الخلافات بين الأقطاب الموارنة تعطِّل عملية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية كل المواقف التي تدعو المسيحيين ليختاروا من يمثّلهم في سدّة الرئاسة الأولى لم تفلح في التوصّل إلى تفاهم مشترك في ما بينهم |
في رأي مصادر نيابية فإن هناك أكثر من سبب لتعثّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى اليوم، برغم الدخول في المهلة الدستورية المحددة لانتخاب الرئيس وظهور بوادر جدّية لاحتمال دخول لبنان في مرحلة من الفراغ في منتصف الرئاسة الأولى لا يعرف أحد مداها في الوقت الراهن نظراً لترابط الوضع الداخلي اللبناني مع الأزمات المعقّدة في المنطقة وتحديداً بالحرب الدائرة في سوريا مع استمرار مشاركة «حزب الله» بإيعاز إيراني بالقتال لجانب نظام بشار الأسد وإصرار طهران على إبقاء لبنان رهينة مصالحها الإقليمية والدولية إستناداً للمواقف والتصريحات الإيرانية المتتالية بهذا الخصوص والتي تتنافى مع أبسط المعايير والأسس التي ترعى علاقات الدول المستقلة في ما بينها.
أولى هذه الأسباب الجوهرية التي تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية المحددة كما يظهر من مواقف وتصرفات الكتل النيابية المعنية بهذا الاستحقاق تفاعل الانقسام المسيحي الحاد بين الأقطاب الموارنة بخصوص الاستحقاق الرئاسي ومحاولة كل منهم ترشيح نفسه لهذا المنصب بمعزل عن التفاهم مع الآخرين وكأن الاجتماعات التمهيدية التي عقدت برعاية البطريرك الماروني في بكركي لم يكن لها أي مفعول للتوصل الى حدّ أدنى من التقارب وتوحيد الرؤى بين هؤلاء لتسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية لمنع حدوث فراغ في منصب الرئاسة الأولى ولتفادي أي تداعيات سياسية أو أمنية قد تنجم عن هذا الفراغ المحتمل في حال فشلت كل المحاولات المبذولة لانتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية بعد ما يقارب الثلاثة اسابيع تقريباً، موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.
وتلاحظ هذه المصادر ان كل المواقف التي تدعو كي يختار المسيحيون من يمثلهم في سدة الرئاسة الاولى، إسوة بالشيعة الذين يحددون من يمثلهم في منصب الرئاسة الثانية أو السنّة في منصب الرئاسة الثالثة لم تفلح في التوصل الى تفاهم مشترك في ما بينهم لترجمة هذه الدعوات الى حقائق واقعية ملموسة، واختيار الشخصية المسيحية المارونية لمنصب الرئاسة الاولى، بل تجلت هذه الدعوات في تنافس حاد بين الشخصيات والزعامات المارونية المرشحة لهذا المنصب وتفاعل الخلافات في ما بينها الى حدود الاستعداء كما ظهر ذلك علانية خلال الاسبوعين الماضيين ولم يتوقف حتى اليوم، وانما يبشر بالمزيد من تفاعل هذه الخلافات بما يحوول دون وصول اي من هذه الزعامات والقيادات الى منصب الرئاسة الاولى مع دخول عوامل اقليمية معروفة لتأجيج هذه الخلافات ومنع اي تفاهم محتمل في ما بينها.
اما السبب الثاني الذي يؤثر سلباً في مجرى الاستحقاق الرئاسي فهو وجود السلاح غير الشرعي لدى «حزب الله» والسعي لتوظيفه بشكل مباشر او غير مباشر لدعم وصول الشخصية المسيحية التي توفر الغطاء لاستمرارية تفلت هذا السلاح من مرجعية الدولة وتؤمن التغاضي عن تحركات الحزب المرتبطة بمصالح الدولة الايرانية والنظام السوري على حدٍ سواء، كما كانت الحال مع رئيس الجمهورية السابق اميل لحود، مما يزيد في تعقيدات عملية الانتخابات الرئاسية ويعزز الانقسام السياسي بين الطامحين للترشح ويعطي ارجحية نسبية لاي مرشح متحالف مع الحزب على بقية المرشحين بشكل مباشر او غير مباشر او يؤدي الى تعطيل مبرمج لعملية الانتخاب ككل اذا كانت نتائجها غير مضمونة لصالحه كما حصل سابقاً ويحصل في الوقت الحاضر من خلال الايعاز للنواب التابعين للحزب وحلفائه بتطيير نصاب جلسات الانتخاب.
وفي اعتقاد المصادر النيابية البارزة فإن استمرار منوال تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية كما حصل في الجلسة السابقة، سيؤدي حتماً الى فشل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية بعد تاريخ 25 أيار الجاري وعندها يدخل البلد في مرحلة من الفراغ الرئاسي بسبب عدم بروز أي تطوّر ملموس وإيجابي يؤدي إلى انتخاب الرئيس حتى اليوم لاستمرار كل طرف سياسي بموقفه من الطرف الآخر وعدم قبوله بهذا المرشح أو ذاك، مما يعني وصول الجميع إلى الحائط المسدود ودخول مرحلة الفراغ الرئاسي بكل ما تحمله من مخاطر تفاعل الأزمات السياسية أو التوتر الأمني بفعل التباين بالمواقف والخيارات المطروحة، الأمر الذي يفرض على جميع الاطراف تكثيف المشاورات في ما بينها للبحث عن قواسم مشتركة ومخارج لأزمة انتخاب الرئيس والتفاهم في ما بينها على اسم شخصية مسيحية مقبولة ترضي جميع الاطراف من دون استثناء، برغم حساسية هذا الطرح لدى بعض الزعامات والقيادات المرشحة لمنصب رئاسة الجمهورية، لاعتبارهم أن مثل هذه الشخصية التوافقية لا تحظى بحيثية شعبية مسيحية مثلهم كما يرددون في مجالسهم ومشاوراتهم مع الآخرين حالياً، ولكن مثل هذه التحفظات لن يكون لها التأثير الحاسم بعدما نفدت كل محاولات تحقيق الاتفاق المطلوب بين هذه الزعامات على من يتبوأ منصب الرئاسة الأولى.
وتستبعد المصادر النيابية البارزة حدوث تطورات إيجابية ملموسة تسهم في انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان استناداً إلى المواقف المعلنة حالياً والاصطفافات من كل الأطراف من دون استثناء، في حين ان الدخول في مرحلة الفراغ الرئاسي سيرتب على الجميع مسؤولية الخروج من هذه الحالة بأسرع وقت ممكن، ولا يمكن التصرف بعد انتهاء المهلة الدستورية كما قبلها، لأن المخاطر والتحديات ستعصف بالجميع من دون استثناء ولن تستثني أي طرف دون الآخر. ولذلك، فان مسألة الانتخابات الرئاسية ستمر بمخاض تقطيع المهلة الدستورية، وبعدها تتسارع الخطى أكثر من السابق باتجاه اختيار الشخصية التوافقية من بين أسماء عدة شخصيات تتردد اسماؤهم في مجالس اختيار الرؤساء في حين لا يبدو ان اي مرشح من الأقطاب الموارنة له حظوظ الفوز بمنصب الرئاسة الأولى استناداً لموازين القوى المتساوية حالياً.