كلّ الملفات السياسية من انتخاب رئيس جديد للجمهورية إلى الانتخابات النيابية أو التمديد لمجلس النواب وما بينهما الأوضاع المالية، تراجعت وانكفأت أمام مشهد وداع الرقيب الشهيد علي السيّد الذي بَكاه كل لبنان من أقصاه إلى أقصاه، خصوصاً أنّ ملف المخطوفين كان تصدّر أساساً كل الملفات الأخرى، وترافق مع تصاعد وتيرة احتجاج الأهالي ورفضهم تكرار مأساة السيّد، في ظل ازدياد الضغط الشعبي والسياسي على الحكومة التي تخوض اختباراً جديداً لوحدتها وتماسكها، حيث تجد نفسها بين مطرقة رفض المقايضة التي تضرب هيبة الدولة وسندان صرخات الأهالي ومطالباتهم بالقيام بأيّ شيء لإنقاذ أولادهم، الأمر الذي يجعل الأنظار موجّهة اليوم إلى جلسة مجلس الوزراء في السراي على وقع تحرّكات أهالي المخطوفين، والدعوات إلى تسريع المحاكمات في ملفات السجناء الإسلاميين من أجل أن يكون أيّ إخلاء لأيّ موقوف مستنداً إلى حيثيات قانونية وقضائية تُظهر أنّ الدولة لم تخضع لأيّ تنازل أو مساومة أو صفقة أو مقايضة، وبالتالي المَخرج الممكن سيكون من طبيعة قضائية لا سياسية، منعاً لأيّ التباس أو تأويل، وفي هذا السياق بالذات جاءت الدعوة المُلِحّة لوزير العدل أشرف ريفي إلى القضاة من أجل تسريع المحاكمات. وأمّا رئاسياً فالأنظار تتركّز على موقف «حزب الله» من مبادرة قوى 14 آذار بعدما سارعَ العماد ميشال عون إلى رفضها شكلاً ومضموناً في محاولة لقطع طريق 14 آذار على الحزب، فيما واصلت الكنيسة المارونية ضغطها لانتخاب رئيس جديد، حيث أسف مجلس المطارنة، الذي عقد اجتماعه الشهري في الديمان برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، لعَجز المجلس النيابي للمرة الحادية عشرة عن الالتئام لانتخاب رئيس للجمهورية.
مع ارتفاع منسوب استشعار الخارج بخطر تنظيم «داعش» وفي أجواء الاستنكار الدولي لذبح الصحافي الأميركي الثاني ستيفن سوتلوف، اكد الرئيس الأميركي باراك اوباما أن الولايات المتحدة الأميركية لن ترضخ للترهيب، ودعا المجتمع الدولي إلى الوقوف صفاً واحداً للقضاء على هذا «السرطان»، معتبراً «أنّ في إمكان المجتمع الدولي، إن اتحد، التصدي لهذا التنظيم».
في الموازاة، خلّف إجرام «داعش» المتمثّل بذبح عسكري لبناني، أجواء من السخط والغضب العارم في لبنان عموماً والشمال خصوصاً حيث شيّعت بلدة فنيدق العكارية أمس الرقيب الشهيد علي السيّد، في حضور سياسي وشعبي واسع، وذلك بعدما نَعته قيادة الجيش إثر تطابق فحص الـ DNA مع الجثة.
وكان المشاركون في الموكب الذي يقلّ الجثمان قطعوا، أثناء توجّههم من المستشفى العسكري المركزي في بدارو إلى فنيدق في عكار، الطريق الدولية الرئيسية عند نفق نهر الكلب لبعض الوقت، اعتراضاً على كلّ السياسيين الرافضين لمبدأ التفاوض لإطلاق باقي العسكريين المخطوفين.
وأكد ممثل قائد الجيش في التشييع أنّ «الإرهابيين أخطأوا بفعلتهم لأنهم لا يستطيعون ترهيب الجيش».
