Site icon IMLebanon

السوريون يتغلغلون في كسروان… خوف من هزّات على أبواب العاصمة

إستفاقت الدولة اللبنانية متأخّرة على أزمة الإنفلاش السوري على مختلف الأراضي اللبنانية، حيث لم تَسلم أيّ منطقة منه، حتى أنّ كسروان البعيدة عن الحدود اللبنانية – السوريّة ناهزَ عدد النازحين في بعض بلداتها عدد سكانها الأصليّين، فباتَ «الغريب أكثرية».

تغلغل السوريّون في ساحل كسروان ووسطها وجردها، وتفشّوا كبقعة الزيت. إستأجروا الشقق السكنية، إخترقوا الطوابق، تمركزوا في المدن والبلدات، ملأوا «كاراجات» الأبنية والمستودعات، فأصبح وجودهم يُشكّل خطورة زائدة، لأنّه لم يأخذ شكل تجمّعات للنازحين أو خيماً مثل البقاع والشمال، وليس محصوراً في بقعة جغرافية واحدة يَسهل مراقبتها، بل إنّ الانتشار في عاصمة الموارنة أصبح في البيت، والخوف بات من أن يحتلّه لاحقاً.

تجارب لا تُنسى

لا ينسى من عاش الحرب الأهلية من الكسروانيين، مخيّم الضبية للاجئين الفلسطينيين الرابض على بوابة نهر الكلب، حيث كان الخاصرة الرخوة والاختراق الأكبر لعمق المناطق المسيحيّة إبّان الحرب. منه كانت تنطلق العصابات التي تحتمي بحركة «فتح» لزعزعة أمن كسروان، ومنه كانت تُطلق رصاصات القنص على رؤوس الكسروانيّين الذين يعبرون أوتوستراد نهر الكلب باتجاه عاصمتهم بيروت.

وحالياً، تعود المخاوف ذاتها بعد أحداث عرسال وخروج المسلّحين من المخيّمات لمحاربة الجيش اللبناني. لذلك، لا بدّ من طرح قضية النازحين السوريين في لبنان عموماً وفي كسروان خصوصاً أو من ينتشرون تحت هذا الستار، فلا فرق بين سوريّ يخرج من خيمة فقيرة في عرسال ليقاتل الجيش ويزعزع الإستقرار، وبين سوري آخر يخرج من شقة فخمة في الكسليك أو أدما أو كفرذبيان، بل إنّ هذا النوع أخطر، لأنّ عرسال منطقة تقع في الأطراف، بينما كسروان هي قلب البلد، وأيّ تحرّك مسلّح يقطّع أوصال الوطن، ويصبح العدوّ على أبواب بيروت.

70 ألف سوري

تغيب الأرقام الرسمية للنازحين في كسروان، بينما تشير تقديرات اللجان المحلية والبلديات الى وجود أكثر من 70 ألف سوري على الأقل يتوزّعون في مختلف نواحي القضاء، وهم ينقسمون الى فئات عدّة، أبرزها:

– السوريون الذين كانوا موجودين سابقاً ومعظمهم من العمّال.

– عمّال ورش البناء، وهؤلاء ممّن كانوا يستأجرون غرفاً، من ثمّ استدعوا عائلاتهم.

– عمّال المطاعم والملاهي الليلية، وهؤلاء من الشباب، وقد تمّ تشغيلهم على حساب الشباب اللبناني.

– النازحون الذين قصدوا كسروان ومعظمهم استأجر شققاً ومنازل، وهم من مختلف الطوائف والطبقات الإجتماعية، بينهم فئة لا يستهان بها موالية لنظام الرئيس بشار الاسد، حيث وجَدت في كسروان ملاذاً يبعدها عن انتقام المناطق السنيّة على أساس سياسي، والمناطق الشيعية على أساس طائفي، وعدد كبير منهم انتَخب في السفارة السورية ويعيشون على المساعدات التي تُقدّمها الهيئات الدولية.

