Site icon IMLebanon

الصمت المريب

كأن المشهد من قرون سابقة. غزو يتبعه سبي واقتلاع وتهجير فئة من الناس لمجرد انتمائها الى دين او طائفة او عرق يرفضه الغازي، بعد حرمانها ممتلكاتها. روايات الشهود العيان وتقارير المراسلين القليلة ترسم صورة أولية عن معاناة مسيحيي الموصل في العراق، بعد سقوط هذه المدينة العريقة في أيدي البرابرة الجدد المعروفين باسم “داعش” او “الدولة الاسلامية”. نازحون في تيه جديد لا يعرفون الى أين سيصلون. رجال ونساء واطفال يمشون تحت شمس حارقة لا ترحم مثل معذبيهم، بعدما حرموا كل ما يملكونه في هذا العالم الا ملابسهم، وحتى الاطفال حرموا لعبهم.

اللاجئون والمقتلعون لا يعودون عادة الى ديارهم. أسأل الارمن، والفلسطينيين واليهود، و… هجرة او تهجير المسيحيين من الشرق الاوسط هي كارثة حضارية. الفسيفساء البشري الذي تميزت به في السابق مدن وعواصم عربية ومتوسطية، من بغداد الى حلب ودمشق، من سميرنا (تركيا) الى بيروت والاسكندرية والقاهرة، هو من ابرز الاسباب التي جعلت هذه المدن مراكز للعلم والفنون والتجارة والتفاعل بين الثقافات. مصر لم تتعاف حتى الآن ثقافيا واقتصاديا لأنها حرمت نفسها سكانها اليونانيين والايطاليين واليهود والارمن واللبنانيين والسوريين الذين لجأوا اليها في القرن التاسع عشر.

البطريرك لويس ساكو، لخص المأساة بقوله: “للمرة الاولى في التاريخ، الموصل خالية من المسيحيين”. مسيحيو سوريا ولبنان وفلسطين والعراق ومصر، هم احفاد المسيحيين الاوائل. الكنيسة الاولى أسست في انطاكية، التي كانت حتى ثلاثينات القرن الماضي مدينة سورية.

بشاعة هذا المشهد تزداد فضائحية حين ندرك عمق وفداحة الصمت العربي والعالمي. هناك مسؤولية اخلاقية اميركية عن مأساة المسيحيين العراقيين، لأن الغزو الاميركي ساهم في اطلاق وحوش الطائفية والمذهبية والعنف الذي استهدف اساقفة المسيحيين وكنائسهم حتى عندما كان لاميركا عشرات الآلاف من الجنود في العراق. وزارة الخارجية اصدرت بعض البيانات، لكن اوباما لم ينطق بكلمة.

الاسوأ هو الصمت العربي. ترى هل اوصلنا العنف المروع والانحطاط الاخلاقي والسياسي الذي يعصف بسوريا والعراق وحتى بلبنان، ناهيك بليبيا واليمن، الى درجة جعلتنا نفقد احساسنا وكأننا مخدرون؟ نسأل أين الازهر؟ أين العلماء والمثقفون المسلمون؟ لن نسأل أين جامعة الدول العربية، او منظمة المؤتمر الاسلامي لان هاتين المنظمتين تهتمان فقط بادانة الغرب واسرائيل ولا صوت لها عندما يذبح بعض المسلمين مسلمين آخرين، او يمارسون العنف ضد المسيحيين من باكستان الى العراق وحتى مصر. عندما يصير المشرق العربي خاليا من المسيحيين والاقليات الاخرى، سوف تصير الصحراء في قلوب من صمت على تهجيرهم.