Site icon IMLebanon

الحريري وعون: ما بعد شطح غير ما قبله

 

 

العلاقة بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون لا تزال محور الحركة السياسية التي تستطلع ما ستؤول اليه نهايتها وما هي آفاقها

 

لعل افضل عبارة يمكن ان تصف الحالة التي وصلت اليها علاقة الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون هي تلك التي قالها الرئيس فؤاد السنيورة في تشييع الوزير محمد شطح، في كانون الاول عام 2013، بأن «ما قبل الاغتيال لن يكون كما بعده».
في ادبيات تيار المستقبل منذ عام 2005، وتحديداً منذ ورقة التفاهم التي وقعها عون مع حزب الله عام 2006، وحتى اسابيع قليلة مضت، مطوّلات عن «ارتكابات» عون الذي لم تبقَ صفة لم تلصقها به مطالعات سياسيي المستقبل وإعلامييه.

خوّن التيار الأزرق كل من كان يلتقي برئيس تكتل التغيير والاصلاح، ولو صدفة، وفتح النار لاشهر على القوات اللبنانية لانها التقت مع التيار الوطني الحر على مشروع اللقاء الارثوذكسي.
في المقابل، لم يوفّر عون، والحلقات القريبة منه، الحريري ولا تياره ولا السعودية من سهامه وهجومه. انغمس العونيون حتى العظم في استهداف «مثلث المستقبل والسعودية والاصوليين»، ولم يشذ نائب او وزير عوني عن التصويب على مشروع الحريري الاب، وعلى الابن «سعد الدين الحريري»، ومَن خلفهما من المحيط الى الخليج.
في ذاكرة الطرفين تفاصيل وأسرار وأخبار كثيرة يحاولان ان يطوياها، لصالح تسوية لا تزال غير ناضجة في نظر مجموعة من السياسيين الذين لم ينسوا للطرفين ما فعلاه ببعضهما… وبلبنان. وهي تسوية لا تزال، على ما يظهر منها، قائمة على مبدأ المقايضات والصفقات التي تتبلور خطوطها العريضة تباعاً.
في 14 آذار وخارجها، كلام لا يصدر علناً. هناك من يذكّر الحريري كيف نام في قصر الرئيس بشار الاسد وتناول معه الفطور بعدما اتهمه بقتل والده. وكيف وقف امام محكمة لاهاي يوم انطلاق اعمال المحكمة الدولية ليعلن مشاركته في الحكومة الى جانب حزب الله وتكتل التغيير والاصلاح بعد ممانعة اشهر طويلة. لكن باب التسويات الاقليمية، والمطالب السعودية بتسهيل «السين ــــ السين» يوماً، وتسهيل الترتيب السعودي ــــ الايراني يوما آخر، يختلف بانعكاسه وضروراته السنية ــــ الشيعية واللبنانية عموما، عن المسار الجاري حاليا في تسوية العلاقة مع عون الى الحد الذي يخفي في طياته اكثر مما هو تذاك حريري في استجلاب عون الى الصف الحريري.
في 14 آذار والمستقبل من لا يزال غير قادر على فهم او تبرير ماذا يفعل الحريري، ولا ماذا يفعل نادر الحريري مع عون والوزير جبران باسيل. هل هي تسوية عقود النفط وتوزيعه قبل حفر الابار (وفي هذا المجال تفاصيل كثيرة يعرفها المطلعون على الملف النفطي)، ام هو نوع من ترتيب اوضاع الجيل الجديد من الطرفين، ام انها مجرد مناورات محلية لتمرير الوقت الضائع.
حتى الآن، ما ظهر من التسوية السياسية هو ان المستقبل يأخذ من عون ولا يعطيه. هذا على الاقل ما بدا واضحاً في ملف التعيينات التي تمت، والاتية على الطريق، ان في توزيعات المحافظين، ام في التعيينات التي صدرت امس في وزارة الداخلية وتراعي شكلاً المسيحيين، وفي تسويات اخرى في طريقها الى التنفيذ.
يقضم المستقبل في التعيينات ويوزع حصصاً ويرتب اموره وأوضاعه حتى يفرض على العهد الجديد طاقماً من الصفين الاول والثاني من الموظفين، فيما يسكت الفريق المسيحي الذي يعتبر نفسه «الاقوى» في الحكومة من اجل الا تتلطخ مسيرة المصالحة الحريرية ــــ العونية. صمت لا يشبه بشيء الضجة التي رفعت في موضوع تثبيت المياومين والمطالبة باستعادة حقوق المسيحيين في الادارة.
فجأة، لم تعد للمسيحيين حقوق يطالبون بها في الدولة والادارات، لان الحريري استذوق الشراب البرتقالي، ولان نادر الحريري يوسع اطار لقاءاته العونية، ولان النفط هو اولا وآخر الطبق الرئيسي على مائدة اللقاءات.
في دوائر قوى 14 آذار والمستقبل، اسئلة عن رأي السنيورة في ما يجري، وعن مواقف نواب ووزراء سابقين وحاليين وقياديين في المستقبل، يقولون في مجالسهم الخاصة ما لا يمكن كتابته، ولا يزالون يتطلعون الى كل موقف عوني على انه صادر عن مجلس الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. عين بعض هؤلاء على الانتخابات النيابية المقبلة وقاعدتهم الشعبية التي لا تزال تنظر الى عون على انه «الذي غطى مشاركة حزب الله ونشاطه في سوريا وفي 7 ايار»، وسؤالهم: «كيف نقنع جمهورنا بأن عون اصبح حليفاً؟».

