يروي وزير الخارجية الأميركي السابق روبرت غيتس، في كتابه «دوتي»، الجدل الذي سبق قصف إسرائيل للمفاعل النووي عقب اكتشافهم في عام2007 أن النظام السوري كان يبنيه خفية بالتعاون مع إيران وكوريا الشمالية. يقول إن الجدل تكرر بين أركان الإدارة الأميركية حول كيفية التعامل مع هذا التطور الخطير. كان رأي غيتس الخيار الدبلوماسي، والضغط على الرئيس بشار الأسد ليوقف المشروع ويتخلص من برنامجه النووي. وكان رأي نائب الرئيس ديك تشيني، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وآخرين، الحل العسكري، بتدميره. أما رئيس وزراء إسرائيل حينها، أولمرت، فقد حذرهم من أنه لن يجلس متفرجا. ويقول غيتس إن حجته كانت مخاوفه من ردة الفعل العربية، وتوسيع الحرب في العراق، وفتح حرب سورية مع إسرائيل، وفوق اعتراضه اقترح غيتس على بوش أن يحذر الإسرائيليين بعدم قصف المفاعل السوري! اختصارا للرواية الطويلة، قصف الإسرائيليون الموقع النووي ولم يفعل الأسد شيئا، بل قام في الليل بنقل حطام المبنى وإخفائه.
العبرة من هذه القصة أن التعامل بتأن شديد مع الخطر الحقيقي الداهم قد لا يكون أفضل الخيارات. ولو أن الرئيس بوش، حينها، استمع لوزير حربه ومنع تدمير مفاعل الأسد لكان السوريون اليوم في ورطة أعظم، وصارت المنطقة كلها رهينة له؛ فالتاريخ الطويل من التمهل والتساهل مع إيران أوصل الولايات المتحدة أخيرا إلى مرحلة الانحناء لنظام خامنئي بتقديم الهدايا والتنازلات من أجل إقناعه بالتفاوض فقط!
دبلوماسية السلحفاة مع سوريا وإيران أوصلت الأمور إلى هذه المرحلة المعقدة والخطيرة، كما أن التهاون الخطير حيال تضخم تنظيم القاعدة، كأفراد وجماعات وتدريب وتسليح في سوريا، وسع التهديد إلى عموم الإقليم، وربما العالم. «القاعدة» اليوم صارت، كقوة، عشر مرات أقوى مما كانت عليه آنذاك، بسبب الركون إلى الحل الدبلوماسي، والاكتفاء بإرسال الدقيق والأدوية والكشافات الليلية، وغيرها من ألعاب الأطفال للجيش الحر. في الواقع إنه أكبر خطأ ارتكبته الحكومة الأميركية منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
من أجل مقاتلة «القاعدة» في سوريا، يوجد حل عملي وحيد، وهو البديل عن التورط المباشر، وذلك بتقوية المعارضة السورية المعتدلة، وبناء تحالف دولي يساند السوريين ضد نظام الأسد، وضد قوى «القاعدة» المنتشرة. وليس مطلوبا من الأميركيين، أو غيرهم، أن يرسلوا قوات قتالية، بل يكفي دعم السوريين على الأرض وتمكينهم من مقاتلة النظام و«القاعدة» معا، حتى يشعر النظام بأنه سيخسر الحرب، حينها سيفاوض على الرحيل.
السير ببطء سمح لورم «القاعدة» بأن يتعاظم، ونتيجته النهائية أسوأ من كل ما نراه، سوريا تغرق أكثر في الحرب، والمذابح أصبحت أرقامها فلكية، والدول المجاورة سيضربها الزلزال بسبب ملايين اللاجئين، و«القاعدة» اليوم بجيش ضخم، ومتعدد التنظيمات والجنسيات. وقد دفع السوريون الثمن بسبب التلكؤ والخذلان، ولاحقا سيدفع العالم الثمن أيضا، للسبب نفسه.