في غمرة الجمود في ملف الاستحقاق الرئاسي، وقبل 11 يوماً من انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، سجلت تطورات خارجية لافتة ينتظر أن تنعكس على مجمل الملفات في المنطقة ومن ضمنها لبنان، وهي: بدء جولة جديدة في الساعات المقبلة من المحادثات النووية بين طهران ومجموعة 1+5 وصفت بأنها مفصلية، اللقاء بين الرئيس الأميركي باراك اوباما ورئيس «الإئتلاف الوطني السوري» المعارض أحمد الجربا، محادثات وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل في جدّة مع المسؤولين السعوديين والتي تمحورت حول ملفّي ايران وسوريا، إعلان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل انّ بلاده دعت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارتها في أيّ وقت يراه مناسباً له للتفاوض، توجّه سعودي لرفع الحظر عن سفر رعاياها إلى لبنان نهاية الشهر الجاري في خطوة تأتي استكمالاً لعودة السفير علي عوّاض عسيري وتأليف الحكومة، وتؤشّر إلى اطمئنان سعودي للواقع اللبناني. وتوقّع المراقبون ان تطلق هذه التطورات المتسارعة دينامية جديدة إزاء معالجة الملفات اللبنانية والاقليمية المطروحة.
قبل يومين على جلسة الانتخابات الرئاسية الرابعة المقررة غداً، وقبل 11 يوماً على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، أعلن الفيصل أمس انّ بلاده دعت نظيره الإيراني محمد جواد ظريف لزيارتها «لكن هذه الزیارة لم تحسم بعد»، وأكد استعدادها لاستقبال ظريف في أي وقت يراه مناسباً له، وانها جاهزة «للتفاوض والحديث مع إيران».
وقال الفيصل: إن هناك رغبة في إعادة التواصل (مع ايران) وقد تمّ توجيه دعوة لوزير خارجية إيران لزيارة المملكة، ولكن هذه الزيارة لم تتحقق. وأمل في أن تساهم إيران في استقرار المنطقة ولا تكون جزءاً من مشكلة التدخل في المنطقة، وإيران جارة ولدينا علاقات معها ونتحدث معها ونأمل في إنهاء أيّ خلافات بين البلدين».
الاهتمام الداخلي
داخلياً، توزّع الاهتمام السياسي بين الجلستين التشريعية اليوم والانتخابية غداً في الوقت الذي سيشهد الشارع منازلة نقابية كبرى حول مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام بالتزامن مع مناقشة مجلس النواب هذا المشروع.
وعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«الجمهورية» ان لا جديد لديه في موضوع الاستحقاق الرئاسي، على مسافة الساعات الفاصلة عن جلسة الانتخاب غداً.
واضاف: «انّ المفاوضات مستمرة بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون، وما أسمعه من فريق العماد عون هو انّ التفاوض الى تقدّم، ولا اسمع في المقابل ما يعكس ذلك من تيار «المستقبل». ولذلك الى ان يتمّ التوصّل الى شيء ملموس استبعد ان يكتمل النصاب القانوني لجلسة الانتخاب».
ولاحظ بري «انّ البعض يحاول تقطيع الوقت حتى ما بعد 25 ايار الجاري، حيث تنتهي المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية، وذلك من اجل استدراج التدخل الخارجي في الاستحقاق الرئاسي. لكن ما اعرفه هو انّ ايران والسعودية واوروبا والولايات المتحدة الاميركية كلها تقول بإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية في المهلة الدستورية وليس لدى ايّ دولة من هذه الدول ايّ مرشح، وانها جاهزة لمساعدتنا لأنّ الاستحقاق هو شأن لبناني لكنني اخشى حصول هذا التدخل الخارجي بعد 25 أيار.
ورحّب بري بالحوار السعودي ـ الايراني المرتقب في ضوء دعوة الرياض وزير الخارجية الايرانية لزيارتها. وقال: «لقد دعونا طويلاً الى هذا الحوار وقد عملنا عليه وبذلنا من اجله جهوداً لدى المعنيّين».
