الحدَث الإقليمي يخطف الأضواء مجدّداً من التطوّرات المحلية التي تركّزَت أمس على قضية العسكريّين المحتجزين، في ظلّ تأكيدات رسمية بمتابعتها ليل نهار وصولاً إلى إطلاقهم. وفي جديد هذه الأحداث توجَّه مساعد وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان إلى السعودية للقاء وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، في زيارةٍ هي الأولى من نوعها منذ توَلّي الرئيس الإيراني حسن روحاني الرئاسة في آب 2013. ويُعتبر هذا اللقاء بحَدّ ذاته خرقاً مهمّاً في العلاقة السعودية-الإيرانية، لأنّ مجرّد حصوله يعني أنّ مساراً جديداً في العلاقة بين طهران والرياض قد انطلق.
وقد جاء هذا الخرق في الجدار السعودي-الإيراني بعد التطوّر العراقي وتنحّي نوري المالكي ودخول العراق في مرحلة سياسية جديدة. ويأتي هذا التطوّر أيضاً في سياق حراك دوليّ استثنائي تحت عنوان الإرهاب، الأمر الذي حاولت سوريا استغلاله بإعلان وزير خارجيتها وليد المعلم «استعدادَ بلاده للتعاون والتنسيق على الصعيدين الاقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب»، فيما أعلن المتحدث باسم البيت الابيض جوش أرنست أنّ الرئيس الاميركي باراك اوباما «لم يتّخذ بعد قراراً» بشأن توجيه ضربات جوّية محتملة لمواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، كما أجمعَت معظم المواقف الدولية على أنّ استهداف الإرهاب لا يعني تقديم جائزة ترضية للنظام السوري ولا التعاون معه من قريب أو من بعيد، وانتقدَت مصادر ديبلوماسية غربية بشدّة مواقفَ المعلم، وتساءلت كيف يكون استهداف الغرب للنظام انتهاكاً للسيادة السورية، فيما استهداف «داعش» يكون تعزيزاً لهذه السيادة، كما تساءلت كيف يكون استهداف الإرهاب في سوريا عدوانا في حال عدم التنسيق مع النظام، فيما يكون حلالا في حال التنسيق.
وأكّدت لـ«الجمهورية» أنّ المجتمع الدولي لا يمكنه السكوت ولا التغاضي عن جرائم هذا النظام، وشدّدت على أن لا تساهل مع «داعش» ولا مع النظام، وقالت إنّ هذه المحاولات الاستغلالية، وآخرُها المؤتمر الصحافي للمعلم، لم تعُد تنطلي على المجتمع الدولي، ولفتت إلى أن أمنيات النظام بالتعاون مردودة مع الشكر.
مراوحة رئاسية
وفيما تستمرّ محاولات إخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، وبعد الآمال المعقودة على حلّ منشود وقريب، علمَت «الجمهورية» من مصادر مطّلعة أنّ كلّ الأجواء التي تحدّثت عن تسويةٍ ما انطلاقاً من كلام رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الأخير، لا أساس لها، وأنّ الأمور لا تزال تراوح مكانها، فلا تسويات ولا حراك، ولا أحد يتكلم مع أحد بتسويات أو طبخات أو مخارج، وبالتالي فإنّ نسبة العمل السياسي تدنّت الى حدّ الصفر، وكلّ مَن يدّعي عكس ذلك يوهِم الناس، ولا يقارب الحقيقة. فالصحيح أنّ كلّ الأمور معلّقة ولا أحد يملك الحلّ، وكلّ طرف على موقفه، وحتى التمديد النيابي ليس واضحاً ولا محسوماً.
وأشارت المصادر الى أنّه لا يمكن القول إنّ ملفّاتنا الداخلية عالقة على روزنامة خارجية أو تطوّرات المنطقة، وبالتالي لا أحد يملك إجابة أو حلّاً لمأزق الاستحقاقات الداهمة، وكلّ ما نراه في الإعلام هو مجرّد إثبات حضور.
«حزب الله»
وفي السياق، أعلنَ «حزب الله» بلسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أن «لا حلول في لبنان في المدى المنظور، بانتظار تطوّرات العراق وسوريا وفلسطين، وتغيُّر في السياسات الأميركية والسعودية في المنطقة»، ودعا فريق 14 آذار» إلى الكفّ عن اجترار الشعارات التي انتهَت صلاحياتها، والاعتماد على إنجازاته لا إنجازات «داعش» التي تبيّن «أنّها لهم وليست لكم، وعليكم قبل أن تكون علينا»، لافتاً إلى أنّ الجميع أمام فرصة، داعياً لانتهازها من أجل التفاهم والتحاور».
الراعي
في هذه الأثناء، جدّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس دعوته الى «انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت»، وأكّد أنّه «لا يجوز الفراغ في المركز الأوّل في الدولة، في حين أنّ لبنان والمنطقة يعيشان أخطاراً كثيرة ومتعددة».
