تحفُّظ على لجنة السبعة.. ومنهجية عمل الحكومة تكون دستورية أو لا تكون
الحريري ينتقد كلام عون عن «ضمان أمنه».. وانهيار العلاقة بين بكركي والرابية
اذا كانت التكهنات والفرضيات هي التي تحكم المجابهة الحاصلة بين الاجهزة الامنية وخلايا الارهاب، فإن ايجاد حل لمعضلة ممارسة الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية لم تكن قد حسمت حتى ساعة متأخرة من مساء امس، في وقت دخل فيه الخلاف الماروني بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» مرحلة التراشق من فوق السطوح، في ظل المأزق الذي بلغته العلاقة بين النائب ميشال عون والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.
ومن المتفق عليه، ان القرار السياسي داخل القوى الاكثر تأثيراً على الساحة الداخلية يتقاطع عند نقطة واحدة: ان لا تهاون في موضوع الامن.
ومن هذه الزاوية بالذات، تواجه الدولة، ممثلة بوزارة الداخلية والاجهزة الامنية، ولا سيما الجيش اللبناني، المجموعات المتطرفة بكافة الوسائل المتاحة، استخباراتياً وميدانياً لتضييق الخناق عليها وحصرها في الزاوية، لتتمكن بالتالي من احباط مخططاتها، تماماً كما حصل في تفجيري ضهر البيدر والطيونة، حيث تمكن الملازم الشهيد محمد جمال الدين من احباط مخطط الانتحاري الاول قرب حاجز قوى الامن في ضهر البيدر، حائلاً بذلك دون تمكن الارهابي من تنفيذ خطته في العاصمة، كما تمكن المفتش الاول الشهيد عبد الكريم حدرج من احباط مهمة الانتحاري الثاني قرب مقهى «ابو عساف» في محلة الطيونة، عندما اخذ المبادرة مع رفيقه علي جابر بالتصدي لسائق السيارة المفخخة، اثناء توقفها عكس السير في وسط الطريق، فسقط شهيداً، مفتدياً عدداً غير قليل من المدنيين والعسكريين الابرياء الذين كان من الممكن ان يكونوا ضحية للعملية الارهابية، وفقاً لبيان مديرية الامن العام.
وعلى صعيد التحقيقات الجارية مع الموقوف الفرنسي من اصول افريقية، كشفت مصادر امنية لـ«اللواء» بأنها تواجه صعوبات بسبب ان الموقوف لا يعرف من هو الرأس المدبر للشبكة التي هو عضو فيها، على اعتبار ان هذه الشبكة لا يتجاوز افرادها عدد اصابع اليد الواحدة بحدها الاقصى، وبالتالي، فقد تبين ان معظم منفذي العمليات الارهابية ليس لديهم معلومات عن القيادات التي تخطط وتدير التفجيرات في لبنان.
لقاءات باريس
وكانت هذه التطورات الامنية، فضلاً عن المخاوف من تعطيل السلطة الاجرائية، بعد تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال سليمان، على جدول اعمال اللقاءات التي عقدها الرئيس سعد الحريري مع كل من وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، والرئيس سليمان في باريس.
ووصف الرئيس الحريري تفجير الطيونة بأنه «عمل جبان»، داعياً الحكومة والقيادات الأمنية والعسكرية بأن تعمل جدياً لوقف هذا المسلسل، مطالباً «حزب الله» بالانسحاب من سوريا، معتبراً أن «المآسي في سوريا ولبنان يمكن أن تقترب منا اذا أصرّ البعض على التدخل في الشؤون السورية والعراقية».
وفي أوّل ردّ على رئيس تكتل التغيير والإصلاح، اعتبر الحريري أن تصريح عون في شأن تأمين امنه السياسي، كان في غير محله، وهو لا يقال لا لسعد الحريري ولا لأي سياسي آخر في لبنان.
اما سليمان، فقد أوضح مكتبه الإعلامي انه ناقش مع الحريري الاستحقاقات الدستورية والحلول المتوفرة لاجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت، كما تناول البحث دعم مجلسي النواب والوزراء لتأمين استمرار سير المرافق والمؤسسات وحسن سيرها لتلبية حاجات المواطنين الحياتية وحماية أمنهم، وتم التشديد على ضرورة تحييد لبنان عن الصراعات المحيطة به، والعودة إلى الالتزام بإعلان بعبدا لحمايته من الارهاب والفتنة والحرائق المندلعة من حوله.