الساحل

لم تقبل جونية بترك أخواتها من المدن الساحلية كبيروت وطرابلس وجبيل وصيدا وحيدة في معركة التضخم النزوحي، فسجّلت أعلى نسبة استقطاب للسوريين، ومَن لا يصدّق فليسأل شققها ومطاعمها وورشها، حيث بات إبن المدينة بلا عمل وحلّ مكانه «الغريب»، في وقت يحاول ساحل كسروان حصر الإنفلاش السوري قدر الإمكان والحفاظ على الصورة الحضارية له، على رغم كثافة النزوح.

وفي هذا السياق، يقول رئيس بلدية الزوق ورئيس اتحاد بلديات كسروان – الفتوح نهاد نوفل لـ»الجمهورية» إنّ «البلدية أجرَت مسحاً أظهر وجود 1000 نازح في الزوق»، لافتاً الى «الاستنفار لمعالجة الموضوع أمنياً، وبالتنسيق مع الاجهزة الأمنية، حيث نُحصي باستمرار، ونراقب عمل السوريين وتحرّكاتهم وعلاقاتهم مع الأطراف كافة، وإذا ما كانوا يقومون بنشاط سياسي أو أيّ حركة مشبوهة».

وفي وقت تغيب المخيمات في الزوق، يشير نوفل الى أنّ «السوريّين في كسروان يفوقون الخمسين ألفاً»، نافياً في الوقت نفسه «اتخاذ إجراءات جماعية من اتحاد البلديات لدفع السوريين الى مغادرة المنطقة».

لا تَكفي الإجراءات التي تُنفّذها البلديات لمعالجة تفشّي ظاهرة السوريين، إذ إنّ التنظيم يقع على عاتق أجهزة الدولة بعدما اتخذ مجلس الوزراء واللجنة الوزارية المكلّفة معالجة ملف النازحين إجراءات صارمة للحدّ من النزوح، لم تعطِ حتى الساعة مفاعيلها، فالسوري الذي كان يعيش في حرمان وتضييق وكَبت، وجَد في جونية وجبل لبنان متنفّساً طالما حلم به، ويبدو أنّه لن يحصل عليه في سوريا قريباً.

وتتابع بلديات الساحل خطواتها، حيث يكشف رئيس بلدية أدما طانيوس شهوان لـ»الجمهورية» أنه «طلب من أجهزة الدولة إجراء مسح في نطاق بلديته لمعرفة أعداد السوريين، والقضية تحتاج أسبوعين، وفي هذا الوقت نبذل ما في وسعنا لضبط النزوح ومراقبته».

الى الجرد

من الساحل الى جرد كسروان، الإنتشار السوري نفسه. فمَن كان يملك «خربة» رمَّمها وأجَّرها، مع تسجيل ارتفاع في إيجارات المنازل، حيث لم يعد الكسرواني الذي لا يملك منزلاً، قادراً على الاستئجار في منطقته.

ويبدو أنّ القرارات التي اتخذتها الحكومة لجهة عدم السماح للنازح الذي يدخل سوريا بالعودة الى لبنان، قد أعطت نتائجها ولَو قليلاً في عجلتون، التي يوضِح رئيس بلديتها كلوفيس الخازن لـ»الجمهورية» أنّ «عدد النازحين بلغ 1200، لكنه هبط الى 700 بعد عيد الفطر لأنّ عدداً كبيراً من العائلات ذهب الى سوريا ولم يُسمح له بالعودة»، لافتاً الى أنّ «البلدية وضَعت جميع السوريين الذين يعملون في الورَش تحت المراقبة اللصيقة، فيما تتناوب الشرطة على الحرس وتنظيم الدوريات، ونعطي التصاريح لكلّ سوري يدخل البلدة».

