خارطة طريق من «البيال» الى كل لبنان
الحل بالخروج من«البانكر».. والحوار
لبنان في عين الإعصار، لا شك في ذلك. من حق اللبنانيين أن يخافوا ويقلقوا وأن يتساءلوا بفزع عن مستقبلهم. الفراغ القائم والقابل للتمديد والتمدّد، يرفع كثيراً من منسوب الخوف والقلق معاً. يأتي عيد الجيش في الأول من آب القادم، وكرسي الرئاسة فارغ، والحكومة شبه معطّلة ومجلس النواب عاجز كليًّا، وفي جميع الأحوال معلّقة على توازنٍ هشٍّ جداً قابلٍ للانضمام إلى السباحة في الفراغ.
المشكلة أن الجميع يصرخ في معركة عضّ أصابع لا ضرورة لها في وقت ينهش الآخرون لحم بعضهم البعض في معارك مذهبية وعرقية لحساب قوى كبيرة وكبرى لا تهمها خسائرهم بقدر ما تهمها الأرباح التي تضيفها الى أرصدتها، وفي تجميع النقاط لتوظيفها على طاولة المفاوضات الآتية مثل القضاء والقدر.
رغم كل هذا الوضع الدقيق، فإن اللبنانيين ما زالوا حتى الآن يملكون الحظ. لبنان تحت «مظلة» دولية وإقليمية تعمل على تجنيبه الانهيار الكامل، لذلك يدار الفراغ فيه بدقة وحذر شديدين. تكفي ملاحقة شريط الكوارث في المنطقة من أقصى المغرب في الجزائر العربي حتى أقصى المشرق في حلب. أكثر من عشر دول تتقلّب على النار ولا يعرف أحد متى وكيف سنخرج منها مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن ودول تعاني من النار على حدودها، التي تهدد مستقبلها مثل تونس والجزائر والبحرين…
يضاف الى هذه القائمة الطويلة غزة وفلسطين معها، حيث العدوان الإسرائيلي ومجازره أصبحا عادة والهدنة استثناء.
مجرّد ملاحقة هذا الشريط، يجب أن تدفع اللبنانيين خصوصاً من منهم يمسك بالقرار فيه أن يأخذ بالمثل الشعبي: «ما متّ ما شفت مين مات».
النتيجة الأولى للعمل بالمَثَل، الإسراع في العثور على صيغة توافقية. الوقت لا يرحم خصوصاً في مثل حال المنطقة. هل يجب انتظار نهاية المفاوضات النووية ونجاحها؟ أو نهاية أزمة العراق مع «صدَّاميها» و«دواعشها»؟ أو نهاية الحرب في سوريا، التي تتعرض يومياً للدمار والأخطر من ذلك كوارث التغيير الديموغرافي التي في جزء أساسي منها مبرمج ويتم تنفيذه من دون حساب للخسائر الحالية والمستقبلية؟ وما يجرّ ذلك على لبنان، حيث النازحون واللاجئون السوريون تجاوزوا ربع عدد اللبنانيين المقيمين؟ والخطر الكامن في أن نصفهم لن يعود حتى ولو عاد السلام غداً الى الأرجاء السورية. فكيف إذا بقي الأسد لسنوات يتابع تنفيذ سياسة الحديد والنار وأنا أو لا أحد؟
لقد حان الوقت لمبادرات لبنانية شجاعة حتى ولو بدت الحسابات الداخلية والخارجية كثيرة وبعضها دقيق وحساس. قد يأخذ ذلك بعض الوقت لكن السرعة من دون التسرّع واجبة. الخطوة الأولى فتح نافذة ولو صغيرة في ما يطلق عليه «البانكر» Bunker الأمني أو السياسي، ثم الحوار مع الطرف الآخر.
الرئيس سعد الحريري فتح مسار الحوار مع الجنرال عون رغم كل الأسلاك الشائكة التي كان الأخير قد أقامها.
السيد حسن نصرالله يملك الجزء الأساسي من معادلة الحل. حتى ولو كان في وضع أمني خطير يتطلّب منه الكثير من الاحتياطات والحسابات، يمكنه أن يخطو خطوة كبيرة الى الأمام ليصبح كل هذا مساراً مفتوحاً على خطين..
الانعزال في «البانكر» مهما كانت أسبابه يحول دون سماع الآخر. لتكن البداية الجديدة في الحوارَ بين السيد حسن نصرالله والنائب وليد جنبلاط. لقد أثبت الأخير وسطيته وهو قادر بما يملك من تجربة واضطلاع وعقل وعقلانية على مدّ الجسور لتسريع صياغة الحل الذي يخرج لبنان من الفراغ؟ أيضاً يمكن توسيع دائرة هذا الحوار طالما أن الجميع خصوصاً حزب الله يشعرون أو يعانون من نار حرائق المذهبية. لا يكفي الكلام عن رفض الحرب المذهبية، وفي الوقت نفسه المحافظة على كل الأسباب التي تؤجج نارها.
نار الحرب تشتعل بعود ثقاب. ونسائم السلام تبدأ بخطوة..