيس الأميركي باراك اوياما لاتخاذ مبادرة مع الرئيس الفرنسي هولاند، تتجاوب مع الحبر الاعظم والكاردينال بشاره الراعي، ترمي الى سحق الظاهرة الداعشية، بعدما أمعنت في خطف الاقليات وسحق التنوع السياسي والديني. انطلاقاً من مبادرة رئاسية لبنانية، ترمي الى المحافظة على الحياة الديمقراطية، والنظام السياسي القائم على الحرية والعدالة.

كانت داعش تريد بادئ الأمر، سحق الدولة، ودفع الجيش اللبناني الى التسليم بمطالب ترمي الى تقويض السلطة وزرع الفوضى في البلاد.

ويقول الاستاذ فؤاد بطرس اطال الله في عمره، ان الرئيس فؤاد شهاب حاول ايجاد دولة، لكنه وجد أن دولته ليست من هذا العالم، وحاول ايضا زرع افكار السلطة في البلاد، لكن السلطة التي أرادها ذهبت بها الأفكار المتسرعة عند الأصدقاء أحياناً.

السياسة والسياسيون

في حياة لبنان السياسية، ظاهرة برزت في بداية القرن العشرين، اسمها فؤاد الخوري، الأرثوذكسي المولود في حدث بيروت سنة ١٨٨٩، ووالد الوزير السابق عصام الخوري في عهد الرئيس أمين الجميل، وهو الدستوري العريق الذي كان نائباً عن منطقة لا مكان فيها للنواب الأرثوذكس.

غاب النقيب فؤاد الخوري في ٢٥ آذار ١٩٨٩، عن مائة عام، وأقيم له نصب في بهو جامعة اللويزة الي جانب نصب سعيد عقل وجبران خليل جبران ومخايل نعيمه وسواهم، تقديراً لدوره الفذ في مجالات الأدب والفكر والقانون.

عندما أصدر كتابه النيابة في لبنان من العام ١٨٦٠ الى العام ١٩٧٧، كتب مقدمته الأديب الكبير ادوار حنين، وكان الكتلوي الأول الذي يصف الدستوري الأول بأنه أستاذه ومعلمه.

ويقول ادوار حنين: ان فؤاد الخوري هو معلمي وأستاذي، وأنا تتلمذت على يديه، وأخذت عنه الكثير، وعندما أقرأ للنقيب والوزير وأستمع اليه في الشرع والقانون تستيقظ في خاطري حكايات وأساطير على لسان ولا أطيب من عقل وقلب وذاكرة، لا اخلص ولا أصفى.

ان خطب فؤاد الخوري ومقالاته ومرافعاته ولوائحه تستحق ان تنشر في مجلدات بل من حقنا عليه، ومن حقه علينا، ان تنشر، أذكر له من الخطب والمرافعات خطبا ومرافعات خالدات، من اللوائح دراسات نيّرات. انني لم آخذ من مدرستي وقراءاتي المتمادية في مجموعات الشرع والاجتهاد قدر ما أخذت من لوائح فواد الخوري التي كان يدبجها، بيده، في الليالي الطوال. هذه الخطب، هذه المرافعات، هذه اللوائح على عصام فؤاد الخوري ان يهتم بجمعها، تكملة ل من الزوايا، ان أرجأ ذلك، أو تهرب منه، يكون قد أخلف ما وعدتنا به مناقبيته وانتماؤه بالبنوة والتتلمذ الى والده العظيم.

