Site icon IMLebanon

الحملة على الجيش تلامس «الخطوط الحمراء» و«حزب الله» أوّل المتضرّرين

من يسعى للتشكيك بمناقبية المؤسسة العسكرية؟ ومن الجهة المستفيدة من محاولة ضرب معنويات الجيش على «ابواب» معركة عسكرية طويلة الامد في مواجهة المجموعات التكفيرية؟ اسئلة مشروعة في ظل الشعور العام لدى فئة كبيرة ووازنة من اللبنانيين بوجود «قطبة مخفية» تحول دون اطلاق العنان للجهود الامنية والعسكرية لمواجهة الخطر التكفيري بشقيه الداخلي والعابر للحدود، وثمة احساس عالي المستوى لدى الجمهور بوجود حملة منظمة لاظهار جنود وضباط الجيش مكشوفين في العراء في جرود عرسال وغيرها من المناطق، وهذا ما يزيد من منسوب قلق اللبنانيين ازاء القدرة على وقف تمدد تلك المجموعات اذا ما قررت تنفيذ مخططاتها داخل الاراضي اللبنانية.

الاجابة على هذه الاسئلة لا تحتاج الى الكثير من البحث والتدقيق، بحسب اوساط سياسية متابعة لهذا الملف، والمقصود هنا ليس الحملات الداخلية «الرخيصة» المرتبطة بالحسابات الرئاسية التي تستخدمها بعض الاطراف السياسية في لعبة «حرق اوراق» بعض المرشحين المفترضين، فهذا النوع من الحملات عابر وغير مؤثر بالمعطيات الميدانية على ارض الواقع ولا يترك اثارا مباشرة على البنية العملانية والعقائدية للجيش، لان ما يصرف من حبر وكلمات في وسائل الاعلام لا يشكل خطورة كامنة يمكن ان تقلب موازين او تغير في عقيدة قتالية، لكن المشكلة الجدية تكمن في المناخات التحريضية «المرعبة» التي تسود في مناطق الاطرف في البقاع والشمال خصوصا القرى والبلدات التي تعتبر تاريخيا «خزانا» للجيش، فهناك عملية ممنهجة لبث السموم ذات الطابع المذهبي لخلق شرخ بين ابناء تلك المناطق والمؤسسة العسكرية، وهناك من يعمل على الارض لخلق مناخ من الشكوك حول فائدة بقاء «اهل السنة» في الجيش. فما علاقة حزب الله بهذه الحملة؟

محاولة اتهام حزب الله بالمسؤولية عن التحريض على الجيش او على قائده مثيرة للسخرية، وتلقف اعلام وسياسيي تيار المستقبل تساؤلات طرحت في وسائل اعلامية يعتبرونها محسوبة على المقاومة «لدق اسفين» بين الجيش والحزب تثير الريبة وتطرح علامات استفهام حول اهدافها ومراميها، فبالدرجة الاولى ما قيل من كلام في هذا السياق غير منطقي، والحزب اول المتضررين من توهين المؤسسة العسكرية واضعافها، فهي بالنسبة اليه الملاذ الامن الوحيد الذي يمنع انهيار وسقوط الدولة، فالفوضى هي العدو الاول للمقاومة، وبقاؤها قوية يعد الضمانة الوحيدة المتبقية للاستقرار، والحديث هنا ليس عن اي جيش وليس اي قيادة، فالمعلوم للقاصي والداني ان مستوى التنسيق الميداني والقيادي بين الجانبين لم يكن في يوم من الايام افضل مما هو عليه اليوم، والمعلوم ايضا ان في الكثير من المواجهات ومنها ما حصل مؤخرا مع التكفيريين في عرسال، لعب الحزب دورا مهماً للغاية في سياق ما يسمى بالعلوم العسكرية تأمين «ظهر» القوات المقاتلة وخلق حزام آمن لحمايتها في كثير من المواقع القتالية، وهذا الامر ليس خافيا على احد لانه يمثل لقيادة حزب الله واجبا وطنيا، ومدعاة للفخر، ومن ينتقد الجيش وقيادته في تيارالمستقبل «يتسلل» من واقع هذه العلاقة الجيدة لانتقاده، وهي الحجة نفسها التي يستخدمها عتاة المتطرفين في التيارات السلفية الذين يطلقون على الجيش تسمية جيش حزب الله.

وفي هذا السياق، يمكن القول ان حزب الله يعتبر نفسه شريكا محوريا وداعما للجيش في الحرب ضد التكفيريين، والحزب يحتاج الى قوة ومنعة هذه المؤسسة لانها الاقدر على خوض هذه المواجهة وتخطي «الحواجز» المذهبية التي تعوق تحركه في الكثير من المناطق والجبهات، فهل يعقل اذا ان يكون الحزب وراء اضعاف المؤسسة العسكرية في خضم هذه المعركة المصيرية؟ الجواب لا يحتاج الى الكثير من التفكير، لكن بعض الخبثاء يصرون على التهمة منطلقين من مصلحة الحزب في اضعاف حظوظ قائد الجيش العماد جان قهوجي الرئاسية ويشيرون الى ان هذه الحملة تهدف الى ازاحة المرشحين الاقوياء من «درب» العماد ميشال عون.