لو ترك الامر
للحريري وابن
عمته لكان الاتفاق على عون رئيسا قد اصبح منجزاً

في الدوائر المذكورة، ثمة اقتناع بأنه لو ترك الامر للحريري وابن عمته، لكان الاتفاق على الاتيان بعون رئيسا قد اصبح منجزاً. لكن ثمة دوائر سعودية اصبحت فاعلة عند التغييرات الاخيرة في الرياض، تقول لمن يراجعها انها لم تنس بعد رفع العونيين صورة الملك عبدالله على «ورق اللعب». ورغم ذلك، يقول وزير ونائب مستقبلي في الساعات الاخيرة: «بعد 25 ايار كل شيء معقول بين المستقبل وعون بما في ذلك الاتيان بعون رئيساً».
تبدي شخصيات في قوى 14 آذار شكوكها في كل مسار التسوية العونية ــــ الحريرية. تارة يلومون الحريري وتارة يرمون المشكلة على عون الذي يقدم تنازلات تلو اخرى من اجل العودة الى قصر بعبدا رئيسا للجمهورية لا رئيس حكومة.

عن المقاطعة وبطلانها

يسجل لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، حين أيّد المشروع الارثوذكسي السيئ بكل المواصفات الوطنية، انه اختلف مع حليفه الحريري لأنه رأى ان هناك مصلحة للمسيحيين فيه. خلاف لا يزال، على ما يبدو، يدفع ثمنه حتى الآن. في المقابل، ظل عون على حلفه مع حزب الله، رغم انه لم يقبض يوماً ما يستحق من فاتورة وقوفه الى جانبه. فهو لم يعط، بحسب عونيين، تعيين موظف واحد، ومعركة تعيين القضاة ورئيس مجلس القضاء الاعلى لا تزال ماثلة في الاذهان. قد يكون الحزب وفى دينه مسبقا لعون حين اعطى اصواته لنواب عون، في جبيل وكسروان وبعبدا وجزين، فصارت لعون كتلة مسيحية يريد بوصفه ممثلاً لها ان يكون رئيسا للجمهورية. مع العلم ان العودة الى آخر انتخابات نيابية جرت عام 2009، تظهر ان نسبة التصويت لتحالف التيار الوطني وتكتل الاصلاح والطاشناق والمردة والحزب السوري القومي الاجتماعي تراجعت بعد عام 2005 عند المسيحيين من 62.55 في المئة الى 49.25 في المئة، وعند الموارنة من 59.89 الى 48.32 في المئة (في اقضية زغرتا ـــ الزاوية والكورة والبترون وجبيل وكسروان والمتن الشمالي وبعبدا وزحلة). فيما نال المسيحيون خارج هذا التحالف نسبة 48 في المئة ايضاً.
اليوم امام عون معركة رئاسة الجمهورية، التي على اساسها يخوض تحالفاً مع المستقبل، تمحى فيه كل خطايا الماضي القريب بينهما، وتغفر ذنوب الطرفين. وامام عون، مع اقتراب الشغور الرئاسي، حلول قليلة، اولها مقاطعة الحكومة وجلساتها ومن ثم مقاطعة الجلسات التشريعية للضغط على السلطتين التنفيذية (السنية) والتشريعية (الشيعية) لانتخاب رئيس للجمهورية، او بالاحرى انتخابه. لكن هل يريد العونيون فعلا المقاطعة التي بحثت في شكل جدي في اوساطهم من بين جملة مقترحات؟
قبل عشرين يوما من انتهاء ولاية المجلس النيابي عام 2013، كان امام عون خيار الاستقالة ونوابه من المجلس النيابي اعتراضاً على التمديد للمجلس، والدفع نحو اجراء انتخابات نيابية. لم يقم بهذه الخطوة، وأحال التمديد على المجلس الدستوري. كان يتطلع الى الامام والى موعد 25 أيار عام 2014 حيث يمكن للنواب الممدد لهم انتخابه. اليوم تواجهه مشكلة من نوع آخر، تكمن في ان مقاطعته ستلغي وجوده حكومياً في مدة زمنية قد تطول أو تقصر بحسب الضغط الدولي والاقليمي لاجراء الانتخابات. ناهيك عن ان هناك ترتيبات عملانية تفصيلية يقوم بها الوزيران العونيان في وزارتهما تلغي امكانية القيام بذلك. فهل يمكن لباسيل ان يقاطع او ينسحب من الحكومة، فيما يحفل جدول اعماله بزيارات خارجية، ويحضر لمؤتمر الطاقة الاغترابية؟ وهل يمكن لالياس ابو صعب ان يستقيل وهو اليوم يلعب دور احلامه بمبادرات لم الشمل من المتن الى باريس ودبي والسعودية؟
امام عون منفذ وحيد هو تيار المستقبل، وهو خشبة خلاصه ومعبره الى رئاسة الجمهورية. ومن اجلها ستنكشف امور مستورة كثيرة، وستتغير معطيات وتقام معارك، الى الحد الذي سيحلو للرئيس نبيه بري ان يذكّر محدثيه بأنه كان محقاً في «صداقته اللدودة» مع عون.