تبرز في عجلتون مسألة تحميل المواطنين مسؤولية ضبط الوضع وإشراكهم في حلّ هذه المشكلة الوطنية، ويكشف الخازن أنّ «البلدية وضعت يافطات تمنع التجوال لكنها نزعتها، لأنني عندما انتُخبت وقّع أصحاب الورش والمهندسون ورقة تعهّد بأن يتحمّلوا مسؤولية السوريين ويمنعوا تجوالهم بعد الساعة الثامنة مساء، وأيّ مخالفة او إخلال يُحَمَّل لأصحاب الورَش، وبذلك نكون قد أدخلنا أبناء البلدة في تحمّل المسؤولية»، مؤكداً أنّه «لن يقوم بأيّ خطوة لطرد السوريّين، لأنّ ذلك مخالف لأبسط قواعد حقوق الإنسان، ونحن نلتزم القانون، وفي كلّ مرة نسلّم اللوائح الى الاجهزة، علماً أنّ الموجودين لدينا هم من العمّال والمستأجرين»، لافتاً الى «أننا «نقوم بكَبسات» على الورش، وأصحاب البيوت يراقبون ساكنيها».

حاجة داخلية

عدا عن عدم رغبة السوريين في العودة الى بلادهم، يحتاج اللبنانيون الى قسم منهم في الأعمال، إضافة الى أنهم يستفيدون منهم في تأجير منازلهم، متناسين أن هذا الامر يؤمّن كسباً مادياً قصير الأمد، قد يتحوّل احتلالاً او مشكلة مثل أزمة اللاجئين الفلسطينيين. فمَن يربح الآن إيجار منزل قد يخسر الوطن في المستقبل.

«شغلنا الشاغل بات مراقبة السوريّين الذين لا نستطيع التضييق عليهم كفاية لأنّ الاهالي يحتاجون الى قسم منهم». بهذه العبارة يشرح رئيس بلدية كفرذبيان جان عقيقي حجم المشكلة، لافتاً الى أنّ «العدد وصل في البلدة بحسب المَسح الرسمي الى 4000 سوري، تعمل نسبة كبيرة منهم في الورش وبساتين التفاح، لكن لا أحد منهم يسكن في خيمة بل جميعهم يَستأجرون غرفاً».

ويؤكّد عقيقي أنّ «الشرطة البلدية تتناوَب على الحراسة وتؤازر الاجهزة الامنية في عملها، وعلى الذين يشغلونهم تقديم تقارير عن تحرّكاتهم. فالذي يغيب اكثر من يومين يُسلّم الى الأجهزة لمساءلته، فيما منَعنا كل الدراجات النارية غير المسجّلة».

ويلفت الى أنّ «النزوح زاد هذا العام، بسبب مجيء عائلات العاملين، وقد أصدَرنا قراراً لا يَسمح لأكثر من 3 أو 4 أشخاص بالسكن في الغرفة». ويؤكّد أنّ «عددهم سيقلّ في فصل الشتاء وسينزلون الى الساحل، وقد حاولنا فرض الرسوم على المستأجرين، لكنّ وزارة الداخلية منعتنا بعد حادثة الشويفات».

الخطف

الى ذلك، يؤكد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ «منطقة كسروان، وخصوصاً الساحل، تخضع لمراقبة شديدة وتدقيق من الاجهزة الأمنية، نظراً إلى وجود عدد كبير من الاجانب في ملاهيها.

ولذلك، تمّ اتخاذ إجراءات وقائية لمنع أي عملية خطف محتملة»، ملاحظاً أنّ «نسبة الجريمة ارتفعت بمعدل 40 في المئة بعد الانفلاش السوري، لكنّ الوضع تحت السيطرة، لغياب الرابط بين كسروان والحدود، والعمل جارٍ على تفكيك العصابات في أماكن وجودها»، لافتاً الى «عمليات الدهم المستمرة».

في المحصّلة، يبدأ القرار بالدولة ومن ثم البلديات، لكن المسؤولية الاكبر تقع على عاتق المواطنين وتجنّب الانجرار وراء الطمع الرخيص، فالبلد لم يعد لأهله وسط تخاذل المجتمع الدولي عن تحمّل مسؤولياته وإنقاذ لبنان من هذه الكارثة.