“شددت دولة عربية بارزة في اتصالاتها مع جهات أوروبية وأميركية معنية بالملف اللبناني على ان التهديد الأكبر الذي يمكن أن يواجهه لبنان ليس الفراغ الموقت في منصب رئيس الجمهورية بل الرضوخ للضغوط والتهديدات وانتخاب رئيس مواجهة أو رئيس مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيادة الايرانية وحلفائها ويعمل على تنفيذ أهدافها ويحاول فرض أمر واقع جديد على البلد يبدل موازين القوى فيه لمصلحة طهران مما يمكن أن يؤدي الى زعزعة الاستقرار والأوضاع فيه وصولاً الى تفجيرها كما حدث ويحدث في العراق.
وأوضحت الدولة العربية في اتصالاتها ان الجهود الديبلوماسية يجب أن تتركز على رفض السقوط في فخ التهويل والتحذير والتعامل مع مسألة خلو منصب الرئاسة على أساس انه من الناحية الدستورية ليس ثمة فراغ حقيقي اذ ان الحكومة الشرعية ستتولى موقتاً السلطة التنفيذية وتدير شؤون البلد، وتوجيه رسالة الى الجميع مفادها ان أي فريق لن يستطيع أن يستخدم الفراغ الموقت لمصلحته ولدفع الآخرين الى الرضوخ له وانتخاب المرشح الذي يريده لأن هذه المحاولة ستفشل، والعمل جدياً من أجل التفاهم داخلياً واقليمياً على المرشح التوافقي الحقيقي أو “الرجل الثالث” غير المنتمي رسمياً الى أي فريق واختياره من قائمة تملكها الدول المعنية وتضم ثلاثة أو أربعة أسماء وانجاز الاستحقاق الرئياسي في أقرب وقت ممكن حرصاً على مصلحة لبنان”. هذا ما قاله لنا مسؤول غربي بارز في باريس التي باتت عاصمة الاتصالات والمشاورات السرية أو العلنية ذات الصلة بمعركة الرئاسي. وأطلعنا المسؤول على بعض خفايا هذه المعركة استناداً الى لقاءاته ومعلوماته فركز على الوقائع المهمة الآتية :
أولاً – حلفاء ايران في لبنان بقيادة “حزب الله” يعطون الأولوية لمحاولة ضمان انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية لأنه الأفضل بالنسبة اليهم اذ انهم يثقون به وبتوجهاته ويعرفون ماذا سيفعل في حال توليه هذه المسؤولية وهم الذين شجعوه ويشجعونه بالتفاهم مع طهران على التقارب مع الرئيس سعد الحريري لاقناعه واقناع السعودية بدعم انتخابه ومحاولة احداث شرخ عميق داخل فريق 14 آذار وخلط الأوراق. وهذه فرصة تاريخية بالنسبة اليهم.
ثانياً – حاول الأميركيون والفرنسيون اقناع الرئيس ميشال سليمان بتمديد ولايته في انتظار انتخاب خلف له لكنه رفض ، وهم يؤيدون سراً انتخاب رئيس توافقي يواصل مسيرة سليمان.
ثالثاً – طلب مسؤول ايراني رفيع المستوى من فرنسا تشجيع الحريري على الاتفاق مع عون من أجل ضمان وصوله الى الرئاسة واقناع جهة عربية بارزة ومؤثرة بتبني هذا الخيار على أساس انه يعزز الاستقرار والوحدة الوطنية ويمكنه أن يمهد لعودة زعيم تيار “المستقبل” الى لبنان وتوليه رئاسة الحكومة المقبلة. لكن الفرنسيين لم يلتزموا شيئا واكتفوا بالقول انهم يشجعون الحوار والتقارب بين الأفرقاء اللبنانيين ويتركون لهم قرار انتخاب الرئيس.
رابعاً – ان المسؤولين الغربيين والعرب المعنيين بهذه القضية يدركون ان القيادة الايرانية في موقف حرج لأن عون ليس مرشحاً توافقياً وانفتاحه المتأخر على الحريري ليس كافياً لمنحه هذه الصفة خصوصاً ان ارتباطاته وتفاهماته واقتناعاته الأساسية واضحة ومعروفة ولم يتراجع عن أي منها. . وانطلاقاً من ذلك نصحت جهة غربية بارزة المسؤولين الايرانيين بالعمل مع الأطراف المعنيين من أجل ضمان انتخاب الرئيس التوافقي الحقيقي المقبول لدى الغالبية الواسعة من اللبنانيين والذي يصلح لتولي المنصب الأول في لبنان. ولم توافق القيادة الايرانية على هذه النصيحة حتى الآن لكنها وعدت بدرسها والتشاور في شأنها مع حلفائها.
وخلص المسؤول الغربي الى القول: “الدول الغربية والعربية المعنية بالأمر على اقتناع بأن لبنان يحتاج في هذه المرحلة البالغة الصعوبة الى رئيس توافقي يعزز المصالحة الوطنية ويدعم اتفاق الطائف وصيغة المناصفة والثوابت الأساسية وتطوير العلاقات مع المجموعة العربية والمجتمع الدولي. وليس ممكناً أن يختار فريق ما مرشحاً مرتبطاً به ويقول عنه انه توافقي ويحاول فرضه على الآخرين. بل ان هذا المرشح يجب أن يكون توافقياً بشخصيته وتاريخه وتوجهاته وأن يقتنع به الأفرقاء الأساسيون ويختاروه من طريق الحوار وليس من طريق القوة. ومن الضروري أن يتفاهم الأفرقاء في الوقت عينه على خريطة طريق تحدد أسس التعامل مع المشاكل والتحديات التي يواجهها لبنان وتعطي الأولوية لضمان استقرار البلد وأمنه ومصالحه الحيوية المشروعة”.