التجاذب الماروني
على أن الأخطر، هو ما كشفه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع بعد لقائه البطريرك الراعي، من ان الاتصالات والمشاورات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لا تزال في نقطة البداية، وعزا ذلك، إلى امتناع نواب «تكتل الإصلاح والتغيير» عن المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس، والتي يرى جعجع أن حلها يكون بالانتخاب وليس بالتوافق، متهماً عون بأنه «يشن حرب إلغاء على رئاسة الجمهورية»، الأمر الذي استدعى رداً من تكتل عون في اجتماعه بعد ظهر أمس، معتبراً من الغى الرئاسة هو من تنازل عن صلاحيات الرئيس في اتفاق الطائف.
وتساءل النائب إبراهيم كنعان الذي أذاع بيان التكتل «اين كانت الرئاسة بفعاليتها وميثاقيتها منذ الطائف حتى اليوم، معتبراً أن تسوية الطائف أتت على حساب الرئاسة وأدت إلى الخلل في النظام، وهل نحن اليوم امام الغائها أم إحيائها واستعادتها بمعنى الحقوق للمسيحيين والمسلمين في هذه الدولة؟
وكان جعجع أوضح أن 99 في المائة من الحديث مع البطريرك تركز على انتخاب رئيس الجمهورية، مؤكداً انه لا يحق لأي أحد تعطيل البلد والموقع وافراغ قصر بعبدا لكي يزيد من حظوظه الرئاسية، في إشارة واضحة إلى عون ونوابه، داعياً هؤلاء النواب إلى النزول إلى جلسة انتخاب الرئيس في الأسبوع المقبل وأن يصوّتوا للمرشح الذي يريدونه، والرئيس الذي يُنتخب يصبح رئيساً للجمهورية.
وكشف أن الراعي أطلعه على ما دار في اجتماعه الأخير مع عون، لكن لا يبدو أن الأخير اقتنع بوجهة نظر البطريرك الماروني، مشيراً الى أنه لا يرى أي نور في نهاية النفق، مع أنه من صنع أيدينا وليس من صنع قوى خارجية أخرى، معتبراً أن اللقاء مع عون إذا حصل لن يحل المشكلة.
العقدة لم تُحل
وبالعودة الى المخارج المطروحة لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية التي يجري التداول فيها تحت عنوان: «منهجية عمل الحكومة»، كشف مصدر وزاري بارز لـ «اللواء» أن المسألة ما تزال تراوح، وأن هناك تحفظاً سنّياً على تشكيل لجنة من سبعة وزراء توقّع الى جانب رئيس الحكومة على القرارات والقوانين والمراسيم التي كان يُفترض أن يوقّع عليها رئيس الجمهورية.
وأشار المصدر الى أن جلسة مجلس الوزراء الخميس لم يطرأ عليها أي جديد، وهي ستأخذ الحيّز ذاته الذي كانت عليه الجلسات السابقة، علماً أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء كانت وزعت جدول أعمال هذه الجلسة والمؤلف من 28 بنداً تتعلق بقضايا مالية واتفاقيات وسفر.
ويبدو أن التحفظ السنّي استند الى مطالعة للرئيس نجيب ميقاتي، أبدى فيها اعتراضه على الآلية الجديدة للتوقيع على القرارات الحكومية والمراسيم الرئاسية من خلال توقيع كل من رئيس الحكومة ونائبه ووزراء يمثلون الكتل النيابية الكبرى الممثلة في الحكومة، معتبراً أن هذه الآلية تؤسس لأعراف ربما يعتبرها البعض مبرراً للمطالبة بعقد مؤتمر تأسيسي يُعيد تكوين المؤسسات الدستورية على قواعد جديدة، لافتاً الى أن الحل يكون باعتماد الآلية الدستورية التي تقضي بتولي مجلس الوزراء التوقيع على المراسيم الرئاسية، ولو أدى ذلك الى توقيع جميع الوزراء على المراسيم، مؤكداً أنه غير هذا الحل هو انتقاص من صلاحية رئاسة الحكومة والوزراء ومجلس الوزراء.