برأي تلك الاوساط، هذا الكلام مثير للشفقة والسخرية في آن واحد، فليس هناك الا الجهلة يظنون ان معركة الرئاسة يمكن ان تصنع في وسائل الاعلام او عبر الحملات الدعائية على خلفية موقف او معركة، فحزب الله الذي يملك حق «الفيتو» الرئاسي قادر على قبول ورفض اي مرشح من دون الحاجة الى اللجوء لحملات مبرمجة تؤدي الى انعكاسات سلبية على المؤسسة العسكرية ولا تقدم او تؤخر في حسم مصير الاستحقاق الرئاسي، واذا كان لا بد من الحديث عن الاولويات فان ملف الرئاسة بالنسبة للحزب يحتل درجات متدنية بالمقارنة مع اولوية المخاطر المحدقة بلبنان والمنطقة، «وساذج» من يظن ان قيادة الحزب مهتمة بخوض «الاعيب» صغيرة على الطريقة اللبنانية بملف شديد الحساسية يؤثر سلبا على المؤسسة العسكرية، فيما الحسم في مكان آخر.

وبحسب تلك الاوساط، فان هذه الاتهامات مردودة ومن يتابع الحملة الاعلامية المركزة على اتهام الجيش بالتقصير في متابعة ملف الجنود الرهائن يدرك انها غير بريئة ويعرف مصدرها ومن يقف وراءها، فهناك مصلحة واضحة لدى «التيار الازرق» لتغيير نمط العلاقة بين الجيش وحزب الله وكل الحملات تصب في هذا السياق، فهناك من يصر من نواب تلك المناطق على الحديث عن مسؤولية الجيش التقصيرية في حماية الجنود، وهناك من يعمل على التشكيك بقدرة القيادة على حماية الجنود، وهناك من يصر على «تضخيم» عمليات الانشقاق والفرار من الوحدات المقاتلة، وثمة اصرار دائم على التشكيك في روايات الجيش، وتكثر الانتقادات لبطء ردود فعله الاعلامية في توضيح بعض الالتباسات حول هذا الملف، مع العلم ان جميع هؤلاء يعلمون محدودية هذا الامر وعدم انفلاشه، ويعلمون جيدا ان سياسة المؤسسة العسكرية في عدم نشر التحقيقات الداخلية يحقق الغاية المنشودة لعدم اثارة الذعر الذي يؤدي الى نتائج عكسية، لكن ثمة اصرار مريب من بعض هؤلاء على التركيز على هذه النقاط مع علمهم المسبق بما «تقترفه ايديهم».

وهنا مكمن الخطورة، فهذا المناخ تستفيد منه بشكل مباشر المجموعات التكفيرية التي تتعمد في تصنيف الجنود المختطفين لديها وفقا لهويتهم المذهبية وهذا الامر ظهر بوضوح في الساعات القليلة الماضية خلال عمليات التفاوض غير المباشرة، وهذا التصنيف اعتمد سابقا في العراق وسوريا وجرى العمل عليه من خلال التصنيف بين المرتد الذي يمكن ان تقبل توبته والكافر المحكوم بالموت، وللأسف فان ثمة من يعمل في المناطق المحسوبة على تيار المستقبل على تقديم دروس دينية مجانية لشرح هذا الموقف ما تسبب في خلق مناخ من التفرقة الموضوعية بين الجندي من المذهب السني والجندي الاخر المنتمي الى مذاهب اخرى، وهذا الامر على درجة كبيرة من الخطورة لان انعكاساته المباشرة على مناقبية الجنود والضباط ستكون كبيرة في حال تعميمها، خصوصا ان هؤلاء يستغلون قلق الاهالي على ابنائهم ويتم نقل الرسائل الخاصة في هذا السياق من خلالهم.

وانطلاقا من هذه المعطيات فإن تعاظم هذه المخاطر حرك الكثير من الاتصالات الداخلية لمحاولة وقف العبث بملف المؤسسة العسكرية، وعلم في هذا السياق ان التركيز على العامل المذهبي في الجيش لا يتوقف عند حدود المخاطر الداخلية، فهذا الامر «دق ناقوس» الخطر في بعض الدوائر الاستخباراتية الغربية التي رسمت علامات استفهام حول عملية تسليح الجيش اللبناني ومده باسلحة نوعية، فهذه الجهات التي كانت اصلا تبحث عن حجج لتبرير عدم تزويد المؤسسة العسكرية بالاسلحة بدأت بطرح الاسئلة «الخبيثة» عن الضمانات المتوافرة لعدم تكرار ما حصل في العراق على الساحة اللبنانية؟ وما هي الضمانة بان لا يحصل انشقاقات داخل المؤسسة العسكرية تؤدي الى سيطرة المجموعات التكفيرية على تلك الاسلحة؟ اسئلة «خبيثة» والاجابات عنها تقع على عاتق «التيار الازرق»..