البطريرك الماروني بشارة الراعي يزور فلسطين المحتلة قريبا. الزيارة المرتقبة تتجاوز، بتداعياتها المتوقعة، حيز الاختلاف السياسي الراهن بين اللبنانيين لتعيد فتح الباب على اختلافات عميقة ازاء قضايا اشكالية من قبيل تعيين الخطوط الفاصلة بين ما هو ديني وما هو سياسي في التعامل مع القضية الفلسطينية، وترسيم حدود العداء لاسرائيل المسلّم، أصلا، بمعاداتها.
في المبدأ، لا يحق لأحد النيل من غبطته بتفسير الزيارة بالنيات فقط.
لكن الزيارة التي يضعها البعض في خانة الواجبات الرعوية والروحية يصح وضعها أيضا في خانة الخطورة وتجاوز الخطوط الحمراء. فهي من وجهة نظر الداعمين لها ضرورة يمليها واجب البطريرك في استقبال بابا الفاتيكان خلال زيارته للأراضي المحتلة، وتمليها أيضا، كما يقولون، مسؤولية الراعي في التواصل مع رعيته من مسيحيي الأراضي المحتلة. فالبطريركية المارونية، بحسب هؤلاء، مسؤولة كنسياً عن فلسطين التي هي جزء من انطاكية وسائر المشرق. فيما المقلب الآخر من المشهد يكشف عن كون هذه الزيارة سابقة خطيرة يمكن البناء عليها لاحقا واتخاذها «سنّة» من قبل البعض. هذا فضلا عن كونها خطوة تخدم اسرائيل الحريصة على الاعتراف بشرعيتها الضامنة لوجودها، كحرصها على ترسانتها العسكرية والنووية الضامنة لاستمرارها.
في مثل الخطب الذي نحن بصدده، لا يكفي الفصل بين النيات والتداعيات. النيات السليمة لن تمنع العدو من توظيف الزيارة على انها خرق لبناني، «روحي» وسياسي، لقرار القطيعة مع اسرائيل. ولا يكفي للتخفيف من وطأة الزيارة القول بأنها لأرض عربية محتلة وليست لدولة إسرائيل المحتلة. ذلك ان ما سينال دولة الاحتلال من «بركة» هذه الزيارة أكثر بكثير مما سينال الفلسطينيين. وإذا كان آلاف الرعايا المسيحيين في الاراضي المحتلة يحتاجون لزيارة بطريركية رعوية، فان ملايين الفلسطينيين أكثر حاجة الى التفاتة بطريركية تراعي حقهم في مقاطعة الكيان المسؤول عن قتلهم وتهجيرهم.
الى ما تقدم، تخرج الزيارة عن السياق التاريخي لمسيحيي المشرق المعادين لإسرائيل. وهي بمجرد حصولها سوف تخرج عن سيطرة التوجيه البطريركي المبرر لها، وستصبح مشاعا أمام تأويلات مفتوحة على توظيفات شتى، منها إعادة طرح علامات استفهام حول اختلاف بين الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية في التعامل مع المسألة الفلسطينية. ومنها أيضا، إعادة الكلام عن امكانية التحاق لبنان بركب التطبيع العربي مع اسرائيل. ذلك الى جانب الاجتهادات التي ستضع الزيارة في خانة الانحياز البطريركي الى فئة من اللبنانيين تعاملت يوما مع اسرائيل.
قد لا يستوحش قداسة البابا ان لم يجد غبطة البطريرك الى يمينه في زيارته للقدس، لكن من المؤكد أن نتنياهو سيكون مرتاحاً لوجود الأخير في إسرائيل. كما ان وجود رأس الكنيسة المارونية هناك سيحول أنظار العالم عن قداسته الى غبطته. عند ذاك لن تعود زيارة البابا فرانسيس للأراضي المقدسة هي الحدث بل زيارة البطريرك الراعي وهذا خلاف المطلوب.
الراعي سيزور الرعية المسيحية في فلسطين فيما الذئب الاسرائيلي أول المستفيدين!