ويتابع ادوار حنين:

لقد خطر في بال طبيب صديق أقدر وأحب وأحترم، ان يسمعني، في عيادته، تسجيلات لمعلمه في علاج القلب وهو ذروة في الشهرة العالمية، هذه التسجيلات، في مجملها، لاستشارات طبية ولما يتبادل فيها الطبيب ومريضه من سؤال وجواب يتعلقان في موضوع الداء. لهذه التسجيلات اشتراك يدفعه تلاميذ هذا الطبيب لكي تصلهم، بدل المجلة، الى مختلف أنحاء العالم. سمعت وأعجبت. ولكني لم أسمع أطرف ما كنت أسمع من فؤاد الخوري يسائل زبائنه في مكتبه الحميم، في خان فخري بك، ولا أعمق، ولا أدلّ على انسانية ومحبة وحدب. ليت التسجيل كان أمراً دارجا في ذلك الحين. غير ان هذه الأحاديث والاستنطاقات كانت تتجسد، جميعها، في لوائح ومرافعات. هذه اللوائح، وأسانيدها، هذه المرافعات هي التي نرغب ان يعمل على نشرها نجله عصام، فلماذا لا يجيز لأنفسنا، التمتّع بها.

معلمي فؤاد الخوري، في ما دبجت يراعته في الزمن الأخير، كاد يشفيني من غصة مزمنة. بل وفّر عنّي معاودة غصة قديمة. كنت تمنيت على كثيرين من كبار الأصدقاء ألاّ ينصرفوا ويلهوا عن تدوين مذكراتهم، وخصصت منهم بالإلحاح المغفور له جورج حيمري وطويل العمر ناظم عكاري، فاذا معظمهم يعود الى ربّه لاهياً عما كان قد عقد العزم عليه، فخسرت مكتبتنا طرائف وأجيالنا الطالعة خبرة لا تعوّض. فؤاد الخوري في سوائح خمسين، ومن الزوايا، والنيابة في لبنان وضع على ورق بعض مذكراته. ليته نفذ ما كان عزم عليه فدوّنها جميعاً.

كانت كتب السير والمذكرات من أفضل ما قرأت، ولقد قرأت منها الكثير من حدّ مذكرات ما وراء القبر لشاتوبريان الى مذكرات صديقي يوسف سالم، مرورا بمذكرات كليمنصو وتشرشل وديغول من أهل السياسة، وبمذكرات الأخوين غونكور وأندريه جيد وفرنسوا مورياك من الأدباء. وقرأت في ما قرأت مذكرات لمغمورين اعتبروا ان في جعبتهم مفيدا يستطيعون ان يقدموه للناس. من المذكرات الفذة مذكرات رئيس محكمة استئناف في فرنسا، قدّم لها بأنه وضعها، خصيصا، ليستفيد منها ابن صديق له يتعلم الحقوق، وقد يصبح قاضيا. هذه المذكرات بما درج عليه صاحبها من الصدق والبساطة وحب النفع لم أقرأ أحلى منها، ولا أروع. لقد كان في نيتي ان أنقل الى العربية هذا الكتاب ولكنه أحرق مع ما أحرق على لهيب الهمجية فامتنع عليّ ذلك. خاصة انه كتاب من الأرجح ان لا يكون قد أعيد طبعه، وقد نسيت اسمه واسم واضعه وناشره.

على ان معلمي فؤاد الخوري، وقد منّ عليه الله بالعمر الطويل، والخبرة الواسعة، والمواهب الجمّة، ان يوجه لأولادنا، من جعبته التي لا تنضب واختباره الذي لا يجارى وبأسلوبه الذي في مثل بساطته وصحته وصفائه يتبارى المؤلفون، كتابا يتبوّأ صدر مكتباتنا، ويكون في الجليل الأجل من المؤلفات التي تتداولها أيدي أبنائنا.

يرى المفكر محمد أنيس الرحال، خلال تاريخ لبنان الحديث، ان دولاً عديدة عملت على التقدم، والتحقت بركب العلم والتنمية مثل اليابان والمانيا، على الرغم من الدمار الذي حلّ بها في الحرب العالمية الثانية، وكذلك الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وماليزيا وأوستراليا. وقال ان أغلب هذه الدول لا تمتلك مواد أولية. والمستهجن ان العالم العربي وحده بقي خارج تلك النهضة العلمية والصناعية. وما تراه اليوم في دول الخليج هو بنى تحتية حديثة، وأبراج شاهقة وقصور فخمة وفنادق كبرى ومراكز تسوّق ضخمة.

