نستبعد أن يكون في لبنان من لا يرتاح الى عودة الرئيس سعد الحريري بعد غياب قسري إستمر ثلاث سنوات حفلت بالسلبيات كلها وإنهار فيها العمل السياسي وسادت لغة الإتهام والأحقاد والضغائن والشتائم، وغابت اللعبة السياسية بمفهومها الحقيقي لتقوم حال هجينة «ازدهرت» فيها الموبقات السياسية كلها، وسادت المغامرات بأنواعها كافة، ونمت طبقة من الفضوليات والأمّعات والزرازير التي ظنّت أنها «صارت شواهين» على حدّ ما يقول بيت الشعر العربي الشهير.
والعكس صحيح فإننا (وإن لم نكن نجزم) نعتقد أنّ الجميع مستفيد من عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان… عسى هذه العودة تحرّك هذا المستنقع السياسي الآسن فتعيد إليه بعض الحيوية التي تتصدّى لـ «الدولة الفاشلة» حيث لا رئيساً للجمهورية، ولا عملاً نيابياً طبيعياً، ولا سلطة تنفيذية كاملة الأوصاف.
نكتب ما نكتب، ها هنا، من دون أن نعرف ماذا يخطط الرئيس سعد الحريري من عودته، غير الإشراف على مكرمة المليار دولار السعودية الهادفة الى «دحر الإرهاب» عبر «دعم فوري» للجيش والقوى الأمنية، على ما أعلن الشيخ سعد في مؤتمره الصحافي الذي عقده في جدة يوم الأربعاء الماضي.
وبعيداً عن السياسة والسياسيين في المفهوم الأناني الضيّق، فإنّ اللبنانيين العاديين الطيبين ينظرون الى عودة رئيس الحكومة الأسبق بكثير من التفاؤل، وبكبير أمل ألاّ تكون عودة قصيرة، ولسان حالهم الآتي:
أولاً – عودة ميمونة شيخ سعد.
ثانياً – نرجوك، وبإلحاح، أن تتخذ القرارات الشجاعة، وما عودتك سوى دليل على أنك قادر عليها. وبالتالي أن تكسر هذا الجمود القاتل الذي شلّ لبنان ويمضي به الى نهاية محتومة. ومن ذلك:
أ – أن تحافظ على سلامتك. وهنا لا يملك أحد أن يملي عليك ما تفعل.
ب- أن تبادر الى إنفتاح كبير على الجميع… على الجميع من دون أي إستثناء.
ج – أنّ تفتح حواراً (ليس سواك من يقدر عليه) حول تمهيد طريق حقيقي لانتخابات رئاسة الجمهورية. بما يحفظ للمسيحيين دورهم ووجودهم. وهما دور ووجود معرضان للتلاشي. ودولتك أدرى بأن تلاشيهما يعني نهاية لبنان الذي إستشهد من أجله الوالد رحمه الله.
د – وأن يتكلل ذلك بالإجماع أو بشبه الإجماع… حتى ولو لم يكن كل محبيك وحلفائك مع قرار تاريخي تقتضيك مصلحة لبنان الإقدام عليه.
ثالثاً – يمكنك تمهيد الأجواء أمام إنتخابات نيابية لا تقوم على تعميق الخلافات و «حزّ السكين» في الجراح، بل تمهّد لمصالحة وطنية حقيقية يقدّر فيها كلّ منكم ظروف الآخر ليبنى على الإيجابيات مقتضاها تمهيداً لتجاوز التناقضات الكبرى.
رابعاً – الناس تعرف أنّ مفاتيح اللعبة ليست في يد الشيخ سعد وحده، وليست في أيدي اللبنانيين وحدهم، خصوصاً في هذه المنطقة التي تغلي فتنام على مأساة لتفيق على كارثة… ولكن الناس تعرف أن الرجال الرجال يبرزون في الأزمات.
والناس تعرف أكثر: ان لبنان في حاجة الى عملاقين آخرين يقتديان ببشارة الخوري ورياض الصلح.
وهنا القرار للشيخ سعد.
تكراراً : عودة ميمونة.