يحكم الإسلام السياسي دولاً أساسية في المشرق، كما يحكم معارضات سرعان ما تعسكرت، لأن الإسلاميين يقدمون أنفسهم بالمدفع والصاروخ لا بالخطاب والكتاب.
والصراع يدور بين مراكز الإسلام السياسي التي يستخدم معظمها جماعات مسلحة لتعطيل الحياة المدنية وتفكيك المؤسسات في دول مدنية يتحكّم بها العسكر، في انتظار بديل يظنونه إسلامياً بعدما تحدده توافقات الدول الكبرى على رسم خرائط المنطقة.
التنافس بين إيران ودول الخليج واضح، فهذه الدول تركز على الانتماء العربي للمشرق وترى نفسها أولى بالعلاقة معه من إيران غير العربية، والتي تتدخل في المنطقة من بوابة الصراع مع إسرائيل ودعمها «حزب الله» اللبناني وإسلاميي غزة، ومعهما النظام السوري الذي تحول من صديق لطهران في عهد الأسد الأب الى تابع لها في عهد الابن.
هذا التنافس الواضح، يعبر عن نفسه حيناً بالصراع السياسي وأحياناً بمحاولة رسم حدود النفوذ باتصالات معلنة أو غير معلنة. لكن ما هو غير واضح علاقة الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا بكل من إيران ودول الخليج. ثمة برود يخفي أجندات لا تستطيع أنقرة إعلانها في المرحلة الحالية، كأنها تنتظر أن يؤدي الصراع الدموي في العراق وسورية الى استدعاء الجيش التركي ليطفئ حرائق الطوائف، ويتطلب هذا الاستدعاء موافقة دول الإقليم الرئيسة والدول الكبرى، وربما عبر قرار من مجلس الأمن. وقد حدث مثل هذا الأمر لدى استدعاء الجيش السوري وقوات ردع عربية أخرى (ما لبثت أن انسحبت) لإطفاء حرائق الطوائف في لبنان، مع فارق وحيد هذه المرة هو موافقة مجلس الأمن لا جامعة الدول العربية، لأن تركيا ليست بلداً عربياً.
غموض الموقف التركي يعود إلى حلم التدخل العسكري في سورية والعراق بناء لطلب إقليمي ودولي. ومع الغموض، تواصل أنقرة تسهيل تحركات «داعش» و «جبهة النصرة» وغيرهما من الفصائل الإسلامية المسلحة لمزيد من التفتيت، في انتظار عملية الاستدعاء.
وإذا كان دخول جيش الأسد لبنان فتح الباب لترويض المنظمات الفلسطينية المسلحة تمهيداً لاندراجها في حل سياسي طويل الأمد، فهل يستطيع جيش أردوغان التمهيد لمصالحات وطنية في العراق وسورية فيحصد نفوذاً ثابتاً في البلدين يشبه الوصاية السورية على لبنان، قبل أن تتفكك سورية وتصبح بحاجة إلى الوصي التركي؟
نشك في تحقق الحلم التركي، لأن جيش أردوغان جزء من المشكلة لا من الحل، فالحزب الذي يحكم تركيا ينتمي إلى جماعة «الإخوان المسلمين» التي عبرت بوضوح عن نياتها السلبية تجاه دول الخليج، كما أن وفاق «الإخوان» مع إيران يتأرجح نحو الخصومة، كما حدث أثناء زيارة أحمدي نجاد القاهرة في حكم محمد مرسي، وظهر للعالم التكاذب «الإخواني» – الخميني الذي يخفي خصومة عميقة.
سيناريو حروب العراق وسورية يختلف عن سيناريو حروب لبنان، لكن مراقبة أنقرة واستكشاف غموضها قد يسمحان بتلمس مآلات الحكم في بغداد ودمشق أكثر مما تسمح مراقبة الصراع الخليجي– الإيراني في حالي الهدوء والتأزم.