Site icon IMLebanon

الحريري يفرض الصمت… في انتظار الصوت

لا يُحسد سعد الحريري على موقفه ولا على السياقات والوضعيات التي يجد نفسه فيها كل لحظة، منذ تلك العشية التي عاد فيها إلى بيت والده، بلا والد، في 14 شباط. هي دوامة جديدة يعيشها اليوم، اسمها الاستحقاق الرئاسي. يضع المعطيات المحسومة أمامه، فيجدها كالآتي: أولاً، لا جهة خارجية مستعدة للتدخل أو رعاية الحدث أو حتى مقاربته ولو من بعد. كلهم يقولون إن المسألة شأن لبناني. وهذا ما يزيد من مسؤوليته الشخصية. ثانياً، لا جهة خارجية أو داخلية تريد الفراغ. كلهم يحذرون من مخاطره.

وهو شخصياً أكثر من يعرف منزلقاته. شهدها بعينيه من بيته في بيروت قبل ستة أعوام. فضلاً عن المحاذير السياسية للمجهول الذي قد يضرب كل مكتسبات ناسه وفريقه والمكون الذي ينتمي إليه. لا فراغ، مسؤوليته إذن مضاعفة لجهة ضرورة المبادرة وحسم الاستحقاق الرئاسي. ثالثاً، الجميع يردد، وهو كان أولهم في خطاب 14 آذار، أن المطلوب رئيس يمثل المسيحيين أولاً. مقتنع هو بالطرح في صميم فكره. ما يجعل خياراته محدودة ومروحة الأسماء ضيقة. فعلياً هو أمام أربعة أسماء: عون، فرنجيه، الجميل وجعجع. فرنجيه يطرح عون، وجعجع «يعشق» الجميل… لم يبق إذن إلا الرابية أو معراب. رابعاً، كل قوى البلد والأرض تنادي برئيس استثنائي، قادر على مخاطبة كل مكونات الوطن، ومؤهل لطمأنة هواجسها الكيانية. رئيس يحفظ سلاح المقاومة عند الحدود، لا داخلها ولا خارجها، عنصر قوة استثنائية للبنان. تماماً كما يحفظ موازين الطائف، وسيادة الدولة وضمانات الجماعات وحريات المواطن. رئيس يبني الدولة العصرية الديمقراطية المؤسسية، «الدولة القادرة والعادلة والمنتجة»، كما قالت بكركي. لم يبق له إذن إلا ميشال عون.

محسومة هي المعادلة في رأس الحريري. يصل إلى مطابقتها مع أرض الواقع، فتبدأ العقبات والعوائق: أولاً فريق السنيورة. لا يمكن الاستهانة بالرجل. لا في بيروت ولا في الرياض ولا في واشنطن. خصوصاً حين تتقاطع حساباته مع أخرى في تلك العواصم. هي تجربة اتفاق جدة مع حزب الله لا تزال ماثلة في ذهن الحريري. ذهب يومها نعيم قاسم شخصياً إلى السعودية، وأُبرم بين الحزب والمستقبل اتفاق برعاية ملكية مباشرة، كاد أن يكون استراتيجياً، يجنب السنة والشيعة في لبنان، وربما أبعد من لبنان، كل ما أعقب من ويلات. رفض فؤاد السنيورة. فدارت محركاته في أكثر من بلد، حتى سقط الاتفاق، بعدها سقط البلد. صعب أن يقبل السنيورة بميشال عون رئيساً. بين الرجلين هوة ضوئية، لم تزدها «جيرة» طاولة الحوار إلا بعداً ونأياً. ثم وصول عون يعني وصول الحريري لا سواه! كل العوامل المولدة لدوافع الرفض وحوافز العرقلة موجودة. ثم إن فؤاد ليس فرداً في اللعبة، إنه فريق.

ثانياً سمير جعجع. لا لزوم للشرح هنا. معادلة الرجل حيال فكرة عون رئيساً بديهية: «يا قاتل يا مقتول». ولم يسبق للرجل في تاريخه أن كان «مقتولاً». صحيح أن علاقة سعد به لم تعد حميمة كما كانت قبل أعوام. تآكلت نتيجة عوامل عدة. لم يعد القلب ما يحركها. فالبعد جفاء أولاً، ثم إن مبادرة جعجع إلى طرح قانون الأرثوذكسي تركت كلوماً محفورة. في المقابل فعلت الأمر نفسه حكومة الحريري السلامية الأخيرة، من دون جعجع. صارت العلاقة بين الطرفين نوعاً من مساكنة بلا شغف ولا روح. صحيح أن لا محل لجعجع ينتقل إليه إذا قرر أن «يحرد». أين يذهب إذا اتفق الحريري مع عون؟ لا مكان. عند اقتراب الانتخابات يعود حتماً إلى بيت الوسط. وإلا من سيعطيه نائب الكورة أو نائب البترون، أو نائب الشوف أو نواب زحلة؟! بلا الحريري يصير متنافساً مع «نصفه المجمّل» على مقعدي بشري لا غير… لكن المسألة بالنسبة إلى الحريري ليست حسابية مصلحية وحسب. للمبادئ والأخلاق والوفاء والجميل قيمة وموقع لدى الشاب المنفي. لا يمكنه ترك جعجع، ولا حتى إجباره على الإذعان… مشكلة إذن!

ما الحل؟ لو أن أحداً في السعودية يتصدى لتلك المسؤولية عنه. لو أن مرجعاً في الرياض يقول كلمته. عندها يصطف فريق السنيورة فوراً، وتصير الحجة في إعادة جعجع إلى الصف حاسمة. لكن الوضع في الرياض على موجة أخرى. من كان يحسم ويقرر ويفرض ويرفض، ذهب في إجازة لا عودة منها. سعود رغم كل شيء لا يزال مسؤولاً رسمياً عن الملف. ومسألة عون عنده معطلة. مقرن لم يشكل فريقه بعد، ولم يتسلم كل المفاصل والملفات. آخر كلام نُقل عنه في موضوع الاستحقاق اللبناني: «لم العجلة؟! يمكن التريث».

لكن الحريري يدرك مخاطر التريث ومجاهله. بعد خمسة عشر يوماً يبدأ الشغور. حالة لا يمكن الرهان عليها، تماماً كما كانت مأساوية كل الرهانات على حالات مثل جسر الشغور… لا بد من التصرف إذن. لا يمكن الركون ولا الركود. بداية، فليوقف المشوشون ضجيجهم. صدر القرار ليل الثلثاء الماضي: ممنوع انتقاد ميشال عون في الإعلام. القضية حساسة دقيقة عاجلة وضاغطة. لا مجال لتسجيل نقاط داخلية الآن ولا وقت لمراكمة أصوات نشاز بلدية أو محلية. لكن ماذا بعد فرض الصمت؟ من يفرض الصوت المطلوب لحسم الاستحقاق؟ الوقت يمر… لا يُحسد سعد الحريري على مسؤولياته!