عرسال مجدّداً
وسط هذا المشهد، ظلّت بلدة عرسال في دائرة الضوء، وسط معلومات عن تحرّك المسلحين فيها، وحديث عن حركة نزوح بعض أبنائها بعد التهديد بتصفيتِهم.
وقد حضرَ هذا الوضعُ الأمني في لقاء عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي أعلن أنّ برّي سيقوم بخطوات محدّدة وعدّة في هذا الاتّجاه، مُشدّداً كذلك على دور الحكومة في العمل على تثبيت الأمن في المنطقة وضمان السلم الأهلي فيها.
من جهته، دعا وزير الخارجية جبران باسيل الى استكمال تحرير عرسال، معتبراً أنّ الحسم الأمني هو الحلّ، وليس التفاوض مع المجموعات المسلّحة.
أهالي الأسرى
وعصر أمس، عُقد أوّل لقاء بين المشنوق ووفد من أهالي الأسرى لدى الإرهابيين بعد أحداث عرسال، بحضور المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم، خُصّص للبحث في التطورات المحيطة بالملف ونتائج الاتصالات الجارية في ضوء الروايات التي اعتبرَها المجتمعون غيرَ صادقة وتحتاج الى كثير من التدقيق والصدقية، عدا عن السيناريوهات المفبركة التي تهدف إلى الإساءة للمؤسّسة العسكرية قيادةً وضبّاطاً وأفرادا، وإلى معنويات المخطوفين وكرامتهم.
وعلمَت «الجمهورية» من مصادر المجتمعين أنّ المشنوق قصد عقد اللقاء لتبديد الروايات المغلوطة التي تحدّثت عن عمليات فرار لعسكريّين وعن تواطؤ أحد الضبّاط في تسليم موقعِه، في الوقت الذي استشهد فيه عدد من الضبّاط كانوا في المواجهة والمواقع الأمامية مع عسكريّيهم.
وعبّر وزير الداخلية أكثر من مرّة عن حرصه بأن تتمّ عملية الإفراج عن الأسرى بسرّية تامة، مؤكّداً أنّه لن يتحدث عن هذا الموضوع ولا عن حجم الوساطات الجارية وأهمّيتها، ولا عن الأشخاص أو الأطراف الذين يقومون بها، مؤكّداً أنّها جارية على قدم وساق بعيداً من الإعلام والروايات المتبادلة، خصوصاً تلك التي تدَّعي ما لم يحصل إلى اليوم، أو بناءَ أدوار لأشخاص وأطراف لا علاقة لهم بالقضية لا من قريب ولا من بعيد، واستغلال البعض لهذه القضية للإساءة إلى هذه الدولة أو تلك، أو إلى المؤسسة العسكرية.
وقالت المصادر إنّ المشنوق دعا الأهالي إلى الصبر وعدم الأخذ بالشائعات، مؤكّداً أنّ أمر «إعادتهم سالمين إلى ذويهم وإلى مؤسّستَي الجيش وقوى الامن الداخلي، واجبٌ والتزام ومسؤولية وطنية جامعة، لا مكان فيها للتهاون أو التلكّؤ أو الانكفاء، كما أنّه لم يكن ولن يكون موضع مساومة أو تفريط».
وقال المشنوق إنّ الملف دقيق وحسّاس، وإنّ حرص المعنيين على إنهاء مأساة العسكريين المخطوفين، يوازيه الحرص على التعامل مع هذا الملف الحسّاس بمسؤولية وواقعية. رافضاً مضمون الكثير من الانتقادات وحملات التشكيك والتجريح والاتّهامات بالتقصير، لرغبته في ألّا تؤدّي «أيّ دعسة ناقصة» في هذا الأمر، الى نتائج سلبية تعرّض حياة المخطوفين للخطر، لا سمحَ الله.
المشنوق
وكشف المشنوق لـ«الجمهورية» أنّه أبلغَ وفد أهالي العسكريين المحتجَزين حرصَه على التكتّم بهذا الموضوع إلى أقصى حدّ ممكن، قائلاً لهم: «لا تنتظروا شيئاً منّي في الإعلام، وتأكّدوا من أنّني لن أترك هذه القضية الوطنية والإنسانية، ولن أسمح بتمييعها وتسويفها، وكلّ ما أعِدكم به أنّني سأعمل ليل نهار من أجل إيصالها إلى بَر الأمان».
سكّرية
وفي المواقف، استبعد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب الوليد سكّرية أن يفرج المسلحون عن الأسرى العسكريين قريباً، «فهُم يستخدمونهم رهائن لابتزاز الدولة اللبنانية، وسيحتجزونهم لأطول فترة ممكنة، ومن هنا لن يعود أمامها إلّا الحلّ الأمني».