وواصل أهالي العسكريين المخطوفين اعتصاماتهم أمس في مختلف المناطق، ومن المقرر ان ينفّذوا اعتصاماً في العاشرة صباح اليوم أمام السراي الحكومي بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء التي ستبحث في الموضوع الأمني إضافة الى جدول اعمال الجلسة.
قزي
وعشية الجلسة، قال وزير العمل سجعان قزي لـ«الجمهورية»: من المؤكد انّ مجلس الوزراء سيفتح ملف الوضع الامني كما تجري العادة في بداية كل جلسة، ومن واجب القوى السياسية المشاركة في الحكومة أن تدعم رئيس الحكومة في سياسته الرافضة مبدأ المقايضة بين العسكريين المخطوفين من جهة وبين المساجين الإرهابيين من جهة ثانية، إذ لا يجوز ان تبقى مسؤولية هذه السياسة على عاتق رئيس الحكومة وحده انما هناك تضامن وزاري يجب أن يتجلّى في هذه المرحلة الدقيقة لكي لا يحاول بعض الفرقاء الإدّعاء بوجود موقفين وسياستين داخل الحكومة حيال موضوع المفاوضات».
وأوضح قزي: «انّ هذا الموقف لا يعني اننا نرفض إجراء مفاوضات لإطلاق العسكريين الرهائن، لأنّ إنقاذ حياة هؤلاء واجب ولكن في إطار هيبة الدولة واحترام القضاء، علماً انّ إطلاق أيّ إرهابي من أيّ سجن هو مشروع خطف لقوى أمنية جديدة في المستقبل».
ريفي: لا صفقة
في غضون ذلك، نفى وزير العدل أشرف ريفي وجود صفقة بشأن الافراج عن إسلاميّين مقابل الاسرى العسكريين، مؤكداً أنّ «منطق الصفقات غير موجود نهائياً انما منطق المسؤولية هو الموجود»، وأوضح أنّ هناك خلية أزمة برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام وهو يعمل بكل مسؤولية وبكل شفافية ورؤية نحو المصلحة الوطنية.
وشدد على وجوب الإسراع في ملفات السجناء الاسلاميين، وقال: «أعطينا تعليماتنا الى كل القضاة بأنه من غير المقبول ان تكون المحاكمات بطيئة جداً او أن تبقى الملفات أربع او خمس سنوات في الادراج من دون ان يقوم القاضي بواجبه، وطلبنا من القضاة ان تكون الاحكام عادلة ومُنصِفة وغير جائرة وغير بطيئة».
بري
الى ذلك، دقّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ناقوس الخطر من الفراغ المؤسساتي والمخاطر التي تتهدد البلاد، وجدد رفضه التمديد للمجلس مستغرباً مثل هذا الطرح، وقال انّ ذلك يعني التمديد للتعطيل والفراغ والشلل، طالما انّ المجلس معطّل ولا يستطيع القيام بواجبه ومسؤولياته.
المرّ
وفي السياق، رفض نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المرّ، الذي ناقش مع بري طروحات معينة للخروج من الازمات التي يتخبّط فيها، التمديد للمجلس النيابي، وقال: «اذا لم تجر الانتخابات ولم يمدد للمجلس فيعنى ذلك اننا ذاهبون الى فراغ نيابي، واذا مدّدنا للمجلس لكي لا يعمل ولا يشرّع فهذا غير مقبول ولا أحد يريد مثل هذا التمديد اذا لم يشرّع، وهذا سيؤدي الى فراغ في كل اجهزة الدولة».
المطارنة الموارنة
توازياً، أسف مجلس المطارنة الموارنة لـ«عَجز المجلس النيابي عن انتخاب رئيس للجمهورية»، معتبراً أنّ «انتخابه هو المخرج الأساسي لكلّ المسائل العالقة والشائكة، فالرئيس هو رئيس جميع اللبنانيين وضامن وحدة الوطن، وكلّ انتقاص من هذه المعادلة هو طعن في الصميم لمفهوم الرئاسة».
