Site icon IMLebanon

العلاج الأوكراني يصلح لسورية ايضاً

يوماً بعد يوم يتكشف حجم التخاذل الأميركي والأوروبي في وقف نزيف الدم في سورية، ويتضح تورط الغرب في ترك الحرب المدمرة هناك محتدمة الى ما لا نهاية، فيما إعلامه لا يهتم سوى بإبراز وتضخيم حجم التطرف وعدد المتطرفين، متجاهلاً عن سابق تصور وتصميم أن الأمر ليس سوى انتفاضة شعب ضد حكم أقلوي ديكتاتوري مدعوم من قوتين خارجيتين هما إيران وروسيا. وإذا كانت طهران أُخضعت لعقوبات تتعلق بملفها النووي وليس بامتدادها الإقليمي التخريبي، وخصوصاً في سورية، فإن موسكو لم تُثر غضب الغربيين إلا بسبب الأزمة الأوكرانية على تخوم أوروبا وليس لتورطها في قمع الشعب السوري.

وفي الوقت الذي توحي التطورات الأوكرانية أن أميركا وأوروبا قادرتان فعلاً على جعل الروس يتهيبون حجم الأذى الذي قد يلحق باقتصادهم وهيبتهم اذا واصلوا تدخلهم في هذا البلد، فإن «القياصرة الجدد» لا يشعرون بأي حرج في استمرار مشاركتهم في مذبحة نظام بشار الأسد المتواصلة، من دون أي محاسبة دولية.

وهكذا يبدو ان التقدم الذي تحرزه القوات الحكومية الأوكرانية في الشرق واستعادتها واحدة تلو الأخرى المدن التي كان مؤيدو روسيا بسطوا سيطرتهم عليها، من دون ان ينبس بوتين ببنت شفة، فيما تتجاهل وسائل اعلامه النداءات التي يوجهها المنشقون اليه للتدخل والدفاع عنهم، يعني بين أمور اخرى ان موسكو «باعت» انصارها وتخلت عن حركتهم التي شجعتها، لحماية نفسها من التهديد الذي اطلقته بروكسيل وواشنطن بفرض عقوبات جديدة موجعة هذه المرة.

وقد يذهب البعض الى القول ان موسكو ربما تقايض سكوتها عن استعادة كييف المناطق في شرق اوكرانيا بتثبيت سيطرتها على شبه جزيرة القرم بعد «ضمها»، لكن حتى لو كان هذا هو الواقع، يكون الغرب قد نجح فعلاً في دفع الروس الى القبول بتسوية ما، لم تتضح معالمها بعد، بعدما كانوا مصرين على عدم شرعية النظام الاوكراني الجديد الذي قام على انقاض حكم مدعوم منهم، إثر انتفاضة شعبية سلمية.

وهنا لا بد من العودة الى تعمّد الولايات المتحدة الحديث عن «المصالح الروسية الكبيرة» في سورية وتضخيم دور موسكو في مؤتمر جنيف-1 وإظهار ان اميركا لا تستطيع ولا ترغب في استفزاز الروس، وكل التخويف الذي تلا ذلك عن «تجدد الحرب الباردة»، بما اتاح لواشنطن مبرراً للتراجع امام مطالبيها بالتدخل لردع حاكم دمشق بعد استخدامه السلاح الكيماوي ضد مواطنيه ومعارضيه. كما لا بد من التذكير بالسيناريو الاميركي غير الموفق الذي يتحدث عن «استنزاف» روسيا وايران في سورية وجعلهما «يدفعان» ثمن تدخلهما، فيما السوريون هم الذين يُقتلون ويهجرون وتدمّر مدنهم وقراهم.

اما التركيز الاعلامي الغربي على تعاظم دور المتطرفين في التطورات السورية والعراقية، وما يوفره المرتبطون منهم بأجهزة الاستخبارات من ذرائع لإثارة المخاوف في الغرب، فهدفه حرف الانظار عن حقيقة نظامي الاسد والمالكي، وإبراز «اعتدالهما» في وجه وحشية «داعش»، وتعميم مواصفات هذه الاخيرة على سائر معارضيهما.

واذا كان اسلوب المواجهة مع روسيا ومعاقبتها قد نجح في اوكرانيا، ولو جزئياً، فلماذا لا يتخلى الغرب عن «انفصامه» ويجرب الضغوط نفسها على موسكو لاجبارها على وقف دعمها لنظام الاسد، او على الأقل تخفيفه، بما يخدم هدف وقف المأساة السورية؟