Site icon IMLebanon

الراعي والحريري:مشاروات في الاستحقاق بين روما وباريس

 

            كتب عبد الامير بيضون:

على رغم مرور يومين على الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية،  وعلى مسافة أيام من موعد الجلسة التالية الاربعاء المقبل، فقد تواصلت القراءات والتحليلات لما جرى، والتوقعات لما يمكن ان يجري لاحقاً، في ضوء ما كشفته جلسة الاربعاء الماضي من توزعات نيابية وما حصّله مرشح 14 آذار سمير جعجع، و«شبح الورقة البيضاء» ومرشح المستقلين هنري حلو من أصوات، ليبنى على الشيء مقتضاه في المرحلة، او المراحل التالية، في ضوء حركة الاتصالات والمشاورات على غير مستوى وعلى غير صعيد، لم يكن الجسم الديبلوماسي الأجنبي بعيداً عنها…

اتصال الحريري – الراعي

ووسط حال الجمود النسبي هذه، فقد كان لافتاً مساء أول من أمس، الاتصال الهاتفي الذي جرى بين البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الموجود في الفاتيكان، والرئيس سعد الحريري، الموجود في السعودية وبحثا خلاله في الاستحقاق الرئاسي في ضوء ما جرى، وفي ضوء لقاء البطريرك قبيل توجهه الى روما مع الرئيس نبيه بري… وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن الحريري والراعي، اتفقا على «ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية، وفي أقرب وقت»، وذلك من باب «الحرص على الحياة الديموقراطية في لبنان»، وطمأنة اللبنانيين «الذين يستحقون ان يكون لهم رئيس على مستوى التطلعات، وبحجم الدور المطلوب من لبنان إقليمياً ودولياً…». كما كان اتفاق على وجوب استثمار عامل الوقت من أجل التواصل والتشاور بين الكتل النيابية و«بمسؤولية عالية تليق بحجم الاستحقاق…».

8 آذار لن يسمحوا بانعقاد الجلسة

وخلاف هذه التطلعات، فقد كان لافتاً الصورة القاتمة التي رسمها البعض من خطورة الاستمرار في تعطيل انجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وما يمكن ان يتركه هذا التعطيل من ا نعكاسات سلبية، سواء لجهة تغييب موقع رئاسة الجمهورية، او لجهة تفريغ الدول… وقد كان هذا المناخ، في صلب حركة السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل الذي التقى أمس النائب بطرس حرب ضمن حراك منتظر من أجل السعي الدولي والمحلي لاقناع الافرقاء السياسيين بوجود اعتماد الاصول الديموقراطية في عملية انتخاب رئيس الجمهورية، ضمن المهلة الدستورية… و«إلا فإن المخاطر ستكون كبيرة» بحسب النائب حرب، الذي نقل عن هيل الدعوة الى «رئيس يرضي كل الناس…».

وفي هذا، فقد نقلت صحيفة «عكاظ» السعودية عن «مصادر سياسية مطلعة» قولها «ان الجلسة الثانية لانتخاب رئيس للجمهورية لن تنعقد بسبب فقدان النصاب الدستوري، أي الثلثين من النواب ال128…» وأشارت الى ان «قوى 8 آذار لن يسمحوا بانعقاد الجلسة قبل التوافق على اسم الرئيس…».

مون: لانتخابات بمواعيدها

وبحسب ما نقل من معلومات عن «مصادر ديبلوماسية» فإن من المتوقع ان تشهد الساحة اللبنانية كما الساحة الاقليمية والدولية حركة ديبلوماسية لافتة «لمنع انزلاق لبنان الى الهاوية… وابقاء مظلة الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني قائمة، ومفتوحة فوق الساحة اللبنانية كافة…» ومن المتوقع أيضاً، وبحسب المصادر اياها، ان تقوم بعض العواصم «بدور فاعل في اتجاه الضغط لاجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري، وانتخاب رئيس قبل 24 ايار، موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، الذي غادر الى الفاتكيان، أمس، على رأس وفد، ومن المتوقع ان يعقد والبطريرك الراعي سلسلة لقاءات، للبحث في سبل الوصول الى إجراء الاستحقاق في موعده…

وفي هذا، فقد شدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تقريره الدوري حول تطبيق القرار 1559 على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان ضمن مواعيدها…» معتبراً ان «حيازه «حزب الله» للسلاح خارج سيطرة الدولة لا يتوافق مع حتمية اجراء انتخابات حرة ونزيهة…».