وقال سكّرية لـ«الجمهورية»: «إنّ خطفَ العسكريين كان بهدف منع الجيش من إلقاء القبض على أيّ عنصر شاركَ في الهجوم عليه أو على
المتعاونين مع تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، ومنع الدولة من اتّخاذ أيّ إجراء قد يضيّق الخناقَ عليهم في الجرود التي يقبعون فيها، أو من التعرّض لمؤيّديهم، وكذلك منع التضييق على المخيّمات التي تأوي أهاليهم النازحين من القلمون، ولضمان استمرار وصول التموين والإمداد لهم».
وأشار سكّرية إلى أنّ الجيش استعاد مراكزه في عرسال، لكنّه لم ينفّذ أعمال دهم داخلها للقبض على مَن كان يتعاون مع المسلحين أو مَن شارك في الهجوم عليه، وذلك كي لا ينتقمَ هؤلاء من الرهائن العسكريين.
وقال: «ما دام المسلحون موجودين في المنطقة فاحتمالُ تجدّد المعركة في عرسال أو في غيرها من المناطق يبقى احتمالاً قائماً، فطالما هؤلاء موجودون، فالخطر موجود، وفي نظري إنّ الدولة اللبنانية مغلوبٌ على أمرها، لأنّ عسكريّيها رهائن في يد المسلّحين، والجيش يترقّب مسارَ التعاطي معهم مفسِحاً المجال لاستعادة عناصره. أمّا كيف وما هي الاستراتيجية التي تتبعها الدولة، فلا نعرف.
لكن أمامها خيارات: إمّا استعادتهم عبر وسيط وإمّا الإبقاء عليهم رهائن إلى ما شاء الله. وقد سمعنا تصريحاً للوزير باسيل مفادُه: أنّه لا بدّ من حلّ أمني، وأنا قلت منذ بداية المعركة أنّه يجب اقتلاع الإرهاب ليس من عرسال فقط بل من كلّ لبنان.
وأكّد سكّرية أنّ «حزب الله» هو كلّياً إلى جانب الجيش، ويتعاون معه الى أقصى الحدود في مواجهة هذا الخطر على أرض لبنان، ولا مصلحة للحزب في أن يكون بعيداً من الجيش، لأنّ مواجهة هذه الجماعات هي مسؤولية الدولة، والجيش هو القوّة التنفيذية للدولة، و»حزب الله» يقف الى جانبه، وعلى جميع اللبنانيين ان يلتفّوا حول الجيش في هذه المواجهة».
تصعيد المياومين
على صعيد آخر، شهدت قضية مياومي الكهرباء تصعيداً متبادلاً في المواقف. وقد دخلت وزارة الطاقة بقوّة على الخط، وعقد الوزير ارتيور نظريان مؤتمراً صحافياً وجّه فيه تهديدات الى المياومين، على اعتبار أنّ تصرّفاهم تُعتبر جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون.
ولفتَ إلى أنّ «إقفال مؤسسة كهرباء لبنان ومنع الموظّفين والمديرين من الوصول إلى أماكن عملهم وممارسة مهامّهم، يُشكّل جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون وممارسةً ميليشيوية يمكن أن تستدعي الإنجرار إلى مثيلتها في حال تقاعُس القوى الأمنية عن القيام بمهامّها وتأمين مداخل المؤسسة وسلامة الموظفين والعاملين فيها ومنطقة تواجدها». ورأى أنّ «الإستمرار في إقفال مؤسسة كهرباء لبنان يشكّل احتلالاً لها، وسينعكس سلباً على التغذية والصيانة، بما سيعود سلباً على المواطنين أيضاً».
بدوره توجّه مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك الى الرأي العام قائلاً: «سنبذل أقصى جهدنا لتأمين استقرار التيار الكهربائي، ولكن هناك تصليحات لا نستطيع أن ننجزها في ظلّ الوضع القائم، وهي تتراكم».
لكنّ ردّ المياومين جاء سلبياً على المؤتمر. وقد أصرّوا على إبقاء ابواب مؤسسة الكهرباء موصَدة لمنع الموظفين من الدخول إليها. وقالوا في بيان أصدروه، «إنّ الشركة تقوم بتفسير القانون خلافاً للأصول التي أقرّها مجلس النواب وتعدّل وكأنّها تضع نفسها محلّ السلطة التشريعية التي أقرّت هذا القانون (287) ولها وحدها الحقّ بتفسيره».
إطلاق صاروخ
وفي سياق إطلاق الصواريخ اللقيطة، سُجّل مساء أمس إطلاق صاروخ كاتيوشا عيار 122 ملم من محيط منطقة الجرمق في وادي الليطاني باتجاه اسرائيل، وقد ردّت قوات الاحتلال بقصف المنطقة الواقعة بين حلتا وكفرشوبا بثماني قذائف مدفعية، في ظلّ تحليق مروحيات وطائرات دون طيار في أجواء الخط الحدودي ابتداءً من مستعمرة المطلة وحتى مزارع شبعا، وتحدث المعلومات عن إصابة جندي إسرائيلي بنيران القنص من الجانب اللبناني بمحاذاة العديسة.