«فرح» سليمان
الى ذلك وبعد الذي نُشر عن اقتراح تمديد ولايته، نفى سليمان أي علاقة له بهذا الامر. وغرّد عبر «تويتر» قائلاً: «إنّ الأحد 25 أيار يوم آخر بالنسبة إليّ»، و«لم أشهد مثيلاً له منذ عام وأنتظر مجيئه بفرح».
ميقاتي
من جهته، إستبعد الرئيس نجيب ميقاتي انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، ورأى أنّ «لبنان في وضع الانتظار حتى تنجلي كل الأمور في المنطقة»، واعتبر أنّ التمديد لسليمان يحتاج الى تعديل دستوري «وهذا التعديل مستحيل في الظرف الحالي».
تكتل «التغيير والاصلاح»
وأعلن تكتل «التغيير والاصلاح» أنّ موقفه الرافض تمديد ولاية رئيس الجمهورية لم يتغير، مؤكداً «أنّ التمديد يقتل الديموقراطية». وشدد بعد اجتماعه الأسبوعي على ضرورة حسم الخيارات قبل 25 أيار، أي قبل انتهاء المهلة الدستورية.
كتلة «المستقبل»
وشددت كتلة «المستقبل» على ضرورة انتخاب رئيس قبل انتهاء ولاية سليمان، ورفضت الشغور في موقع الرئاسة. وإذ اعلنت انها ما تزال تدعم ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، دعت فريق 8 آذار إلى إعلان مرشحه «من أجل خوض التنافس الانتخابي وحضور جلسات الانتخاب، لتلافي الوقوع في مطبّ الشغور».
الجميّل في بعبدا
وعشيّة الجلسة الانتخابية، تكثّف الحراك الرئاسي فزار رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل بعبدا، قبل اللقاء المنتظر مع بري.
ولفت الجميّل الى ان زيارته لسليمان جاءت بمثابة «مسعى للتحضير لربع الساعة الأخير معه ومع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لإنجاز الاستحقاق في موعده»، مؤكداً ان «لا خيار سوى الانتخاب».
وذكرت مصادر اطلعت على جوانب من اللقاء لـ«الجمهورية» انّ الجميّل يسعى بالتنسيق مع الراعي للقاء جديد للأقطاب الموارنة الأربعة قبل 25 الجاري، وقد تفاهم معه على ضرورة التحضير لهذه الخطوة في الأيام المقبلة بغية تأمين خرق في الإستحقاق الرئاسي عبر إحياء التفاهمات بين هذه الأقطاب.
وقالت المصادر انّ الراعي لم يمانع الفكرة، لا بل شجّع عليها لكنه رهن دعوته بإمكان التوصّل الى قرار واضح وصريح يؤدي الى انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، مشدداً على ان يحقق هذا اللقاء نتيجة عملية تفتح الآفاق الى منع الشغور في قصر بعبدا بعد 25 الجاري.
موقف الراعي
ومساء، قال الراعي في العشاء الذي أقيم في اختتام مؤتمر «مذكرة بكركي، مشروع وطن» في حضور سليمان، «إننا نجدّد التزامنا الوطني، أمام رئيس الجمهورية الذي وَحده بين جميع المسؤولين في لبنان «حلف بالله أنه يحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها، ويحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه»، وظلَّ وفياً لهذا القسم طيلة الأعوام الستة من عهده الذي ينتهي بعد 12 يوماً، وهذا الالتزام الوطني المشترك والمتجدد يقتضي منّا أن نضع نوّاب الأمة أمام واجبهم الوطني الخطير الذي يطالب ضميرهم المسؤول، أفراداً وكتلاً، بحكم الميثاق الوطني والدستور، أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية في موعده الحاسم، رئيساً ينطلق من حيث بلغ الرئيس سليمان بالبلاد إلى مكانة محترمة في الأسرتين العربية والدولية، وقد لاقت منهما الدعم والتأييد».
