بين «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» دخلت الدولة اللبنانية في نفق بازار المفاوضات الشاقة مع المسلحين الإرهابيين الذين يتقاسمون خط العسكريين اللبنانيين الذين قاموا بالإحتفاظ بهم ضمن الصفقة المريبة التي جرت في كواليس الأروقة المغلقة بمسعى من «هيئة العلماء المسلمين» التي تتولى حاليا نقل المطالب والشروط وأفلام الفيديو للجنود بين المسلحين وبين المرجعيات السياسية والعسكرية في الدولة اللبنانية التي بحسب مصادر واسعة الإطلاع حتى هذه اللحظة ليس لديها رؤية أو استراتيجية محددة لهذا الملف الذي يحتاج بحسب المتابعين إلى خبرة ومناقبية وحسن إدارة مدير الأمن العام عباس ابراهيم كي يصل بخواتيمه إلى النهاية السعيدة المرجوة وذلك على النحو الذي انتهى إليه ملف مخطوفي اعزاز.
ولا تستبعد المصادر خلال الأيام القليلة المقبلة وبعد بلورة الخطوط العريضة لمطالب الخاطفين ان يكون هناك اتجاه في الدولة اللبنانية نحو تكليف مدير الأمن العام عباس ابراهيم لمتابعة ومواكبة هذا الملف الدقيق بكافة خلفياته وأبعاده وتعقيداته السياسية والأمنية.
الأوساط أشارت الى أن اخفاق الحكومة في هذا الملف سيشكل انتكاسة على الوضع العام في البلاد التي لا تزال رازحة تحت وطاة الفراغ الرئاسي والتي لا تزال تعيش في ظل هشاشة الأوضاع الداخلية في ظل مرحلة خطيرة ودقيقة يمر بها لبنان ومحيطه وجواره خصوصا نتيجة الأوضاع المشتعلة في سوريا والعراق والتي تدل جميع مؤشراتها بأنها مستمرة لفترات طويلة لا يعلم أحد مداها…بحيث أن مسالة تفاوض المسؤولين اللبنانيين مع المسلحين لا تحتمل أبدا أي خطوات ناقصة في مسألة التعاطي والتفاوص مع المسلحين الإرهابيين الذين اعتدوا على السيادة الوطنية في عرسال كون هذا الأمر سيكون له تداعيات سلبية على الكثير من الملفات والإستحقاقات المطلوب من هذه الحكومة معالجتها وانجازها على النحو الذي يعيد هيبة الدولة إلى السكة الصحيحة في الحرب على الإرهاب التي يخوضها الجيش اللبناني والقوى الأمنية، فهذه الحرب بمخاطرها الكبيرة على أمن واستقرار لبنان وسلمه الأهلي ووحدته الوطنية تقتضي من جميع المسؤولين في البلد الإرتقاء في تحمل مسؤولياتهم إلى مستوى التحديات وهذا الأمر يبدأ من خلال توفير كافة الأطراف والقوى السياسية الغطاء السياسي الكامل للدولة اللبنانية في مساعيها الرامية إلى اطلاق العسكريين المخطوفين وبطبيعة الحال أن هذه المساعي سوف تتطلب من الدولة اللبنانية دون أي أي تأخير وبعيدا عن حسابات تسجيل النقاط السياسية في هذا الملف الدخول في عملية تفاوض مع قيادات المسلحين الإرهابيين الموجودة في سوريا والعراق ومع الدول الإقليمية التي ترعاها في المنطقة من أجل الوصول إلى الهدف المنشود المتمثل بتحرير العسكريين المخطوفين وعودتهم سالمين إلى ربوع الوطن باسرع وقت ممكن.
