الحملة الديبلوماسيّة مستمرّة مع الدوَل المتمكّنة لإيجاد حلّ لعبء النزوح. فماذا عن النتائج؟
تسعى الدول إلى إشراك النازح في الدورة الاقتصادية اللبنانية
اللغة المتداولة في الكواليس مختلفة عن تلك التي في وسائل الإعلام. تتوقف الدول المهتمة عند عناوين ثلاثة:
ـ الأوّل، إنّ البحث ما زال يدور حول لغة الأرقام، أرقام النازحين، والأرقام المطلوبة لتغطية الاحتياجات. ويوجد ما بين لبنان وبعض العواصم أزمة ثقة. هناك بعض التباينات بين ما يقدّمه، وبين ما هو متوافر لديها من معلومات، لذلك لجأت إلى المنظمات الدوليّة المتخصّصة لكي تتولّى الاهتمام، وترفع تقارير دوريّة حول الوقائع، ليُصار إلى تقديم الاحتياجات في ضوء ما تورده التقارير.
ـ الثاني، إنّ بعض الدول يريد إدماج النزوح قدر الممكن والمستطاع في المجتمع اللبناني، مستغلّاً الثغرات والحساسيّات المذهبيّة والطائفيّة والمناطقيّة. إنّه يعارض ضمناً إحداث مخيّمات بإشراف دولي، ورعاية وحماية دوليّة، وذلك لاعتبارين: لأنّها تُحتِّم عليه التزامات ماديّة ومعنويّة بنحوٍ شِبه دائم إلى حين توفير ضمانات موثوقة تسمح بالعودة السالمة. ثمّ التصميم على إيلاء مسؤولية الرعاية إلى الدوَل العربيّة المتمكّنة ماديّاً، وإلى جامعة الدول العربيّة التي يفترض بها أن توفّر الرعاية المعنوية.
ـ الثالث، يتناول التطبيع الاقتصادي، إذ تسعى الدول إلى إشراك النازح في الدورة الاقتصادية اللبنانية، خصوصاً في قطاع البناء، والاستثمار الزراعي، والصناعة، وبعض المهن الحرّة، والحرفيّة. حجّة الدول أنّها تريد دورة إقتصاديّة متكاملة يستفيد منها لبنان عندما تبدأ ورشة إعادة البناء والإعمار في سوريا. ويريد أن يتلافى نزاعاً مسلّحاً على أرضه، تراه واقعاً حتماً في قابل الأيام ما بين المواطنين اللبنانيّين والسورييّن.
بعض «التباشير» بدأت في عدد من المناطق، ويُصار إلى تغليفها بـ»حوادث فردية»، في حين أنّ الدوافع تتنوّع، بعضها يعود إلى المنافسة على لقمة العيش، وبعضها الآخر مرتبط بالتغيير الديموغرافي الذي بدأت تستشعره بعض مناطق البقاع وعكّار، حيث هناك زحف نزوح يتمدّد ببطء، لكن بخطوات راسخة، وهذا ما دفعَ مخاتير في كثير من البلدات والقرى إلى رفع الصوت عن»طغيان عدديّ، وطغيان مذهبيّ، بدأ يغيّر في هوية الأرض، ويُبدّل في خصوصيات المنطقة؟!».
وما يجري على طول الحدود اللبنانية ـ السوريّة، خصوصاً في البقاع، لم يعُد مجرّد مواجهات بين الجيش النظامي والمعارضة، هذا النوع من التوصيف كان مقبولاً في الماضي. الآن تغيّرت المعادلة، إنّه نزاع متعدِّد الوجوه والأغراض، مذهبيّ ما بين السنّة والشيعة، وثقافي ما بين بيئة منفتحة وأخرى تكفيريّة زاحفة من وراء الحدود، ووجودي ما بين الدفاع عن الأرض والساعين للسيطرة عليها تحت مظلّةٍ من الشعارات والتبريرات.
ينظر الغرب إلى ملفّ النزوح كجزء من كلّ، ويمكن النظر به بعد الانتهاء من وضع سوريا على سكّة الحلّ المرسوم لها، عرقنة، أم فدرلة، أم تفتيت. وقد ينظر به عندما يحلّ الوحي الدولي لإخراج لبنان من دوّامة الفراغ، والفوضى، وتحديد مرتكزات نظامه السياسي الجديد.
رئيس مجلس النواب نبيه برّي على حقّ في مسعاه لتفعيل دور المجلس حتى لا يخنق الفراغ اللبنانيين المهدّدين بلقمة عيشهم. رئيس الحكومة تمّام سلام على حقّ في دعوته إلى تفعيل دور مجلس الوزراء لأنّه لا يجوز أن تتعطّل مصالح الناس إذا حالت الظروف القاهرة دون انتخاب رئيس للجمهوريّة.
وغالبية المسيحيّين على حق عندما تقول: ما قيمة الرئيس، ودوره، وصلاحياته، إذا كانت المؤسّسات قادرة على العمل بنحوٍ طبيعي في أثناء غيابه؟ ثمّ أيّ شراكة وطنيّة هذه إذا كانت الأمور تسير على أفضل ما يرام في غياب المكوّن المسيحي؟!
والحقّ كلّ الحقّ على الدول الكبرى التي لا تريد رئيساً للبنان قبل أن يُصار إلى تطبيع «النزوح» مع الواقع اللبناني، وتطبيع الواقع اللبناني مع المتغيّرات الجيوساسيّة التي تشهدها دول الجوار، نظاماً، وصيغة، وأدورا؟!.