Site icon IMLebanon

الحريري يُفجّر اللغم المسيحي بعون

 

لم يترشّح الدكتور سمير جعجع في الأسابيع السابقة لموعد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، البحث في الترشيح بدأ قبل أشهر، أمّا الفكرة فهي قديمة، ربّما تعود للعام 2008.

عندما دعمَ جعجع آنذاك ترشيح كلّ من بطرس حرب ونسيب لحّود للرئاسة، كان يعرف أنّه لم يكن قد استكمل عدّة الشغل الرئاسية. كان بالكاد يلملم جروح السجن، خرج قويّاً في السياسة، ضعيفاً في التحالفات. اعتبر حلفاؤه أنّ «ثورة الأرز» أدّت ما عليها له، وأنّ مجرّد التفكير بنيل مزيد سيكون من باب اللاواقعية السياسية.

في العام 2014 كسَر جعجع توازنات مقيّدة داخل 14 آذار. منذ أشهر وهو يدرس فكرة الترشّح، في مواجهة النائب ميشال عون. عقبات كبيرة منعت الفكرة من التبلور، لكنّها وُلدت أخيراً، كأنّها في ميتم.

سيُكتَب كثيراً فيما بعد عن الاتصالات التي سبقت إعلان جعجع ترشّحه، ورافقته. سيُكتب كثيراً عن قرار الرئيس سعد الحريري بدعم هذا الترشيح، وما سبقه من برود ما لبثَ أن تحوّل إقتناعاً، بل سياسة ستُعتمد دوماً في التعاطي مع كلّ الملفات المسيحية.

لم يكن سهلاً أن يدعم الحريري جعجع. الترشيحات داخل 14 آذار كثيرة، دعمه يعني اتّخاذ قرار بالمواجهة مع حزب الله، دعمه يعني احتمال قيام 8 آذار بالتسبّب بالفراغ، دعمه يعني تهديد المكاسب التكتية التي تحقّقت في تأليف الحكومة، دعمه يفتح الباب إذا ما حصل الفراغ على احتمال قيام حزب الله بتوتير أمنيّ يطاول المناطق السُنّية(7 أيّار). لكن في المقابل ماذا يعني هذا الدعم في ميزان الأرباح؟

حقّق الحريري في دعم ترشيح جعجع مكاسبَ سيُبنى عليها طويلاً. لعلّ تفجير اللغم المسيحي بعون هو المكسب الأكبر. بعد الآن لن يستطيع عون ابتزاز الطائفة السُنّية بتهمة الاستيلاء أو السطو حسب التعبير العوني، على مواقع المسيحيّين في الدولة.

بعد الآن لن يستطيع عون أن يتّهم الحريري بالتكفير، ولا أن يُخرِج كتاب «الإبراء المستحيل» من أدراج النائب ابراهيم كنعان. بعد الآن لن يستطيع عون ادّعاء حماية مواقع المسيحيين، فلقد أحرجه ترشيح جعجع إلى درجة اضطرّ معها إلى تطيير النصاب، ما أحرجَ الكنيسة التي أطلقت موقفاً لا لبسَ فيه متّهمةً مَن لم يشارك في جلسة الانتخاب بأنّه يرتكب جرماً.

نجحَ الحريري في التخفيف من أثقال مسيحية، كان في إمكانه التعامل معها في السابق بالطريقة نفسها، وكانت لتؤتي بالنتائج نفسها. الخلاصة التي أعلنها الحريري واضحة: أوافق على كلّ ما يُجمِع عليه المسيحيّون. لا يشبه ذلك إلّا كلام رئيس المجلس النيابي عن موافقته على كلّ ما توافق عليه بكركي، وكلام حزب الله الذي لا يوافق إلّا على كلّ ما يوافق عليه عون.

لكلّ هذه الأسباب كانت حصيلة دعم جعجع مرشّحاً لرئاسة الجمهورية «صفر خسائر». الحريري حيَّد نفسه بهذا الدعم وتركَ أمر ترشيح عون للتوازنات المسيحية. جعجع كسبَ كثيراً على الصعيد المسيحي والوطني والعربي.

14 آذار ربحَت وحدتها وتماسكها، وتجاوزت الخلافات التي نتجَت عن تأليف الحكومة. أمّا الأرباح السياسية التي سُجّلت في مرمى حزب الله وحلفائه فهي كثيرة أيضاً. سيتحمّل هذا الفريق مسؤولية الفراغ، وسيكون في مواجهة مع الكنيسة والرأي العام المسيحي، ولن تجدي عمليّات التجميل لتلطيف المشهد.

ترشيح عون أصبح واقعياً في ماضي المشهد الجديد، أقصى ما يمكن أن يطمح إليه هو التحوّل ناخباً، وكلّ المعلومات تفيد أنّه زاهدٌ في اختيار الاسم البديل إذا لم يكن هو الرئيس، وأنّه يشدّد على نَيل مكاسب مسبقة من العهد الجديد لا أكثر.