إلى ذلك، أكدت مصادر وسطية مطلعة بأن تداعيات الوضع الأمني في لبنان بعد معركة عرسال دخل مرحلة الإنتظار وما الإجتماعات التي تعقد في الخارج والداخل للأطراف المحلية بمواكبة دولية – إقليمية من القوى الكبرى المعنية بالملف اللبناني إلا محاولات لبلورة خريطة طريق للوضع في لبنان خلال المرحلة المقبلة التي يجري التحضير لها من دون أن يتم التوافق على جميع بنودها وتفاصيلها. مشيرة الى ان هذه التسوية يتم العمل عليها بهدوء وبعيدا عن الأضواء، ومن يتابع بدقة حراك بعض المسؤولين في لبنان والخارج يدرك بان ثمة شيئاً يحضر في هذا المجال، وذلك انطلاقا من الحائط المسدود التي وصلت إليها الأمور في الداخل اللبناني. خصوصا بعد أن أصبح واضحا بأن موضوع التمديد لمجلس النواب بات أمراً محسوماً محليا وخارجيا وذلك على وقع انسداد آفاق امكانية التسوية في ملف الإستحقاق الرئاسي الذي لم تعد المعركة الضروس الدائرة بخصوصه محصورة في الساحة المارونية التي فقدت قدرتها ودورها في التأثير على انجاز الإستحقاق الرئاسي وذلك بفعل تراكم أخطاء إدارة وقيادة زعمائها لشؤون المسيحيين في لبنان خصوصا أن هؤلاء الزعماء يتعاطون مع ملف الإستحقاق الرئاسي بآنية مطلقة لا تأخذ في الإعتبار أبدا الخطر الداهم الذي يتهدد جميع المسيحيين على مساحة كل منطقة الشرق الأوسط وبطبيعة الحال فأن مسيحيي لبنان هم ليسوا بمأمن من هذا الخطر وأن بدا اليوم وكأن هذا الخطر عليهم لا يزال بعيدا. وعليه، فإن المعالجات الجذرية لأحداث عرسال وغيرها من الأحداث الأمنية ستنتظر ما سينتج عن الحراك الإقليمي والمحلي من نتائج بشأن الإستحقاق الرئاسي الذي هناك ضبابية تلف انجازه والذي لا يبدو بأنه سيتم في المدى المنظور، ما يعني بأن ما تشهده بعض المناطق اللبنانية من أحداث امنية مرتبطة بازمة الإرهاب التكفيري المنتشر في سوريا والعراق وانعكاساتها على الوضع اللبناني ستبقى معالجاتها الجذرية معلقة بانتظار الظروف والمواقف الإقليمية الملائمة التي ستؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولفتت المصادر الى أن معركة رئاسة الجمهورية التي بدأت في لبنان مع الاحصنة المارونية الأربعة أي مع أسم كل من الرئيس امين الجميل والعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والوزير سليمان فرنجية، اضافة الى وجود مرشحين آخرين لم يعلنوا عن انفسهم، باتت معركة غامضة ومفتوحة على كل الإحتمالات كون المعركة الرئاسية الحقيقية والفعلية باتت مرهونة بتطور الأحداث المتسارعة عسكريا وسياسيا على كل الساحات المشتعلة في المنطقة عموما وفي سوريا والعراق خصوصا، وطالما أن الأمر كذلك فأن الكلمة الفصل المحلية في الداخل اللبناني في ملف الإستحقاق الرئاسي باتت أولا وأخير للمكون الاسلامي بجناحيه السني ـ الشيعي، ما يعني بأن أي تسوية في ملف الإستحقاق الرئاسي لا بد أن تأتي ضمن إطار مراعاة الدور السني والشيعي في لبنان وبصورة أوضح فأن أي رئيس جديد للجمهورية يجب أن تكون مواصفاته لا تشكل استفزازا لكل من الطائفة السنية أو الطائفة الشيعية وبما أن وصول الدكتور سمير جعجع إلى رئاسة الجمهورية لا يحظى بقبول جمهور الطائفة الشيعية وقيادتها السياسية وطالما أن وضع العماد ميشال عون هو مماثل لوضع الحكيم بالنسبة لجمهور الطائفة السنية وقيادتها فأن كلاً من عون وجعجع سيكونان خارج أي تسوية محلية وإقليمية ـ دولية جدية بشأن انهاء حالة الفراغ الرئاسية في لبنان.