ويتابع: ان حضارات العالم، على رغم من مرور قرن وأكثر على قيام الدولة المدنية في عالمنا العربي فان الحداثة ظلّت قاصرة عن مجاراة التطور العالمي. والأدهى ان هذه القوى المتوحشة، الجاهلة والظلامية تريد ان تعيدنا الى ١٤٣٥ سنة الى الوراء، بحجة العودة الى الأصول، وتبشر بعودة الخلافة الى هذا العصر، تعبيراً عن فكرة رومانسية أو عن عاطفة دينية، وكأن التاريخ توقف منذ عهد الخلافة، وتفرز قوة جاهلة بالدين، مثال ذلك ما يحصل في سوريا والعراق ومصر وتونس واليمن والصومال ونيجيريا.

ويخلص محمد انيس رحال الى التساؤل: الام ستبقى بعض الشعوب تصدق هذه القوى الجاهلة التي تفسر الدين وفقاً لمنظورها الثقافي المتخلف، وتتجاهل مفاهيم العلمانية منذ عهود ارسطو وسقراط، وكذلك فلاسفة القرن السابع عشر وعلمائه.

ويرى ان العلمانية هي تعبير عن هجرة خرافات المجتمع واعمال العقل والاعتماد على العلم، وابعاد الدين عن السياسة والحكم.

ويقول انه من غير المنطقي ان نصدق ان معظم الدول التي التحقت بالحداثة كانت كلها كافرة مثل تركيا، وهي دولة علمانية.

ويخلص الى القول: لنتعلم من اليابان التي اخذت من كل ما لدى الغرب من علم وحداثة وتكنولوجيا، وحافظت على عاداتها وتقاليدها التي تعتز بها عبر التاريخ. ومتى تحررت هذه الامة من موروثها الثقافي المختلف.

ان رجب الطيب اردوغان تسلق سلم الرئاسة الأولى في تركيا من موقع حزبي ديني لكنه لم يستطع ان ينكر انتساب تركيا المزمن الى علمانية كمال اتاتورك مؤسس البلاد الحديثة.

كان الجنرال ديغول يدرك، عندما دعته الأمة الفرنسية الى الخروج من عزلته، والعودة الى قيادة فرنسا الى الامجاد التي تسلقتها في بداية القرن الماضي. الا انه كان يدرك ان الشعب الفرنسي يمحضه القيادة، في حين يحجبها عنه البرلمان، ادراكاً منه ان الاحزاب اليسارية واليمينية تكن له العداء. صارح الجنرال ديغول صديقه الرئيس جورج بومبيدو انه يريد اللجوء الى الاستفتاءات الشعبية لا الى الانتخابات النيابية، لأن الشيوعيين والاشتراكيين يناصبونه العداء، ولأن اليمين الفرنسي ممثلاً بالجنرالات يعارضون توجهه الى اعتبار الجزائر جزائرية لا فرنسية.

وهكذا كان ينتصر بالاستفتاءات ويتردد في سبر اغوار الانتخابات، ويقول الكاتب سمير عطاالله ان الجنرال ديغول دعا الى استفتاء مباشر على دستور جديد، من اجل انقاذ فرنسا من اهواء جنرالاتها، وعمى اليمين المتمسك بالاستعمار. في اوج تلك الازمة اتهم محامي فيليب بيتان خضمه العنيد الرئيس ديغول بأنه يفرّط باراضي فرنسا كما لو كانت حديقته في كولومبي، ويقصد بها طبعاً، التفريط بارض الجزائر. يومئذ، وقف اليسار ضد الجنرال ديغول، وقال الفيلسوف جان بول سارتر في مقال من حلقتين في مجلة الاكسبرس: لست اؤمن بالله، لكنني سأقترع الى جانبه، لأنه اكثر تواضعاً من ديغول.

وعقبت جريدة الموند الفرنسية، ان الجمهورية الرابعة ماتت لشدة ما كان يشوبها من اخطاء السياسيين، ولا بد من جمهورية جديدة.