غير أن مصدراً نيابياً في كتلة «المستقبل» النيابية التي اجتمعت أمس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، لفت الانتباه الى أن صلاحيات رئيس الحكومة محسومة في الاتفاق الذي سيقرّ يوم الخميس، وبالتالي فليس هناك خلاف أو مشكلة بالنسبة للآلية التي ستعتمد، مؤكداً أن ما يقال عن لجنة وزارية للتوقيع ليس ثابتاً، وإنما سيصار الى انتداب وزراء لتوقيع المراسيم الرئاسية، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء سبعة وزراء أو أكثر أو بالناقص.
وشدد المصدر الذي اطلع على المداولات التي جرت بخصوص عمل مجلس الوزراء، على أن التوقيع على المراسيم لاعلاقة له بصلاحيات رئيس الحكومة، وهو أمر منفصل تماماً، مبدياً اعتقاده بأن الأمور متجهة نحو الحلحلة.
ومن المقرر أن تصدر الكتلة اليوم بياناً بشأن مداولاتها والتي تركزت على الشأن الحكومي، وعلى الوضع الأمني.
وسيشدد البيان على الموقف الذي اعلنه الرئيس السنيورة من تفجير الطيونة، والذي اعتبر فيه ان مواجهة الارهاب تكون بعدم فتح الابواب لشروره، بمعنى وقف تورط حزب الله في سوريا، الامر الذي ابقى الابواب مفتوحة على الارهاب، وان لا حل الا بتحييد لبنان عن الصراع في سوريا والنأي بالنفس.
تزامناً، عقدت قوى 14 آذار اجتماعها مساء امس، في اطار اجتماعاتها المفتوحة وشبه اليومية، استعرضت فيه موضوع الانتخابات الرئاسية وعودة الملف الامني الى دائرة الضوء من باب التفجيرات التي حصلت في ضهر البيدر والطيونة، مشيرة الى جدية اكثر في التعاطي الامني مع هذا الملف، وهو ما سبق ان لاحظه وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي جدد تأكيده بأن الوضع الامني بالاجراءات الامنية المتخذة ممسوك، لافتاً النظر إلى أن انفجار الطيونة وبالطريقة التي تم يها يدل على ارتباك الانتحاري، مشيراً إلى انه لو لم تكن الاجراءات متخذة من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية، لما جاءت السيارة عكس السير، ولا انفجرت بطريقة عشوائية على غرار ما حصل في ضهر البيدر.
وفيما وصف الرئيس نبيه بري أمام زواره ليل أمس الوضع في لبنان بأنه خطير، لافتاً إلى وجود اتصالات لاتخاذ خطوات للحد من هذه الخطورة، قالت مصادر وزارية لـ«اللــواء» ان هذا الوضع سيفرض نفسه بقوة على مجلس الوزراء الخميس، على أن تكون منهجية عمل الحكومة حاضرة في ملاحظات بعض الوزراء بعد الإيجابيات التي رافقت المشاورات في شأنها.
ورأت هذه المصادر ان هناك قناعة راسخة لدى غالبية الوزراء بأهمية مواكبة ما يجري على جميع الأصعدة وابقاء عمل مؤسسة مجلس الوزراء قائماً، لا سيما وان تداعيات ما يجري من حول لبنان تفرض تضامناً وزارياً وابعاد أي خلاف من شأنه ان ينعكس سلباً على سير العمل فيها.
إلى ذلك، نفت مصادر مقربة من الرئيس تمام سلام قيامه بزيارة إلى مصر في الوقت الراهن، على الرغم من استعداده لتلبية الدعوات الرسمية التي ترد إليه من الدول العربية والصديقة، من دون أن تحسم أي موعد جديد لجولته العربية التي تردد انه سيتابعها قريباً.
وكان الرئيس سلام اتصل أمس بالرئيس بري وعرض معه حادث الطيونة، كما أجرى سلسلة اتصالات لمتابعة الوضع الأمني طالباً التشدد في الإجراءات الأمنية وعدم التهاون في ملاحقة الإرهاب والإرهابيين وجلبهم للعدالة.
ووصف انفجار الطيونة بأنه «عمل إرهابي بشع»، داعياً اللبنانيين إلى اليقظـة والوعي لقطع الطريق على العابثين بأمن البلاد ومحاولات زرع بذور الشقاق بينهم. (راجع ص2).