15 مليوناً لعرسال «الوفيّة» وجنبلاط يحذر من «امتحانات أخرى».. والمسلحون خارج «التغطية»
الحريري لبري: حذارٍ الوقوع في «سيناريو العراق»
مع تحوّل «بيت الوسط» إلى ما يشبه «خلية نحل» سياسية، عسكرية، أمنية، ديبلوماسية واجتماعية تتقاطع فيها القيادات والشخصيات والوفود عند الاستبشار بعودة الرئيس سعد الحريري وانعكاساتها الإيجابية على البلد، برز على الضفة المقابلة أمس تغريد «حزب الله» خارج سرب المتفائلين بعودة الحريري فأبدى اعتقاده في أول تعليق رسمي له على هذه العودة بأنها «لن تسرّع انتخابات رئاسة الجمهورية»، مشدداً على لسان نائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم أنّ هذا الاستحقاق سيبقى «مؤجلاً» ما لم يحصل «اتفاق مع مرشحنا المعروف» في إشارة ضمنية إلى رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. في حين نقلت أوساط الرئيس الحريري لـ«المستقبل» ارتياحه للاجتماع الذي عقده أمس الأول مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، موضحةً أنّ البحث تناول جملة مواضيع وسط التأكيد على تقدم «أولوية الانتخابات الرئاسية» والتحذير في المقابل من مغبة «وقوع لبنان في سيناريو العراق، أي الفراغ الكامل».
أوساط الحريري أوضحت أنه أطلع بري على هبة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بقيمة مليار دولار لدعم الجيش والقوى الأمنية الشرعية وتطرق معه إلى تفاصيل هذه الهبة والآلية المنوي اتباعها لوضعها موضع التنفيذ العملي، كما ناقش معه ملف سلسلة الرتب والرواتب، وإمكانية تحريك ملف انتخابات رئاسة الجمهورية بحيث جرى التأكيد على «أولوية هذه الانتخابات، وأنه من الصعوبة بمكان إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية لأنّ من محاذير ذلك مع استمرار تعطيل موقع الرئاسة الأولى وقوع لبنان في سيناريو العراق، أي في الفراغ الكامل».
عرسال
وأمس، برزت لفتة «وفاء» من الحريري لعرسال «الوفية لمسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري» والتي استطاع أهلها «فضح وإجهاض المخطط الخبيث» الذي حيك ضدها وضد الوطن، معلناً أمام وفد فعاليات وأهالي ومخاتير البلدة برئاسة رئيس البلدية علي الحجيري التبرع بمبلغ 15 مليون دولار لبناء مدارسها ومستشفياتها وما تحتاجه من مشاريع ضرورية. وغداة هذا الإعلان، يزور وفد نيابي من كتلة «المستقبل» عرسال اليوم للاطلاع عن كثب على أوضاع البلدة واحتياجات أهلها، وأوضح النائب زياد القادري أنّ الوفد يضم إليه كلاً من النواب عاصم عراجي، جمال الجراح وأمين وهبي، وقال لـ«المستقبل»: «من الطبيعي بعد الأحداث التي شهدتها بلدة عرسال أن نزور البلدة، بتوجيهات من الرئيس الحريري، للثناء على صمود أهلها ووطنيتهم ووحدة موقفهم في دعم الدولة ومؤسساتها الشرعية كافة وفي طليعتها الجيش والقوى الأمنية»، مضيفاً: «هذه الزيارة تهدف إلى توجيه التحية لأرواح الشهداء من الجيش وقوى الأمن والمدنيين، حاملين معنا رسالة اعتدال ونبذ للعنف والتطرف والإرهاب وهي بمثابة قناعات راسخة لدى أهالي عرسال وفق ما أثبتت الأحداث الأخيرة».
القادري لفت الى أنه «بعدما تجاوزت عرسال ولبنان قطوعاً كبيراً كان يهدد سيادة لبنان واستقراره وأمنه وعيشه المشترك، وتمكنت بالتالي من المحافظة على السلم الأهلي في البلد، باشر وفد كتلة «المستقبل» سلسلة تحركات شملت أمس عقد لقاء مع رئيس الحكومة تمام سلام تمت خلاله المطالبة بأن تكون هذه المحنة فرصة لأن تحتضن الدولة فعلاً عرسال أمنياً وحياتياً وخدماتياً»، مشيراً إلى أنّ تحرك وفد الكتلة أتى بموجب «توجيهات واضحة من الرئيس الحريري لناحية وجوب الوقوف عند حاجات البلدة والاستماع لمطالب أهلها والاطلاع على أرض الواقع على حجم الأضرار والاحتياجات الأساسية في البلدة، لا سيما بعد إعلانه التبرع بـ15 مليون دولار لعرسال خلال استقباله وفد فعالياتها وأهاليها».