ليس لأن الحكومة اصبحت صعبة، بل لأن الحكم اصبح مستحيلا.. ويتابع سمير عطاالله: لطالما عقدنا المقارنات، بكل تواضع، بيننا وبين فرنسا. وإذا كان المعيار هو الشلل السياسي فإننا، على ما يقال، جمهورية رابعة: فوضى تامة وشلل عام. في 25 أيار 1958 كتبت صحيفة باري برس: باختصار كلّي، المسألة واضحة الآن: البرلمان يثق بالمسيو فلملان الذي يثق بالجنرال سالان الذي يثق بالجنرال ديغول الذي لا يثق بالبرلمان، لكنه ينتظر منه أن يصوّت على الثقة به. لشدة تفاهة السياسات، قالت باري برس إن التراجيديا تحوّلت إلى مسخرة، farce – مهزلة.

ثمة شبَه فاقع آخر مع الجمهورية الرابعة كاد يفوتنا: يومها، لم تعد باريس هي عاصمة فرنسا السياسية، بل أصبحت في الجزائر المتحاربة، وفي واشنطن وموسكو المتفرجتين على الانهيار. وهل بيروت هي عاصمة لبنان السياسية اليوم؟ أرجو أن تتقبّلوا مني هذا: عندما لا يعود هناك وطن من المستحيل أن تبقى هناك عاصمة وطنية. في الفوضى العارمة تتوزّع قرارات المصير وصورة الوطن، فيصبح القدَر فاصلاً في عرسال أو في القصير، وتنتقل الحدود الفاصلة إلى الداخل، ويحاول الفقر أن يبرّر الجريمة، وتتهالك المُثل والنُظم، ويتحوّل الشأن الوطني والانتماء القومي إلى علْك سياسي مُبالغ فيه بحيث يتجاوز حتى المقاييس المألوفة آنفاً.

لسنا وحدنا جمهورية رابعة عائمة في الفراغ. وضَع باراك أوباما الغرب برمّته في هذا الموضع. ولو لم تكن الفراو ميركل الرجل الوحيد لاستحال أن تلمح على الخريطة مرجعية ذات أثر أو معنى تاريخي. لقد رمى جورج بوش العالم في فوضى الاحتلال ورماه باراك أوباما في فوضى التراجع. كان منظِّر الحروب كلاوزفيتز يقول إن أول بند في خطة القتال هو رسم طريقة الانسحاب. لا يجوز أن تترك جنودك وضباطك للهلاك وتمضي مخلّفاً الخسائر والموت.

الفراغ دعوة إلى الجميع. داعش لم تتقدّم في غياب الجيوش العربية فحسب، بل في انهماك باراك أوباما في البحث عن منزل للتقاعد، وناشر للمذكرات. وسوف يحدثنا ربما عن نجاح أميركا في العلاقة مع كرزاي والمالكي والجلبي. أو سوف يصف ربما مشاعر أميركا وهي ترى سيّافاً واقفاً خلف مراسل أميركي. ربما لاحظتم في الصورة أن المراسل كان أكثر شجاعة من السيّاف، وأكثر كرامة بشرية. تلك صورة ليست ل داعش في ذروة العروض عن فكرها، بل للغرب في قعر انسحاقه المادي. أقامت هولندا جنازة جماعية لضحايا الطائرة الماليزية في أوكرانيا، من دون مذكَّرة احتجاج. لأن البلاد الواطئة هي أكبر شركاء الاقتصاد الروسي بعد قبرص. ولأن السيد أوباما لا يفكر في أكثر من سحب دفتر العقوبات من جيبه كلما رأى أمامه شعوباً تموت ودولاً تنهار.

هذه هي حرب العراق الثالثة. الأولى خاضها جورج بوش الأب لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. والثانية خاضها بوش الابن لتدمير ما

بقي من البنية العربية، والثالثة تخوضها داعش لكي تدمّر آخر صورة للعرب.