Site icon IMLebanon

العراق يخيف إيران فتعتدل عربياً

 

أخيراً، تذوق الجمهورية الاسلامية في إيران، من الكأس التي أذاقت منها الكثير من العرب طوال السنوات الأخيرة، القلق والخطر. اقتراب النار العراقية من الأمن القومي الايراني، غير المعادلة الايرانية بنسبة 180 درجة. في البداية، دفع منسوبها المرتفع من القوة، طهران الى التعامل مع الحالة العراقية وكأنها مسألة ساعات أو أيام للقضاء على ارهاب «داعش» ولتعود «مياه» المالكي الى مجاريها، فتستمر في تفرغها لباقي الساحات و»الملاعب» والملفات، ما يساعدها على هذا الحسم، كان برأي طهران، حاجة الولايات المتحدة الأميركية لها في «الحرب العالمية ضد الارهاب«.

تسارع التطورات، أكد أن المعركة ليست مع «داعش» وحدها وإنما مع سنّة العراق بكل فصائلهم وانتماءاتهم، وأن الأكراد بقيادة مسعود البرزاني، هادنوا كثيراً ولكنهم بعد أن وضعوا يدهم على كركوك أصبح بينهم وبين الاستقلال «شعرة معاوية»، وأن واشنطن التي تؤيد التعاون مع بغداد لكنها تريد تغيير النظام فيها، ما يعني رفع اليد الايرانية تدريجياً عن «رقبة» العراق. هذا كله أعاد صيغة «الخطاب الشيطاني» ضد واشنطن فإذا بأميركا «هي التي تدير مركز القيادة الرئيس للحرب الأهلية في العراق». كما قال مسعود جزائري مساعد هيئة الأركان.

العراق هو «الخاصرة الضعيفة» تاريخياً لإيران، يدفع القيادة الايرانية للتصعيد. أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الذي زار موسكو وسيزور الكويت وعُمان والامارات، وضع نقاط الموقف الايراني على الحروف فقال:

*ان أي تغيير يؤثر على أمن العراق يمكن أن يؤثر على الأمن القومي للجمهورية». أي أن أمن ايران من أمن العراق والعكس صحيح. وفي هذا أوضح تعبير الى أي مدى يمكن أن تصل ايران في المواجهة، خصوصاً وان اللهيان أضاف: «سنقوم بكل اجراء لازم في إطار توفير الأمن القومي لبلادنا وفق القوانين الدولية«.

*ان الحديث عن «استقلال كردستان العراق ستكون نتيجته عودة كردستان الى ما قبل عدة عقود». لا شك ان ايران لا تتحمل لحظة واحدة أي خطوة تؤدي الى قيام كردستان الكبرى، لأن خسارتها لكردستان ايران هي مثل «قطع يدها» وربما أكثر. لذلك يبدو في كلام اللهيان تهديد واضح بالحرب التي تعيد كردستان العراق الى أيام الحرب مع صدام حسين قبل عقود. اكتشفت طهران بسرعة أن «العراق هو أوكرانيا» بالنسبة لها كما «أوكرانيا لروسيا». موسكو تعمل جاهدة للانسحاب بعيداً عن المستنقع الأوكراني الى درجة «إغماض أعينها» عن استعادة وتقدم القوات الأوكرانية من المدن التي انفصلت عن البلاد. فماذا ستفعل طهران بعد أن كانت على حافة الانتصار وتشكيل «الهلال الشيعي» تحت إمرتها؟.

التصعيد الايراني ضد أميركا، لا يعني أكثر من الشعور بخيبة الأمل خصوصاً وأن «قلبها» في العراق» و»رقبتها» في فيينا حيث تدور المفاوضات حول الملف النووي. طهران مضطرة لتقديم التنازلات مع محيطها. لا يمكنها متابعة التهويل بتدخل في الدول العربية خصوصاً السعودية في سوريا والعراق، وهي في الوقت نفسه تدير الحرب في سوريا، وتعمل لتثبيت بشار الأسد رئيساً للبلاد حتى ولو اقتضى ذلك تقديم بعض التنازلات لجزء من المعارضة السورية. كيف يمكن أن يستقيم الخطاب الايراني عن وقف تدخل بعض الدول العربية في سوريا والعراق العربيين وهي مستمرة بالتدخل العسكري وكأنها عاصمة العواصم العربية؟.

خلال 24 ساعة، عاد الهدوء الى الخطاب الايراني ضد السعودية. هاشمي رفسنجاني استقبل سفير بلاده في الرياض واستمع منه الى تقرير حول العلاقات السعودية الايرانية. كما أن اللهيان رحب بزيارة الأمير سعود الفيصل لطهران.

من الواضح جداً، أن طهران ستعمل خلال الأيام المقبلة على تهدئة الوضع في العراق وسوريا، حتى لا تجد نفسها في قلب البركان العراقي الذي تعرف أكثر من غيرها مدى قوة حممه النارية ووصولها الى قلب الأمن الايراني.

مثل هذا الاعتدال الايراني والعمل على التهدئة لا بد أن ينعكس ايجاباً على لبنان مما يساهم في اخراجه من السباحة في الفراغ. كل شيء معلّق على تطورات الحالة العراقية حرباً أم سلماً.