استبدال جعجع بآخر ليس مهمة سهلة

إلى ذلك، فقد تواصلت القراءات التحليلية لما حصل في جلسة الاربعاء الماضي، ونزوع أفرقاء 8 آذار الى «شبح الورقة البيضاء» والعزوف حتى اللحظة عن تسمية مرشح واضح الاسم والهوية… وذلك بخلاف قوى 14 آذار، التي «لديها هدف ايصال أحد أعضائها الى رئاسة الجمهورية…» على ما قال النائب بطرس حرب الذي لفت الى ان «استبدال جعجع بمرشح آخر، ليس بهذه السهولة… ويعود له قرار الاستمرار بترشحه أم لا، في حال تبين ان جعجع لن يحصل على الأكثرية  المطلقة للوصول الى الرئاسة… فمن الطبيعي ان تبدأ كل 14 آذار التفتيش عن مرشح تخوض به المعركة لتريحها…».

ولفت حرب الى «ان قوى 14 آذار ملزمون المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس التي دعا اليها الرئيس نبيه بري…».

نظرية الدفع نحو الفراغ

وليس بعيداً عن هذا المناخ، فإن مصادر 14 آذار، ماتزال عند موقفها لجهة التأكيد على ان عدم ترشيح قوى 8 آذار أي شخصية لرئاسة الجمهورية، والاكتفاء بإطلاق المواصفات من دون الأسماء، على رغم وجود أكثر من مرشح لديها، يعزز نظرية الدفع نحو الفراغ، ذلك أنها على يقين بأن حظوظ وصول النائب ميشال عون الى الرئاسة «شبه معدومة…»، لاسيما و«أن ذاكرة الرئيس سعد الحريري ليست ضعيفة ولن ينسى حملات التجني التي كان يقوم بها عون وتكتله ضد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وتيار المستقبل وتطيير حكومة سعد الحريري…» على ما قال النائب بطرس حرب… وفي السياق نفسه أشار أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر الى ان الأمور مبهمة في ما يتعلق بجلسة الاربعاء… وهي رهن اتصالات المرحلة المقبلة، مشيراً الى «ان الأجواء راهناً لا تدل على ان الأمور متجهة نحو انتخاب رئيس للجمهورية في ظل عدم نضوج أي توافق سياسي…

عون لم يقرر ترشحه بعد

وفي هذا، أكدت مصادر ل«الشرق» ان الجنرال عون لم يقرر بعد ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، وهو ينتظر نتائج الاتصالات التي تجري على غير مستوى داخلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً… ولا من توافق، على قاعدة «ان ليس هناك فريق بمفرده يستطيع ان يوصل مرشحه…».

وفي هذا، قال نائب الأمين العام ل«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أنه «من الأفضل  ان يذهب المعنيون الى الاتفاق الجدي على رئيس من أجل ان ينجز الاستحقاق في أسرع وقت ممكن…» مستعيداً اسطوانة «اننا نريد رئيساً يحمل سجلاً تاريخياً نظيفاً…».

بدوره شدد عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر على  اننا «ملتزمون بالمشاركة في جلسات انتخاب الرئيس التي دعا، وسيدعو اليها، الرئيس بري.» لافتاً الى «ان هناك حركة تشاور من أجل إمكانية الاتفاق على مرشح للرئاسة قد تنضج بداية الاسبوع المقبل…» مشيراً الى ان عون «لم يقرر ترشحه بعد… والقرار يصدر عنه ومن ثم يتبناه الافرقاء…».

