أما وقد بدأ مسار الحلّ العرسالي يسلك طريقه المتعرج، فان العودة الى الوراء لقراءة هادئة تصبح ملحّة وضرورية، بعيدا من منطق التأييد او التخوين، الذي يحلو للبنانيين من زمن الوصايات اعتماده مع كل المختلفين معهم في الرأي السياسي.
ثمة وقائع لا يمكن التغافل عنها. الخطة الامنية نفذت في طرابلس، ولم تنفذ في البقاع. وعد وزراء معنيون بخطة ايضا لبيروت وضاحيتها، لكنها ايضا لم تبصر النور. دخل “قادة محاور” طرابلس السجن، وفرّ آل عيد الى جهة مجهولة. وتم التضييق على كل حراك لبناني او سوري شمالا.
لكن ثمار حكومة المصلحة الوطنية لم تمتد الى البقاع المحاذي لسوريا. ظلت الحدود مفتوحة في الاتجاهين. “حزب الله” يرسل مقاتلين الى سوريا، وحجته اولا حماية الاماكن المقدسة للشيعة هناك، ومن ثم حماية الحدود اللبنانية من الجهة المقابلة لمنع تسلل الارهابيين الى لبنان. والحقيقة ان مشاركته انما تهدف الى الدفاع عن النظام السوري الحليف لإيران وللحزب. والحرب الى جانب النظام السوري محقة سياسيا، لأن دمشق قدمت الكثير للحزب، لكنها ليست كذلك وطنيا لانها تزيد تورط لبنان في صراعات المنطقة.
في المقابل تسلل “لاجئين” من المعارضة السورية الى عرسال واماكن اخرى يتم من دون رقابة حقيقية واطلاع على هوية هؤلاء، بل تعاطف البعض معهم عبر امدادهم بالمساعدات المادية والدعم المعنوي. وهذا امر صحيح انسانياً، وجائز مذهبياً، وسياسياً بسبب الصراع مع النظام السوري، لكنه خاطئ في الحسابات الوطنية لانه يشرّع البلد امام صراعات الآخرين.
هكذا لم يتمكن لبنان من تطبيق سياسة النأي بالنفس، وظل اعلان بعبدا حبرا على ورق، لا لعلّة في مضمونه او شكله، وانما في الاطراف التي وقّعته ولم تلتزم بنوده.
في هذه الاجواء، اندلعت الاشتباكات في عرسال، وتحركت جبهة طرابلس مجددا، وان بوتيرة أقل من السابق. وفي ظل هذا الانقسام، فشلت “الخطة” لإنهاء “وضع شاذ” في عرسال. ولعل كلام رئيس بلدية اللبوة ساهم في كشف اللعبة، قبل الكشف عن عوراتنا في السياسة وفي العسكر.
القبض على احد المطلوبين في عرسال ليس عملاً امنياً محضاً، بل هو ايضا حركة سياسية في اجواء مضطربة. فاذا كانت القوى الامنية لم تضع احتمالات لما يمكن ان ينتج من العملية، فان ثمة قصوراً في الرؤية. واذا كانت تعلم ولم تجهز المراكز العسكرية لتلقي ردات الفعل، فان المصيبة تكون اكبر.
الحل اليوم في عرسال سيعيد الامور الى ما كانت عليه سابقا ولن يدفعها قدماً، مما يعني ان دماء سالت وأهدرت من دون تحقيق انجازات، والتعويض يكون بتنفيذ الخطة الامنية بقاعاً كما شمالاً، وقفل كل الحدود وفي وجه الكل، كي لا يقال ان ثمة صيفا وشتاء فوق السقف الواحد، فتنشأ نزاعات جديدة، وحاجة جديدة الى حلول مبتكرة.