مبادرة «14 آذار»
الى ذلك، ظلت المبادرة التي أطلقتها قوى 14 آذار أمس الأول لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي في دائرة الضوء. وإذ اكّد مصدر قيادي في قوى 14 آذار لـ«الجمهورية» انّ لبّ المبادرة هو البند الثاني فيها، أي التمَسّك بترشيح جعجع، لفت الى انّ «المبادرة كانت لإفساح المجال أمام الفريق الآخر إذا كانت لديه نوايا بالوصول الى تسوية.
وبالتالي، لا تعليق لترشيح جعجع ولا انتقال من مرحلة الى أخرى الّا بعد أخذ أجوبة من الفريق الآخر، فمرشّح 14 آذار حتى هذه اللحظة هو جعجع، وفي حال بادرَ الفريق الآخر الى تلقّف المبادرة للوصول الى تسوية فإنّ 14 آذار ستسير فيها وإلّا، العودة الى المربع الأول».
عدوان
وبدوره، أكّد نائب رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» النائب جورج عدوان أنّ مبادرة «14 آذار» لن تتوقف، وتهدف للوصول إلى مكان يحدد فيه كل فريق موقفه بوضوح ويتحمّل مسؤوليته إن أراد استمرار الأوضاع كما هي» بشأن الاستحقاق الرئاسي.
نَشر الجيش على الحدود
وفي مجال آخر عقد نواب 14 آذار مؤتمراً صحافياً في المجلس النيابي جددوا فيه المطالبة بنشر الجيش على الحدود الشمالية والشرقية لتأمين الحماية للقرى اللبنانية. وقدموا الوثائق السياسية والاعلامية الصادرة عن قوى 14 آذار ما بين عامَي 2011 و2013 التي تؤكد مطالباتها بنشر الجيش على الحدود.
الأمم المتحدة
في غضون ذلك، أكدت الأمم المتحدة أهمية انتخاب رئيس للجمهورية من دون مزيد من التأخير، ونقلَ منسّقها الخاص في لبنان ديريك بلامبلي لرئيس الحكومة تمام سلام تضامنها مع الحكومة والقوى الأمنية ومع عائلات العسكريين المخطوفين لدى الإرهابيين، وعن إدانتها الشديدة لأفعال هذه المجموعات».
جنبلاط
وكان رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط استعرض تداعيات الأزمة السورية على لبنان، لا سيما في ضوء الشغور الرئاسي، مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي زاره جنبلاط على رأس وفد وزاري ونيابي وحزبي، وأعربَ عن أمله في أن يتمكن لبنان قريباً من التوافق على رئيس جديد يُسهم في تعزيز أمنه واستقراره.
وأكد جنبلاط على محورية الدور الذي تقوم به مصر في المنطقة على الصعيد السياسي، وكذلك لنشر الفكر الإسلامي المعتدل، ومكافحة التطرف والإرهاب، متطلّعاً إلى مواصلة الجهود المصرية لتثبيت الإسلام المعتدل بتعاليمه السمِحَة في المنطقة.
وأعرب جنبلاط عن تطلّعه إلى قيام مصر بدور في تقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، وعلى مستوى لبنان بصفة خاصة، وبما يحقق صالح الشعوب الإسلامية والعربية.
وبدوره، رحّب السيسي بجنبلاط مستعرضاً عدداً من القضايا الإقليمية ذات الإهتمام المشترك، وفي مقدمتها الأزمة السورية، ومشدداً على ضرورة تقوية الجبهة اللبنانية الداخلية، حفاظاً على وحدة لبنان واستقراره.
السفير الروسي
في غضون ذلك، أشار السفير الروسي الكسندر زاسبيكين الى انّ هناك تفاوضاً حول التعاون العسكري مع لبنان، ونتمنى ان تكون النتائج ايجابية. واكد انّ «خطر الارهاب ليس على لبنان فقط بل هو مشكلة للجميع»، لافتاً الى انّ «مواجهة الارهاب محلية في بعض المناطق اللبنانية، وهناك الجيش الذي يتولى الامن ويُمسك الامر، وهناك العناصر الاساسية التي تتعلق بضرورة تعبيد الطريق السياسي لصمود القوات المسلحة وتماسك المجتمع اللبناني».