من جهته قال العلامة علي محمد حسين فضل الله، ان «اللبنانيين تعبوا من رؤساء مغامرين او باحثين عن مواقع لهم بأي ثمن، او رؤساء يديرون الازمات، او يكونون صدى لارادة الخارج… وهم بحاجة الى رئيس يقدر على اخراج البلد من أزماته ولا يزيد من تعميق تلك الازمات وتعقيدها…».

الراعي تشاور هاتفيـا مع الحريري:لانتخاب رئيس على مستوى الظروف

اجرى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اتصالا هاتفيا بالرئيس السابق سعد الحريري تشاورا خلاله في موضوع الاستحقاق الرئاسي في ضوء لقاء البطريرك الراعي امس مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وكان توافق على ضرورة اجراء الانتخابات ضمن المهلة الدستورية وفي اقرب وقت، حرصا على الاستقرار في لبنان وعلى الحياة الديموقراطية وطمأنة الشعب اللبناني الذي يستحق ان يكون له رئيس على مستوى تطلعاته وبحجم دور لبنان المطلوب منه اقليميا ودوليا. واكدا ان الوقت الذي يفصل الجلسة الانتخابية عن الاخرى يجب ان يستثمر جديا في التشاور والتواصل بين مختلف الكتل النيابية والسياسية وبمسؤولية عالية تليق بحجم هذا الاستحقاق».

وكان الراعي وصل الى مطار روما يرافقه المطران سمير مظلوم والمحامي وليد غياض حيث كان في استقباله سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي العميد جورج خوري، والوكيل البطريركي لدى الكرسي الرسولي المطران فرانسوا عيد ونائبه الخورأسقف طوني جبران، القائم باعمال السفارة اللبنانية في ايطاليا كريم خليل، والمستشار في سفارة لبنان في الفاتيكان القنصل البير سماحة.

صلاة شكر

ولدى وصوله الى الوكالة البطريركية، استقبل الراعي استقبالا حبريا ودخل كنيسة مار مارون حيث اقام صلاة الشكر في حضور المطارنة بولس مطر، ميشال عون، انطوان طربيه ورؤساء الوكالات الرهبانية في روما وعدد من آباء المدرسة المارونية في روما.

وقال البطريرك الراعي «نشكر ربنا بشفاعة سيدة لبنان ومار مارون على حضوره معنا في الأيام العصيبة التي نعيشها، ونلتمس منه الرجاء، في هذه الايام المباركة التي يجمعنا فيها شخصان أخذا كل قوتهما بالصلاة، وعلمانا أن هذه هي القوة الحقيقية؛ عاشا حياتهما الكهنوتية والرسولية والكردينالية والبابوية في قلب العالم، ولكن كانت قوتهما صلاتهما. البابا يوحنا الثالث والعشرون عندما دعا إلى المجمع الفاتيكاني الثاني بعد 100 سنة من آخر مجمع بعد حربين، وكان من الصعب جدا لأي بابا أن يأخذ هذه المجازفة، ولكن بصلاته انعقد المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي سماه البابا يوحنا بولس الثاني «ربيع الكنيسة»، ولمسنا نتائجه الكبيرة».

بابا الصلاة

واعلن ان «كل ما قام به البابا يوحنا بولس الثاني «بابا الصلاة»، خلال 26 سنة من مسيرته الكهنوتية والبابوية، قام على قوة الصلاة. من هنا لا يجب أن نعتبر في أي يوم من الأيام أن حالتنا يائسة في لبنان وسوريا والعراق والشرق الأوسط، لكنها دعوة لنا لنعرف كيف نلتمس السلام من الرب. وقد ذكرنا البابا بنديكتوس في الإرشاد الرسولي «الكنيسة في الشرق الأوسط» أنه صحيح أن السلام يصنع بأيدي البشر، لكنه اضاف انه «لا يجب أن ننسى أن السلام هو عطي من الله».

ودعا الراعي الى «انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية يكون على مستوى الظروف الراهنة التي تنتظره»، آملا  في «احلال السلام في بلدان الشرق الاوسط التي احبها البابوان القديسان»، مشددا على «ضرورة تجديد إيماننا بالصلاة والعناية الإلهية، ونحن في زمن القيامة، بقيامة الرب يسوع، وافتدائه لنا».