وأعلن الراعي رفضه «المطلق الفراغ في سدة الرئاسة، لأنه يُقصي المكوّن المسيحي عن السلطة الميثاقية ولَو ليوم واحد، ويعطّل الدستور»، محمّلاً «نتائجه التاريخية الوخيمة» الى المتسبّبين به، معتبراً أن «كرامة لبنان واللبنانيين تأبى بكل شدة أن ترى أبواب القصر الجمهوري مقفلة في 25 أيار، بعد مسيرة ستة أعوام شرّعت أبوابه وحمى الرئيس السيادة والاستقلال، والميثاق والدستور، وزرع في القلوب الرجاء بمستقبل أفضل. فلا يحقّ ولا يليق بالمجلس النيابي أن يخذل ثقة الشعب الذي وكّله، ويحطم آماله، بداعي نزاع القوى التي تشلّ الدولة من جرّاء لعبة المحاور الإقليمية».
وأعلن الراعي «أنّ بطاركتنا تعاونوا مع رجال قادة حقّقوا الآمال ووصلوا بلبنان إلى تكوينه وعزته وازدهاره، وإلى خصوصيته ونموذجيته ورسالته، في الأسرتين العربية والدولية. واليوم أمام واقعنا المتقهقر على كلّ صعيد، نتساءل مع أحد المفكرين وكتّاب التاريخ: «هل انتهى عهد الكبار؟».
منازلة الشارع
ومع حلول «يوم الغضب» الذي دعت اليه «هيئة التنسيق النقابية» اليوم رداً على تقرير اللجنة النيابية حول مشروع سلسلة الرتب والرواتب، تكثفت الاجتماعات السياسية أمس، عشيّة الجلسة النيابية، لإعلان المواقف من المشاريع المطروحة.
موقف بري
واكد بري انّ مجلس النواب سيناقش في جلسته اليوم السلسلة بنداً بنداً و«سنبذل كل الجهود لإنجازها في هذه الجلسة التي ستنعقد على مرحلتين: قبل الظهر ومساء. ولن أتردد في الاستمرار فيها حتى منتصف الليل اذا اقتضى الامر. امّا اذا لم تنجز فإنني سأدعو الى جلسة بعد 25 ايار الجاري، ومع انني استطيع ان ادعو الى جلسة قبل هذا التاريخ، لكنني لا اريد فتح باب جديد من الجدل حول هذا الموضوع في الايام العشرة الأخيرة من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية».
وكشف بري «انّ المشكلة الاساسية في السلسلة تكمن في سلسلة العسكريين والمعلمين، مع العلم انّ هناك نقاطاً مشتركة متّفق عليها حول الاصلاحات وحول عدد من البنود ومعظم الإيرادات».
واكد انه وكتلته يرفضان زيادة الـواحد في المئة على الضريبة على القيمة المضافة، مشيراً الى انّ هناك «محاولات تمييع في موضوع الغرامات على الاملاك البحرية وانني أرفض هذه المحاولات».
واكد انّ مصير جلسة اليوم «متوقّف على ان يتحمّل كلّ واحد من النواب الآخر من أجل الوصول الى نتيجة». وقال: «انني غير معنيّ بممارسة ضغوط الشارع على مجلس النواب، وانني حريص على القيام بما يمليه عليّ ضميري وواجبي».
