Site icon IMLebanon

«الداعشفوبيا».. والخاصرة اللبنانية

اكتمل المشهد اللبناني: «سكين داعش» نفسه جمع بين الشهيدين الرقيب علي السيد، الذي عاد إلى تراب فنيدق، والجندي عباس مدلج الذي ينتظر أهله في بعلبك تسلّم جثته لدفنها. صور عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي المحتجزين لدى «مرتزقة الظلام» تملأ مسرح يوميات الناس. أخبار تسلّح بعض شباب القرى الحدودية تتفوق على أحداث تسلّح الحكومة بخطة أمنية قد تحمي الداخل.

إنها الـ«داعشفوبيا»، وقد صارت جزءاً من ثقافة اللبنانيين وخبزهم اليومي. كيف السبيل إلى مواجهة هذا الخطر الزاحف من خلف الحدود وقد تحوّل عنواناً لقلق جماعي لا يفرّق بين فئة وأخرى، أو منطقة وأخرى؟ إلى أي مدى سيكون لحمم البركان المتفجر في المنطقة تأثير على المشهد المحلي؟ هل سترميه بزيت على ناره الملتهبة أصلاً؟ أم سيظل محصناً بغطاء إقليمي ودولي حامٍ؟ ماذا عن إرادة أهله؟

أسئلة مشروعة باتت حاضرة على طاولات القرار، كما عموم الناس. يجزم المتابعون بأنّ ما يحصل في المنطقة ليس بسيطاً وقد ينذر بتغييرات جيوسياسية تحتاج إلى وقت لكي تتبلور في شكلها النهائي. لكنها بلا شك مفصلية في تاريخ المنطقة، ومن شأن تأثيراتها أن تنثر شظاياها على كل الجغرافية المحيطة بها.. ومن ضمنها لبنان.

يؤكد أحد السفراء السابقين المتابعين للتطورات الإقليمية، أنّ القرار الدولي – الإقليمي بالحفاظ على الحد من الاستقرار اللبناني، لا يزال قائماً، ولم يتبدل بفعل الأحداث المتسارعة التي يشهدها المربع المشترك بين بلاد الشام وتلك التي ما بين النهرين.

ولأنّ الدوائر الكبرى المعنية بالملف اللبناني غير مهجوسة بإمكانية تسرّب «الزحف الأسود» إلى العمق اللبناني وخربطته معادلته، الهشة أساساً، فهي لا تمارس ضغوطها على مواقع القرار اللبناني لإنجاز الاستحقاق الرئاسي على عجل. فتترك الطبخة لطهاتها المحليين ولمعايير السخونة التي يفضلون اعتمادها، لا سيما أنّ الحوار الإيراني – السعودي الناشئ يضع الملف اللبناني في أسفل أولوياته.

إلى هذا العامل المهم، ثمة معطى أساسي من شأنه تكريس معادلة «استقرار الحدّ الأدنى»، ويتجلى بعدم رغبة، لا بل رفض القوى اللبنانية لسيناريو توتير الوضع اللبناني، أو استعادة مشاهد الحرب الأهلية.. وإن كان لهذا التوافق استثناءاته.

ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ مساحة الـ10452 تستظل قبّة حديدية تقيها شرّ ما قد يأتيها من «راجمات الفوضى» التي تدبّ من حولها. إذ بتقدير السفير نفسه، فإنّ لبنان قد لا يكون معفياً من شظايا المعارك المتنقلة من محور لآخر، لا سيما أنّه بات من المسلّم به أنّ الحرب السورية لن ترى لها نهاية قريبة وليس بمقدروها أن تفرز نتائج اللاعبين بين منتصر ومهزوم.

وعليه فإنّ الرهان على رجحان كفة على أخرى هو ضرب من ضروب الخيال، لا بل الانتحار. ولذا يفترض أن تكثف القوى اللبنانية جهودها كي ترفع من مستوى الجهوزية الأمنية والتيقظ لما قد يأتي من خلف الحدود، والسعي لتطويق «الظواهر الداعشية» بأقل الأضرار الممكنة. ومع أنّ هناك توافقاً على حماية الخاصرة اللبنانية، ولكن آليات التعاون وحدودها لا تزال غارقة في مستنقع النزاعات العتيقة.

في هذه الأثناء، تستعد عواصم القرار الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لتشكيل جبهة دولية لمكافحة الإرهاب الذي يهدد كامل المنطقة، حيث تشكل الضربات الجوية لقوات «العم سام» على حدود كردستان وفوق الموصل، أول الغيث.

ويؤكد الديبلوماسي ذاته، أنّ هناك سلّة من التحديات التي تواجه الجبهة الدولية المنوي إنشاؤها، وأبرزها:

– ثمة حاجة ماسة إلى قيام تحالف دولي غربي – عربي شبيه بذلك الذي أنشأه جورج بوش قبيل دخول العراق، وإلا فإنّه سيكون ضعيفاً وذا تأثير محدود.

– إنّ قيام حكومة عراقية جامعة تلقى رضى مختلف القوى السياسية، خصوصاً السنية، هو أحد أهم العوامل التي من شأنها أن تساعد على نجاح الجبهة الدولية في مهمتها، لا سيما أنّها ستؤمن غطاءً محلياً عراقياً لا بدّ منه.

– إنّ التفكك الذي يعاني منه الجيش العراقي وعدم جهوزيته لتعبئة الفراغات الأمنية إذا نجحت الجبهة الدولية في دحر «القوات الداعشية»، هو واحدة من الثغرات الصعبة التي تواجه أهل القرار الدولي في مهمتهم العسكرية.

– تصرّ واشنطن على التعامل مع الجناحين العراقي والسوري من «الدولة الإسلامية» بشكل منفصل تماماً. بمعنى أنّ بدء العملية فوق الأراضي العراقية لا يعني بالضرورة استكمالها فوق الأراضي السورية. إذ ترفض الإدارة الأميركية، وفق السفير ذاته، القيام بأي عملية عسكرية من شأنها تدعيم ركائز النظام السوري، وقد لا تبدأ مهمتها إلا بعد إجراء تسوية سياسية تشبه تلك التي أبعدت نوري المالكي عن الحكم في بغداد.

حتى الآن، ترفض واشنطن أيضاً التعاون مع إيران لمواجهة الفِرق الإرهابية في العراق، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى تأييد سعودي لهذا العمل العسكري، حيث يبدو أنّ «الزحف الظلامي» كان المفتاح الذي فتح أبواب الحوار بين طهران والرياض، ودفعهما إلى تذليل العقبات الخلافية.

ومع ذلك، ثمة من يعتبر أنّ إبقاء إيران خارج التحالف الدولي قد يعني إخراج «داعش» من العراق ودفشه باتجاه العمق السوري.. لإعادة البحث من جديد عن تسوية للحرب الشامية.