وكان الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير قد جال أمس بتكليف من الرئيس سلام في مهنية عرسال يرافقه محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر ورئيس فرع مخابرات الجيش في البقاع الشمالي المقدم ملحم حدشيتي ومسؤولون عسكريون وأمنيون، كما التقى الوفد في منزل رئيس البلدية وفداً من الأهالي المتضررين جراء الأحداث الأخيرة. ولفت خير إلى أنه زار البلدة في «مهمة إنسانية لمباشرة مسح الأضرار ودفع التعويضات في أسرع ما يمكن»، مؤكداً بدء اللجنة المختصة عمليات المسح خلال 48 ساعة والمباشرة بدفع بدلات إيواء لمدة شهرين للمنازل غير الصالحة للسكن، وأوضح أنّ هذه اللجنة ستتكوّن من ممثلين عن رئاسة الحكومة والجيش والهيئة العليا للإغاثة، مشدداً في الوقت عينه على أنّ «المساعدات ستصل في أسرع وقت وخصوصاً هبة الرئيس الحريري».
أما في ما يتصل بالمساعي الجارية لضمان إطلاق العسكريين المفقودين إبان الاعتداءات المسلحة على عرسال، فقد أوضحت مصادر مواكبة لـ«المستقبل» أنّ «الاتصالات خلال اليومين الماضيين كانت مقطوعة بين هيئة علماء المسلمين والمجموعات المسلحة بعدما أصبح عناصرها خارج نطاق تغطية شبكة الاتصالات اللبنانية»، كاشفةً في ضوء ذلك أنّ «أحد أعضاء الهيئة تقدم أمس إلى مشارف جرود عرسال حيث التقى عدداً من المسلحين وطلب منهم إبلاغ مسؤوليهم ضرورة التواصل هاتفياً مع الهيئة لمتابعة ملف العسكريين المفقودين».
وبينما تترقب هيئة العلماء جواباً من المجموعات المسلحة، أفادت المعلومات المتوافرة في هذا السياق أنّ هذه المجموعات تشترط في مقابل تسليم العسكريين المحتجزين لديها تقديم ضمانة رسمية لأمن النازحين السوريين المدنيين في مخيمات عرسال.
جنبلاط
وبالعودة إلى نشاط الحريري السياسي، فقد إستقبل مساء أمس في «بيت الوسط» رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط على رأس وفد وزاري ونيابي وحزبي، وبعد اللقاء الموسّع عقد جنبلاط خلوة مع الحريري دامت ربع ساعة خرج في نهايتها ليشدد على أنّ «وجود الشيخ سعد معنا في لبنان يشكل عاملاً أساسياً لحل مشاكل كبيرة وللتأكيد على الخط الذي بناه والده الشهيد رفيق الحريري وأرساه وثبّته سعد الحريري، وهو الإسلام الاعتدالي الوطني اللبناني العربي».
وإذ نبه إلى أنه «بعد امتحان عرسال قد تأتي علينا امتحانات أخرى»، شدد جنبلاط على عدم جواز بقاء لبنان من دون رئيس للجمهورية، وقال: «بجهود الرئيس الحريري وجهود غيره من الخيّرين، ولا سيما المملكة العربية السعودية، أعتقد أنه حتى اللحظة تبقى هناك مظلة تحمي لبنان»، مع مطالبته «أصحاب الشأن» محلياً بالمساعدة في «تثبيت تلك المظلة».
ورداً على أسئلة الصحافيين، حذر جنبلاط من أنّ «الفراغ في مجلس النواب يضرب كل مؤسسات الدولة ويُذهب البلد إلى حالة شبيهة بالحالة العراقية»، مؤكداً في المقابل الاستمرار في ترشيح النائب هنري حلو لرئاسة الجمهورية لأنّ التخلي عنه «يُفقد وليد جنبلاط و«اللقاء الديمقراطي» أي مصداقية تجاه الخط القائم على الوسطية».
شخصيات ووفود
وكان الحريري قد التقى أمس عدداً من الشخصيات والوفود من مختلف المناطق، لا سيما من وادي خالد التي وعد الحريري أهلها بالعمل مع الجيش والقوى الأمنية لحمايتهم وتثبيت أمنهم واستقرارهم بالتوازي مع تلبية احتياجات بلدتهم، لافتاً الانتباه إلى أنّ ما تتعرض له هذه المنطقة من اعتداءات يقوم بها النظام السوري، وما تعرضت له عرسال، يأتي في إطار «استهداف المناطق التي وقفت وقفة تاريخية في أعقاب استشهاد الرئيس رفيق الحريري ولاحتضانها الأهالي الهاربين من سوريا».
الحريري التقى كذلك أمس مطران بيروت للموارنة بولس مطر الذي وصف عودة الحريري بـ»الهدية» التي أمل أن تشكّل «فرصة لكي يعود الحوار إلى قواعده وأساسه للوصول إلى النتائج المرجوة». أما على المستوى الديبلوماسي، فاستقبل الحريري رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان السفيرة أنجلينا أيخهورست التي أعربت أمامه عن «التزام الاتحاد الثابت بالوقوف إلى جانب لبنان وشعبه في هذه الأوقات المليئة بالتحديات»، والسفير البريطاني توم فليتشر الذي أبدى ترحيب بلاده بعودة الحريري إلى لبنان «في هذه اللحطة الصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة»، فضلاً عن استعراضه الأوضاع العامة والعلاقات الثنائية مع السفير القطري علي بن حمد المري.