عندما يشكو الجمهور من تحوّل «الصقور» إلى حمائم
الحريريون يواجهون زحف التطرف
يواجه «تيار المستقبل» تحديات على أكثر من جبهة، جميعها مشتعلة وحارقة.
في لبنان ـ الطوائف، يحمل «المستقبل» راية تمثيل الاعتدال السني. وكان حتى الأمس القريب، يمكنه الادعاء، من دون مبالغة، أنه يمثل غالبية السنة في لبنان. حاول أن يوازن، ولو بمشقّة، بين ليبيراليته وتدينه، تياراً وافراداً. لم تأت الظروف الداخلية والإقليمية وحتى الدولية لتصب في صالح «التيار»، الذي لا يكاد يتلمس طريقا الا وتقطعها عليه تداعيات احداث كبرى. تدور المعركة الاساسية لـ«المستقبل» داخل بيئته وفي اوساط مناصريه. تتضافر العوامل لتصعّب على «التيار الازرق» مهامه. يبقى اكثرها تحديا تصاعد الاصوليات في المنطقة وانعكاسها على لبنان وعلى البيئة الحاضنة لـ«المستقبل» نفسه. على ضوء هذه المعطيات يمكن قراءة انزعاج مسؤولين في «التيار» من تغريدات احمد الاسير واتهاماته الاخيرة ومساواته بين «حركة امل» و«حزب الله» وبين «المستقبل» .
وعلى الضوء نفسه، يمكن ملاحظة الشكوى، وحتى الامتعاض، في اوساط «التيار» من سلوك وزيرين يفترض انهما من «الصقور»، اي نهاد المشنوق واشرف ريفي.
حاول الرجلان ممارسة دوريهما كوزيرين على مسافة شبه متقاربة من كل الاطراف. فالمنصب الوزاري له ضرورات «مهنية» لا تتطابق دائما مع الموقف السياسي او الحزبي. للانصاف، لم يتجاوز الرجلان الضرورات الى المحظورات، حتى في المفاهيم الجماهيرية. لكن الحساسيات العالية والبيئة السنية المشدودة العصب، باتت تضخم اي تفصيل وتحمّله ابعادا لا يحملها. تنظر الى السياسة من منطلق تصفية الحسابات ومنطق الغلبة، وهذا يزيد من تعقيد الامور.
يعرف اهل «المستقبل» واقع الساحة السنية جيدا. يجيدون تشخيص التحديات ومكامن الخلل. يعددون المخاوف ويفصّلون تداعياتها. غير ان مسؤولا في «التيار» يعتبر ان «معالجة هواجس السنة وتيار المستقبل لا تكون فئوية. فالحل يكون لبنانيا شاملا يعيد الى الدولة هيبتها وسلطتها على جميع الاطراف او فاننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة. لا حل سنياً او شيعياً او مارونياً او درزياً في لبنان. اما حل يُطمئن الجميع ويضعهم تحت سقف الدولة والقوانين واما على لبنان السلام». لا ينفي المسؤول العبء الكبير الذي يعيشه تيار المستقبل والجبهات المتعددة التي يحارب عليها. يقول «نحن نعيش بين مطرقة االتطرف السني المتصاعد وسندان حزب الله. الثاني يغذي الاول ويستدرجه. ومع موجة التشدد التي تجتاح المنطقة، والتي لا تبدو ايران وطموحاتها بعيدة عنها ابدا، فان لغة تحكيم العقل والمنطق، وخطاب الانفتاح وقبول الآخر يبدو وكانهما ينتميان الى زمن آخر. لعبت ايران على الاوتار الطائفية في المنطقة عبر تدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان، وقام الحزب بالتحريض والشحن والاستفزاز في الداخل اللبناني. فخطاب الاستقواء المستدام، واستخدام القوة والتلميح دائما باستخدامها في الداخل، معطوفا على محاولات التعالي على اللبنانيين، والمشاركة في القتال في سوريا، صعّب واقع الشارع السني».
كلام المسؤول في «تيار المستقبل» يتقاطع مع مواقف احد نوابه. يقول النائب «إن السنة في لبنان اهل اعتدال وانفتاح. ساهمت في ذلك اسباب تاريخية وحتى جغرافية. لكننا لا يمكن ان نختبئ وراء اصبعنا لنقول إن الواقع اليوم مطابق لما كان عليه من سنين خلت. الناس تتغير وتساهم في ذلك مجموعة عوامل في السياسة والاقتصاد والاجتماع. في السياسة، يتحمل حزب الله ومعه بشار الاسد المسؤولية الكبرى في الاحتقان السني الذي تفجر يوم استشهاد الرئيس رفيق الحريري. وعوض ان يقف الحزب مع ناسه واهله، اختار الانحياز الى النظام السوري. منذ ذلك اليوم والحزب يراكم الاخطاء. وليس منطقيا في شيء ان يشعر السنة انهم في لبنان والمنطقة اقلية مستهدفة. هذا يتعارض مع الوقائع والارقام والمنطق، لكنه حقيقة يمكن سماعها من كثيرين. يضاف الى المعطيات السياسية واقع اقتصادي عام يزداد تراجعا في ظل الازمات المتلاحقة. ولا يمكننا ان نسقط من حساباتنا ان المناطق السنية هي الاكثر استضافة للنازحين السوريين. وان هؤلاء يتقاسمون مع اخوانهم ابسط مقومات الحياة في مناطق فقيرة ومتعبة ومهمشة اصلا، وفي ظروف تفتقر الى الحد الادنى من المعايير الانسانية. وبعد ذلك يطلب منا ان نخاطب العقول وندين منطق الاستقواء والغلبة وندعو الى حياد لبنان وعدم التدخل خصوصا في الشؤون السورية». يضيف النائب «ليت الامور كانت بهذه البساطة. يأس الناس وخوفهم واحساسهم المتعاظم بالعجز والضعف يدفعهم الى خيارات متطرفة على كل الاصعدة. هذا، مع الاسف، ما يُدفع اليه السنة في لبنان. وهذا ما يحاول تيار المستقبل مواجهته. لكن لا يمكن لاحد ان يضمن عدم نشوء ظواهر أسيرية جديدة، وربما أخرى اكثر تطرفا اذا ما استمرت الاوضاع على حالها».