لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثاني والثمانين على التوالي.
وفي «لبنان – الفراغ» هذا، بدا السلوك الإجمالي لما تبقى من دولة غير متناسب في الشكل والمضمون مع «جريمة» اختطاف عشرات الجنود والعناصر الأمنية إبان معركة عرسال وجرودها، في حين أن قضية من هذا النوع تهزّ في العادة أركان الدول «المكتملة»، بحيث تصبح قضية رأي عام من الدرجة الاولى.
ولولا بعض الأخبار المتفرقة وبعض التحركات لعائلات الأسرى، لتلاشى أثرهم في الوجدان اللبناني الجماعي، علماً أن الجمهورية كلها هي بحكم المختطَفة، لا مجموعة أفراد، وتالياً فإن كرامة الرئاسات والمؤسسات والوزراء والنواب والمواطنين أجمعين، باتت رهينة «داعش» و«النصرة» إلى حين تحريرها، مع عودة هؤلاء المخطوفين الى الحرية.
ومن أبرز مكامن الخلل الظاهرة في الأداء الرسمي، أنه ما من استراتيجية واضحة او رؤية متكاملة لدى السلطة لإدارة ملف المخطوفين. يكفي أنه لا رقم رسمياً لعددهم الذي تجعله الاجتهادات المتفاوتة يتراوح بين 36 و39، ولا أسماء معلنة لهم وكأنهم تحولوا الى ارقام أو اشباح.
وليس معروفاً بعد لماذا لا يصدر بيان رسمي عن جهة مسؤولة في الدولة يحدد العدد ويعرض الأسماء والصور بشكل شفاف، بدل انتظار شريط فيديو من هنا او هناك، لأن من حق اللبنانيين ان يعرفوا كل التفاصيل عن هؤلاء الابطال الذين غامروا بحياتهم من أجل منع الفتنة وحماية السلم الاهلي، فلا يظلوا «غامضين» أو «مجهولين»، لانهم بذلك يكونون قد خُطفوا مرتين.
ومن أشكال الخلل كذلك، أنه لا توجد بعد رواية رسمية لكيفية وقوع العسكريين في الأسر، وكيفية تمكّن المجموعات المسلحة من سحبهم الى جرود عرسال وربما أبعد منها، ولماذا لم يشترط الجيش إطلاق سراحهم لوقف إطلاق النار و«غضّ الطرف» عن انسحاب المسلحين من البلدة، إلا اذا كان انسحاب المسلحين قد حصل خلسة أو في العتمة؟
وحتى المرجعية الناظمة لهذا الملف تبدو ملتبسة، فالجيش يرفض أن يكون شريكاً مباشراً في التفاوض، والحكومة مجتمعة بعيدة عن أجواء ما يحصل، باستثناء رئيسها ووزيري الداخلية والعدل، في وقت تتصدّر «هيئة العلماء المسلمين» المشهد التفاوضي، وثمة من يشكك أصلاً في دورها من الألف الى الياء.
لكن وزير الداخلية نهاد المشنوق يملك تفسيراً لما يسمّيه «الهدوء المسؤول» الذي تتحلّى به الجهات الرسمية. يقول المشنوق لـ«السفير» إن هذا الملف يجب أن يُعالج بكثير من التروي والحكمة، بدل الانفعال والافتعال، موضحاً أن الخيارات التفاوضية قيد المناقشة والتبلور على اساس هذه القاعدة.
وأشار الى انه سيطلب في بيان اليوم من وسائل الإعلام عدم التعاطي مع هذا الموضوع باعتباره مادة للإثارة او المعرفة، مؤكداً ضرورة مقاربته بتكتم وهدوء شديدين.
تعدّد الجهات الخاطفةيزيد الأمور تعقيداً
وبينما تفيد المعلومات، أن ثلثي المخطوفين هم من أبناء الطائفة السنية، أبلغت مصادر مطلعة «السفير» أن المشكلة الأبرز تكمن في تعدد الجهات الخاطفة، لافتة الانتباه الى ان قضية الرهائن العسكريين تقف على مفترق طريق، فإما ان يُفرج عنهم سريعاً وإما أن تسلك قضيتهم مساراً زمنياً طويلاً مشابهاً لـ«سيناريو أعزاز».
وفي حين نصح الرئيس نبيه بري رئيس الحكومة تمام سلام باعتماد القناتين القطرية والتركية في التفاوض، أكد مرجع أمني لـ«السفير» ان هذا الكلام دقيق وعملي، مشيراً الى ان هذا الممر هو الوحيد الذي قد يقود الى نتيجة إيجابية.
وإذا كان أمير قطر الشيخ تميم قد أبلغ رئيس الحكومة تمام سلام أن صلات بلاده مع المجموعات المسلحة في سوريا قُطعت كلياً منذ فترة، إلا أن العارفين يؤكدون ان الدوحة لا تزال تملك نفوذاً على العديد من تلك المجموعات، لاسيما تلك المتواجدة في منطقة القلمون، وخير دليل الدور الذي لعبته في إماطة اللثام عن قضية الراهبات.
وعُلم أن العديد من أهالي الرهائن اتصلوا بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وتمنوا عليه التدخل الشخصي في المعالجة، انطلاقاً من نجاحه السابق في إنجاز عملية إطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين في أعزاز، لكن ابراهيم أبلغ المتصلين به أن هذا الملف يُتابع من قبل رئاسة الحكومة وقيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي، وأنه مستعد للخوض فيه إذا كلف بذلك رسمياً من قبل الحكومة.
وسجل أمس خرق موضعي، تمثل في تسليم «داعش» شريط فيديو لسبعة من العسكريين المحتجزين، علماً أن العدد الأكبر موجود لدى «النصرة» التي اكتفت حتى الآن بإعطاء تطمينات نظرية حول سلامة المحتجزين لديها.
والعسكريون الذين يظهرون في الشريط، بمعدل 15 ثانية لكل منهم، هم: عبد الرحيم دياب، خالد مقبل حسن، علي السيد، حسين محمود عمار، علي زيد المصري، سيف حسن ذبيان، مصطفى وهبة.
وقال الناطق الإعلامي باسم «هيئة العلماء» الشيخ عدنان امامة لـ«السفير» إن «الهيئة» تسلمت من «داعش» مطالب للإفراج عن الجنود السبعة، في مقدّمها الإفراج عن سجناء موجودين لدى الأجهزة الأمنية (في سجن رومية)، موضحاً أن الخاطفين رفضوا الخوض في العدد والأسماء وربطوا ذلك بفك الحصار عن مخيمات النازحين وإيصال المساعدات الإنسانية إليها، وضمان سلامة الجرحى (المسلحين) في المستشفيات.