الهجوم «الداعشي» على لبنان هو جزء من محاولة اجتياح هذا التنظيم الارهابي للفضاء وللارض العربية المشرقية، اذ لا يوجد بلد واحد في هذه المنطقة مستثنى من تداعيات ونتائج شروره، هذا ما تقوله مراجع متابعة لحركة الارهابيين، التي تؤكد ان المقصود بـ«الاجتياح للفضاء والارض»، الترويج السافر والوقح لهذا التنظيم المتطرف ولباقي التشكيلات المتطرفة الاخرى المنضوية في لواء التنظيم المنافس «القاعدة» من قبل بعض الفضائيات العربية والاجنبية ايضا، وتبرير جرائمه التي يرتكبها تزويرا تحت راية «لا اله الا الله».
وسألت المراجع لماذا هذا الانفلاش المفاجئ لـ«داعش» في العراق بعد دير الزور السورية؟ ولماذا هذه الازدواجية الواضحة والمفضوحة في تعاطي بعض الدول معه… انه مرفوض وملعون في سوريا، ومقبول ومغطى ومدعوم في العراق.
ولعل النكتة السمجة التي نسمعها من هذه الفضائيات وعلى لسان مسؤولي هذه الدول ان ما حصل في الموصل ومناطق عراقية اخرى هو «ثورة اهلها». مع العلم تشير المراجع الى ان معظم هؤلاء صاروا خارج ديارهم وبلداتهم وقراهم بفعل التهجير القسري والفضائح التي ارتكبها ويرتكبها هذا التنظيم الارهابي.
وفي رأي مراجع مطلعة ان هناك اسبابا عديدة ادت الى هذا «الاجتياح الداعشي» لمساحات واسعة في العراق ابرزها:
1- فشل الرهان على مسلحي «القاعدة» في المرحلة الاولى من الحرب على الحكومة العراقية، لا سيما في الرمادي.
2- ايقنت الدول التي تدعم المعارضة السورية فشلها في النيل من القيادة والشعب السوريين بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوري، ونجاح الانتخابات الرئاسية بالتجديد الشعبي الكاسح للرئيس الاسد.
وهذا الواقع جعل الدول المذكور تقول المراجع تنصرف الى محاولة فتح حرب جديدة واسعة على جبهة اخرى هي العراق في محاولة لضرب «عصفورين بحجر واحد» : الاول اضعاف وضرب الحكومة المركزية العراقية وخلق دويلة ذات غالبية سنية تمتد من الموصل الى الانبار وتخوم بغداد، والثاني محاولة الضغط مجددا على سوريا عبر السيطرة على المعابر مع العراق.
3- محاولة قطع او ضرب ما يسمى بالهلال الشيعي الممتد من ايران الى لبنان مرورا بالعراق وسوريا.
4- السعي الى تقسيم العراق بعد فشل احتواء النظام العراقي وتدجينه بل وتجنيده ضد سوريا قيادة وشعبا وجيشا.
من هنا، حسب المراجع يأتي الجواب على السؤال الثاني المتعلق باسباب وخلفيات الازدواجية في تعاطي بعض الدول، مع ظاهرة تنظيم «داعش». فاذا كان هذا التنظيم قد شكل الدور المنافس والخطر على التشكيلات المتطرفة الاخرى التي تسبح في بحر «القاعدة» والتي تتحالف مع بقايا ما يسمى بالمعارضة المعتدلة في سوريا فانه لعب ويلعب في العراق الدور البديل الناجح للدور الذي حاولت ان تلعبه مجموعات «القاعدة» سابقا، وهذا السبب الذي جعل دولاً عربية واوروبية، ترعى وتدعم حربه بشكل مباشر وغير مباشر عبر مده بالمال والسلاح.
وبالنسبة لحجم تمدد «داعش» واتساع حجم اهدافه تؤكد المراجع ان الوقائع الاخيرة تدل على ان نشاطه وحربه لا تقتصر على العراق وسوريا لا بل انه اخذ ينمو ايضا في الاردن حيث رفع مؤخرا مناصرون له راياته في اكثر من قرية واقاموا تجمعات تحاكي انتصاراته في العراق.
وفي لبنان تؤكد المراجع ان الخلايا الارهابية النائمة تحركت على وقع نجاح «داعش» في اجتياح الموصل ومناطق اخرى، ولوحظ ان هذا التنظيم دخل على خط هذه الخلايا مستعيناً باستقدام عناصر انتحارية من الخارج، والى جانب ذلك بادر عدد من قادة المحاور والمجموعات المتطرفة في طرابلس ومعهم بعض الذين يتعاطون السياسة من باب الندوة النيابية الى التهديد بممارسة الدور نفسه الذي لعبه ويلعبه «داعش» في العراق وسوريا، لا بل اخذ بعضهم يطلق التصريحات والمواقف متسلحاً بالنصر الذي حققه هذا التنظيم في الموصل، وملوحا بتعميم التجربة الداعشية في لبنان.
هل يمكن ان تنجح هذه التجربة في لبنان؟
يقول مصدر سياسي لماذا يتعامل البعض مع ما حصل ويحصل في العراق على انه نموذج يمكن ان يحتذى ويطبق في لبنان؟ وما هي المصلحة في ان يفكر في ذلك؟
ويضيف، لا شك ان خطر ما يجري في المنطقة ينعكس على لبنان بشكل او بآخر، وقد شهدنا في الايام الاخيرة بعض نتائج وتداعيات هذه التطورات من خلال عودة محاولات التفجير والعمليات الانتحارية الارهابية الا ان الجيش والقوى الامنية اثبتت فعلا جهوزية لم تفاجئ اصحاب مخطط نقل «النموذج» الداعشي الى لبنان فحسب بل فاجأت حتى المسؤولين والقادة السياسيين.
وبرأي المصدر ان المؤسسة العسكرية والقوى الامنية الاخرى نجحت في احداث صدمة ايجابية بوجه ما خطط ويخطط له، وان هذا الاستنفار الامني الناجح بحاجة ان يواكبه استنفار سياسي مماثل، وهذا لم يحصل حتى الآن بدليل عدم بروز اي تطور ايجابي على صعيد الاستحقاق الرئاسي واستمرار جمود وشلل المجلس النيابي بسبب حرب المقاطعة التي يمارسها البعض على طريقة «عنزة لو طارت».
ويكشف المصدر عن ان سفراء الدول الاجنبية بما فيهم السفير الاميركي، اعربوا عن قلقهم وخوفهم مما حصل ويحصل مؤخراً، واكدوا مجددا ان قرار بلدانهم هو الاستمرار في تحييد لبنان عما يجري حوله من تطورات، والمحافظة على الاستقرار الامني والدفع باتجاه تعزيزه الى جانب تعزيز الاستقرار السياسي خصوصا بعد نجاح تشكيل حكومة التوافق الوطني.
وقد يكون الدعم الاستخباري الذي تلقاه الجيش والقوى الامنية مؤخرا من المخابرات الاميركية ومخابرات دول اوروبية اخرى لا سيما المانيا ترجمة لهذه الرغبة بابقاء لبنان في دائرة الاستقرار والتحييد.