… أخيراً، أضاف النظام السوري “الدولة الاسلامية” الى لائحة أهدافه. نحّى براميله المتفجرة جانباً وأخرج صواريخه الموجّهة. حوّل “عاصمة الخلافة” ومعاقل أخرى للتنظيم هدفا لغارات هي الاكثر كثافة على هؤلاء المقاتلين منذ دخولهم على خط الازمة السورية ربيع 2013.
يبدو أن النظام أدرك أخيرا أن خططه حيال “الدولة الاسلامية” لم تعد مجدية. فبعدما غض الطرف عنها طويلا، باتت تمثل تهديدا له. استهدفت قواعده المعزولة في الشمال وقتلت جنوده ونكلت بهم. لم يعد قادرا على التفرج عليها تضرب المعارضات الاخرى، بعدما صارت تهدد مكتسباته وخصوصا في حلب.
غير أن النظام، الذي يتقن تحيّن الفرص، يسعى هذه المرة ايضاً الى ضرب الحديد حاميا. يستغل التدخل الاميركي الطارئ في العراق لتوقيت ضرباته، محاولا تعزيز محاربته المعلنة للارهاب في سوريا عله يفرض نفسه شريكا للغرب في مواجهة تهديد هذا التنظيم الذي تجاوزت ممارساته حدود العقل والمنطق.
بعد طي صفحة السلاح الكيميائي، يحاول الرئيس الاسد استعادة شرعية دولية عبر “حرب على الارهاب” طالما رفع شعارها عندما كان يقصف قراه ومدنه ومواطنيه. ولعل ما يشجعه على هذه المغامرة غياب أي نيات معلنة لواشنطن لتوسيع ضرباتها من العراق الى سوريا. ولن تُخفى عليه أيضاً الاصوات التي ترتفع في واشنطن وغيرها تطالب بتنسيق أميركي – سوري لمحاربة داعش.
في تصوّر للجهة التي يمكن أن تواجه هذا الخطر الاسلامي، يرى الباحث في مؤسسة الرأي “راند كوربوريشن” وليم يونغ أن لا دولة عربية مستعدة للتدخل وحدها أو بالتعاون مع دول أخرى لوقف “داعش”. وإذا كانت طهران قادرة على وقف طموحات التنظيم الى التمدد جنوب بغداد وشرقها، فإن القوات العراقية أخفقت في اظهار القدرة على الحفاظ على الارض، وسط هجمات مستمرة تضيق الخناق على العاصمة. وفي رأيه أيضاً أن الجيش اللبناني بمساعدة “حزب الله” قد يكون قادراً على حماية الحدود مع سوريا، والجيش الاردني يمكن أن يصد توسع الخلافة في اتجاه المملكة. غير أن التحدي الاكبر لهاتين الدولتين الصغيرتين يكمن في محاربة التهديد الداخلي فيهما، مع اكتساب “الدولة الاسلامية” مزيدا من التعاطف والمتحمسين من خلال حملاتها الاعلامية وقدرتها على ادارة المناطق التي تسيطر عليها.
يصيب الباحث في تشخيصه أن وقف تقدم “داعش” يوجب على أميركا وحلفائها معالجة مصدر المشكلة، الا وهو الازمة السورية. غير أن السلام مع الاسد، وهو ما بات بعض الباحثين والخبراء الاميركيين يدعون اليه علناً، سبيلاً للقضاء على “الدولة الاسلامية”، لن يكون في أحسن الاحوال الا عودة الى المربع الاول. وبعد كل الدماء التي اريقت في السنوات الثلاث ونيف الاخيرة، لن يكون مستغربا أن يتحول عندها كل سوري “داعشا” ويخرج بدل البغدادي ألف.