وفيما كان «حزب الله» قد أعلن بلسان وزير التنمية الادارية محمد فنيش انّ هناك ثلاثة مشاريع ستكون مطروحة في الجلسة النيابية، ألمحت كتلة «التنمية والتحرير» التي اجتمعت برئاسة بري، الى رفضها فرض ضرائب على الفقراء. وشاطرتها هذا الموقف المبدئي كتلة «التغيير والاصلاح» التي اعتبرت أنّ «الخفض غير المدروس في حق العسكر يجب ان يصحّح، ونحن نرفض إلغاء الدرجات الست للأساتذة، ونأمل في أن ينتهي مسلسل السلسلة». ودعت كتلة «المستقبل» الهيئة العامة للمجلس الى العمل على اقرار السلسلة، مشددة على انّ «إقرار السلسلة ينبغي ان يترافق مع تنفيذ سلّة متكاملة من الإجراءات الإصلاحية».
وتؤشر هذه المواقف الى صعوبة الوصول الى اتفاق اليوم، خصوصاً انّ تقرير اللجنة النيابية يوصي بفرض ضرائب، ستتحمّل الطبقة الفقيرة جزءاً منها.
تظاهرة حاشدة
على صعيد الحشد من اجل تظاهرة اليوم، دعت اطراف كثيرة الى المشاركة في الاعتصامات والتظاهر، وكان لافتاً إعلان التعبئة التربوية في «حزب الله» دعمها وتأييدها تحرّك «هيئة التنسيق النقابية»، داعية الى التزام الإضراب العام والشامل الذي دعت إليه، ويتوقّع ان تكون التظاهرة اليوم حاشدة.
وتساءل الامين العام للمدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار في حديث مع «الجمهورية»: «لماذا سَرّب الرئيس نبيه بري نسخة من صيغة المشروع الى هيئة التنسيق وحدها من دون إعطائها الى الافرقاء الآخرين المعنيّين بالملف؟». وتساءل أيضاً: «مَن يقف وراء هذه التظاهرات والتحركات في القطاع التعليمي؟» (تفاصيل ص 11).
وكانت إضرابات «هيئة التنسيق» النقابية وتظاهراتها قد تواصلت امس. وقد احتشد المتظاهرون أمام مبنى وزارة الاعلام في الصنائع وقبالة مصرف لبنان. وألقى حنا غريب كلمة في الاعتصام اعتبر فيها أن ما «أقرّ في هذا المشروع هو انقلاب فعليّ على وظيفة الدولة اللبنانية، كدولة للرعاية الإجتماعية عبر إلغاء نظام الوظيفة العامة في لبنان ونقله الى نظام التعاقد الوظيفي». وقال: «نعدكم بانتفاضة شعبية غداً (اليوم)، ازحفوا الى بيروت، الى جمعية المصارف ليكُن هدير أصواتكم عالياً ومسموعاً. فلبناننا الأبيض الذي نبنيه بآلامنا مغاير للبنانكم، يوم الأربعاء سيكون الإمتحان للسلطة السياسية فإمّا أن تحكم بالعدل أو تكون «مجموعة حرامية».
بدوره، دعا نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض الى «الإضراب اليوم في كل المدارس الخاصة، تنفيذاً لقرار مجلس النقابة، ولتوصية هيئة التنسيق النقابية، وذلك استنكاراً لمشروع اللجنة النيابية حول سلسلة الرتب والرواتب الذي ضرب حقوق المعلمين، وألغى الدرجات الست، وكأنّ المقصود هو معاقبة المعلمين بالتحديد وهيئاتهم النقابية على مواقفهم الصلبة في هيئة التنسيق». واشار الى «انّ المشاركة الواسعة اليوم، في يوم الغضب، إضراباً وتظاهراً لمعلّمي المدارس الخاصة، هي الردّ العملي على مشروع اللجنة النيابية الأسوأ منذ 3 سنوات». وأضاف:»انّ الـ 100 الف متظاهر اليوم في شوارع بيروت وحول البرلمان احتشدوا للقول لنوّاب الامة «أنتم تمثّلون مَن؟ أنتم في واد والناس في واد آخر؟ الحساب بيننا سيكون عسيراً، وستتحملون نتيجة عدم إنهاء العام الدراسي، وعدم إجراء الامتحانات الرسمية وكلّ الخطوات التصعيدية الأخرى».